خرج رئيس الحكومة التونسية الأسبق، هشام المشيشي، عن صمته المتواصل منذ عزله من قبل الرئيس قيس سعيد قبل أربع سنوات، متهما الأخير بـ”تفكيك” الدولة وتقسيم التونسيين.
وقال، في بيان أن تونس تمرّ اليوم أربع سنوات من انقلاب قام به من اُئتمن على مؤسّسات الدّولة (في إشارة لسعيد) وأقسم على حماية دستورها، فخان العهد وحنث اليمين. وانطلق في تفكيك أواصل الدّولة وبثّ الكراهية والحقد والتشفّي في المجتمع بخطاب فاشي يحرّض به التّونسيين بعضهم على بعض، ولا يستحي فيه من نعت مواطنين ومواطنات بنعوت مخزية، لا لشيء إلاّ لأنّهم رفضوا السّير في ركابه”.
دوامة العنف
وأضاف المشيشي: “لقد التزمت طيلة هذه المدّة، وكما عاهدت نفسي دوما، بما تمليه علي المسؤولية من واجب التّحفّظ ومن واجب حماية الدّولة ومؤسّساتها والحفاظ على صورتها، بالرّغم من كلّ الأذى والتّشويه الذّي نالني. تماما كما حرصت، غداة الانقلاب، وبالرّغم من الانتهاكات الّتي تعرّضت لها، على تجنيب البلاد السّقوط في دوّامة العنف حقنا لدماء التونسيين، وحفاظا على أرواحهم من سطوة منقلب كان يهدّد باستعمال الرّصاص ضدّهم”.
واستدرك بالقول: “لكن اليوم وأمام ما تشهده بلادنا من تدهور وسقوط على كافة المستويات، وخاصّة أمام ما يتعرّض له الكثير من أبناء وبنات تونس من سياسيين ومحامين ومسؤولين وإعلاميين من ظلم وتنكيل غير مسبوقين على يد من افتكّ كلّ السّلطات وجعل من القضاء مجرّد جهاز تحت تصرّفه يضرب به كل نفس حرّ وينتقم به من كل من تمسّك بمواطنته وبمبادئ دولة القانون والمؤسّسات، بعد أن فشل في ذلك مرارا قبل انقلابه عندما وجد من الوطنيين والوطنيات الحقيقيين من تصدّى له ولجماعته”.
وتابع المشيشي: “اليوم، لم يعد من المسموح لي، ولا لأيّ كان ممّن يؤمن بقيم الحريّة والعدالة أيّا كان موقعه، أن يظلّ صامتا ومكتوف الأيدي أمام ما اقترفه وما يقترفه كلّ يوم منقلب انقضّ على مؤسّسات البلاد باستعمال أساليب المخاتلة، وبتسخير القوات الأمنية والعسكرية الّتي دفع بها، في خرق تام للدّستور والقوانين، إلى الاعتداء على المؤسّسات الدّستورية ومحاصرتها بالمدرّعات وملاحقة منتسبيها”.
كما اتهم سعيد بـ”ضرب الدّولة ومفاقمة الوضع السياسي والاجتماعي، وتعطيل كلّ الجهود الي كانت ترمي إلى مواجهة الأزمات الّتي كانت تعيشها البلاد وخاصة أزمة كوفيد 19 الصحية الّتي دفع بها إلى التعفّن وعرقل هياكل الدّولة في مواجهتها بكلّ الأساليب، حتّى يصل بها إلى ما كان يسمّيها “باللّحظة” (لحظة إعلان حالة الطوارئ وتعليق عمل البرلمان والحكومة) ولو كان ثمن ذلك أرواح التونسيين والتونسيات. وها هو اليوم يتّهم -زورا وبهتانا كعادته- أعوان وإطارات (مسؤولي) الإدارة بما دأب عليه هو نفسه من تعطيل لمرافق الدّولة ومؤسّساتها، تمهيدا لإزاحتهم وتحميلهم وزر تخبّطه وعجزه، وتعويضهم بمريديه من التّوافه والمتملّقين وعديمي الكفاءة الذّين سيعبر بهم إلى كوكبه الخيالي الذّي طالما ادّعى انتماؤه إليه، دونا عن تونس”.
