اعتمد مجلس الأمن الدولي، برئاسة نائب رئيس الوزراء ووزير خارجية باكستان محمد إسحاق دار، قرارًا جديدًا يُعزّز سبل حلّ النزاعات بالطرق السلمية، وذلك خلال جلسة رفيعة المستوى عُقدت صباح الثلاثاء تحت عنوان: “تعزيز السلام والأمن الدوليين من خلال التعددية وحلّ النزاعات سلميًا”.
وتهدف الجلسة إلى تقييم فاعلية الآليات الحالية لتسوية النزاعات، ودراسة أفضل الممارسات، واستكشاف استراتيجيات جديدة لمعالجة النزاعات الممتدة، مع التركيز على تعزيز التعاون مع المنظمات الإقليمية، وبناء القدرات، وتعبئة الموارد، بما يتماشى مع رؤية “منع النزاعات” الواردة في “ميثاق المستقبل”.
وفي مستهل الجلسة، صوّت الأعضاء بالإجماع على مشروع القرار الذي تقدّمت به باكستان، بصفتها رئيسة المجلس لشهر يوليو/ تموز الجاري، ليُعتمد القرار رقم 2788 (2025)، والذي يهدف إلى تعزيز آليات فض النزاعات سلميًا.
ويحث القرار الدول الأعضاء على الاستخدام الفعّال لوسائل التسوية السلمية، مثل التفاوض، والتحقيق، والوساطة، والتوفيق، والتحكيم، والتسوية القضائية، إضافة إلى الاستفادة من الوكالات أو الترتيبات الإقليمية. كما يشجّع على إحالة النزاعات القانونية، كقاعدة عامة، إلى محكمة العدل الدولية، وفقًا لنظامها الأساسي.
ويدعو القرار الدول الأعضاء إلى اتخاذ تدابير تضمن التنفيذ الفعّال لقرارات مجلس الأمن ذات الصلة، ويشجّع الأمين العام على مواصلة مساعيه الحميدة، وضمان جاهزية الأمم المتحدة لقيادة جهود الوساطة والدبلوماسية الوقائية.
كما رحّب القرار بجهود وحدة دعم الوساطة التابعة لإدارة الشؤون السياسية وبناء السلام، داعيًا إلى تقديم مزيد من الدعم الفني للدول والمنظمات الإقليمية، بما يشمل البلدان الخارجة من الصراعات.
وحثّ القرار الأمانة العامة على ضمان وجود وسطاء ذوي خبرة عالية ومتعددي الخلفيات الجغرافية واللغوية، لتقديم دعم فوري وفعّال لجهود الأمين العام. كما شجّع المنظمات الإقليمية ودون الإقليمية على تعزيز جهودها في تسوية النزاعات، ومشاركة الدروس المستفادة وأفضل الممارسات في مجال الوساطة ومنع النزاعات.
وشدد المجلس على أهمية المبادرات الدبلوماسية وبناء الثقة وتيسير الحوار على مختلف المستويات، داعيًا إلى إشراك المرأة والشباب بشكل كامل وفعّال في جهود منع النزاعات وتسويتها.
وطلب القرار من الأمين العام تقديم توصيات ملموسة بعد عام من اعتماده، بشأن سبل تعزيز آليات التسوية السلمية، مؤكّدًا التزام المجلس بمراجعة مستمرة لهذه الآليات لضمان فاعليتها وقدرتها على الاستجابة للتحديات المتغيرة.
غوتيريش: “تراجيدا الرعب في غزة لا مثيل لها”
وفي مستهل الجلسة، ألقى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش كلمة حذّر فيها من فشل المجتمع الدولي في احترام القانون الدولي وسط امتداد الحروب من غزة إلى أوكرانيا، داعيًا إلى التمسك بالدبلوماسية وتجديد الالتزام بحلّ النزاعات سلميًا.
وأشار إلى أن أدوات ميثاق الأمم المتحدة مثل التفاوض والوساطة والتحكيم “تظلّ شريان حياة” في أوقات تصاعد التوترات، مؤكدًا أنها اليوم “ضرورية أكثر من أي وقت مضى” في ظل الانتهاكات المتكررة للقانون الدولي.
وقال: “التكلفة باهظة، تُقاس بالأرواح والمجتمعات الممزقة والمستقبل الضائع. ويكفينا النظر إلى تراجيدا الرعب في غزة، بما تشهده من مستويات غير مسبوقة من الموت والدمار”. وأضاف: “المجاعة تلوح في الأفق، وعمليات الإغاثة محرومة من الأمان والمساحة اللازمة للعمل، ومباني الأمم المتحدة تتعرّض للقصف رغم إخطار الأطراف بمواقعها، ما يشكل انتهاكًا صارخًا للقانون الإنساني الدولي”.
وتابع غوتيريش قائلًا: “من غزة إلى أوكرانيا، ومن الساحل الأفريقي إلى السودان وهايتي وميانمار، يشتعل الصراع، وتُداس قواعد القانون، ويصل الجوع والنزوح إلى مستويات قياسية”، مؤكدًا أن الإرهاب والتطرف العنيف والجريمة المنظمة لا تزال تهديدات مستمرة تقوّض الأمن العالمي.
ودعا الأمين العام أعضاء مجلس الأمن، “وخاصة الأعضاء الدائمين”، إلى تجاوز الانقسامات، مشيرًا إلى أن المجلس، حتى خلال الحرب الباردة، نجح في منع اندلاع حرب عالمية ثالثة من خلال الحوار وبعثات حفظ السلام.
وأكد على ضرورة إصلاح آليات عمل المجلس لتصبح أكثر تمثيلًا للواقع الجيوسياسي، وأكثر شمولًا وشفافية ومساءلة، مشددًا في الوقت ذاته على أهمية التعاون مع المنظمات الإقليمية ودون الإقليمية، وفعالية الوساطة حتى في زمن الحرب، مستشهدًا بمبادرة البحر الأسود التي سمحت بنقل الحبوب خلال الحرب في أوكرانيا.
وفي ختام كلمته، شدد غوتيريش على وجوب احترام جميع الدول لالتزاماتها بموجب ميثاق الأمم المتحدة، بما يشمل حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني ومبادئ السيادة وسلامة الأراضي والاستقلال السياسي، داعيًا إلى تجديد الالتزام بروح السلام والتعددية، وقال: “أتطلع إلى العمل معكم من أجل سلام وأمن دوليين يلبّيان تطلعات الشعوب ويليقان بها”.
تعليقات الزوار
لا تعليقات