هوس المؤامرات
وقال المشيشي إن “المسؤولية تحتّم علينا اليوم التّنديد بالتّخريب الذّي يقوم به هذا المنقلب ومنظومته الرثّة والتصدّي له وفضح كلّ أكاذيبه. حيث لم يأت من يدّعي تقديم حلول للإنسانية سوى بالمحاكمات الفلكلورية الظّالمة الّتي استهدفت كلّ الشخصيات الوطنية والسياسية، وأصدرت أحكاما بمآت السّنين في قضايا مفتعلة، حبك أطوارها خيال مريض بهوس المؤامرات وبكوابيس الاغتيالات الوهمية الّتي تدبّر في حُفرِ وأنفاقِ المنازل”.
وأضاف: “أصبحنا نقف على استباحة للدّولة واستغلال مقدّراتها في رشوة سياسية توزّع على المريدين والأنصار في شكل تمويلات لشركات أهلية لم يُعرف لها نجاح أو نجاعة اقتصادية سوى في فكر هزيل لا قدرة له على تمثّل الآليات الحقيقية للعمل ولخلق الثّروة. أو في شكل إغراق للقطاع العام بانتدابات وتعيينات شعبوية ستقضي على ما تبقّى من فرص لإصلاحه، خاصة بعد أن بعث المنقلب آمالا كاذبة لدى العاطلين عن العمل، وأوهمهم بأنّهم سيحلّون محلّ أصحاب الشّهائد المزيّفة الذّين بيّنت التقارير أنّهم ليسوا سوى وهم آخر ينضاف إلى قائمة الأوهام التّي تحاصره”.
حارس حدود
كما اتهم سعيد بـ”التّفريط في السيادة الوطنية، الّذي يخفيه ضجيج الإنشائيات الجوفاء والعروض المسرحية الّتي يجيد أداءها من ارتهن البلاد والأجيال القادمة بقروض كذّب حجمها شعارات التّعويل على الذّات، ومن جعل من تونس حارسا أمينا على حدود غيرها وأقحمها في مشاريع إقليمية لا تخدم مصلحتها. كلّ ذلك وهو يتاجر بأعدل القضايا الّتي تسكن وجدان التونسيين، وهو الذّي لا يعرف العدل سوى في توزيع الظّلم بين أبناء الوطن الواحد”.
ودعا جميع “القوى الّتي “تؤمن بالديمقراطية ودولة القانون وبالعدالة الحقيقية وبالإدارة العقلانية والرّشيدة للدّولة” إلى “التّعالي عن خلافاتها، وإلى أن تلتقط كلّ المبادرات السياسية والمواطنية المؤسَّسة على اعتبار أنّ عنوان الأزمة بالبلاد هو الانقلاب، وأنّ وجود المنقلب في الحكم فاقد للشرعية وللمشروعية، وأنّ إدارته المتخلّفة للبلاد لن تؤدّي بتونس سوى إلى مزيد الانهيار وبالتونسيين سوى إلى مزيد الفقر وضنك العيش. وهي مدعوّة إلى أن تجتمع تحت مظلّة واحدة بهدف مقاومته والإسراع بإغلاق قوسه هو ومنظومته، بكافة الطّرق السلمية والمدنية، ومن ثمّ توجيه البلاد إلى مسار بناء ديمقراطي ومؤسّساتي جديد يقوم على الحوار والتّعايش السلمي بين مختلف التعبيرات السياسية والاجتماعية في ظلّ عُلوية القانون واحترام المؤسّسات، ويفرز قيادة شرعية جديدة يختارها التونسيون بوعي وبمسؤولية تتولّى تنفيذ برنامج إنقاذ وطني تتوافق حوله القوى الحية بالبلاد، حتّى تتجاوز تونس أزمتها وتواجه تحدّياتها الحقيقية وتسترجع مكانتها الدّولية بعيدا عن الشّعارات البالية والسّفسطة الخاوية”.
وكان الرئيس قيس سعيد أعلن في 25 تموز/ يوليو 2021 تعليق عمل البرلمان وإعفاء رئيس الحكومة، هشام المشيشي، من منصبه، كما قرر تولي السلطة التنفيذية وتعيين رئيس حكومة جديد. وقرر، أيضاً، رفع الحصانة عن نواب البرلمان وتولي رئاسة النيابة العامة للتحقيق مع النواب المتورطين في الفساد، وهو ما دفع رئيس البرلمان السابق، راشد الغنوشي، لاتهامه بـ”الانقلاب على الثورة والدستور”.
تعليقات الزوار
لا تعليقات