أخبار عاجلة

إسرائيل دولة الأبرتهايد الأخيرة في العالم

من السائد التفكير بأن حل الدولتين لم يحصل ذات يوم على تأييد كبير من معظم الجمهور الإسرائيلي، بسبب الهياج الفلسطيني القاتل المستمر منذ اتفاق أوسلو إلى الآن. ولكن الحقيقة أنه في السنوات الأولى لمشروع الاحتلال والاستيطان، كانت فترة قضى فيها الإسرائيليون أوقاتاً بدون إزعاج، وأحب رومانسيو “الدولة ثنائية القومية” الارتكاز إليها. والتفكير بوجوب وضع نهاية لاحتلال شعب آخر لم تزعج راحة معظم الإسرائيليين. السبب الحقيقي والآن أيضاً، يكمن في حقيقة أن استمرار السيطرة المباشرة، وغير المباشرة، على الشعب الفلسطيني لم يكن مرهوناً بدفع أثمان إسرائيلية باهظة.

 إضافة إلى ذلك: إذا كان الإرهاب الفلسطيني في العقود الثلاثة الأخيرة قد زاد إسهامه في تخويف الإسرائيليين من حل الدولتين، فقد حدث ذلك بسبب عمى تراجيدي – كوميدي أصاب معظم الإسرائيليين في فترة ما بعد أوسلو. بالنسبة لهم، اتفاقات أوسلو خلقت بالفعل واقع الدولتين، وفي أعقاب الانفصال عن غزة، خلق واقع الثلاث دول. ولكن هذا “الواقع” لم يمنع الإرهاب فقط، بل على العكس، شجعه على الظهور.

 لقد غاب عن فهم معظم الإسرائيليين بأن التداعيات الفعلية لاتفاقات أوسلو طورت وسائل سيطرة إسرائيل على الشعب الفلسطيني، مع تأكيد كبير على تفوق اليهود بين النهر والبحر. فقد غاب عن الوعي أن هذا الوضع المشوه الذي كان وما زال من العوامل الرئيسية لإرهاب الفلسطينيين، هو عكس نموذج الدولتين القوميتين المستقلتين، وهو النموذج الذي لم تتم في أي يوم تجربته هنا. إزاء كل ذلك، فإن المضي بمشروع الضم لأراضي الضفة الغربية وشمال قطاع غزة، الذي تسعى إليه الحكومة الكهانية – البيبية الحالية، ربما يؤدي إلى تغيير جذري في عقلية الإسرائيليين، وسيغرس في عقولهم فكرة أن نموذج الدولتين، الذي ما زال قابلاً للتنفيذ بالتأكيد على الأرض إذا توفرت الإرادة المتبادلة للشعبين، هو الطريقة الوحيدة لضمان الوجود السياسي والأمني لإسرائيل كدولة قابلة للحياة.

 أولاً، سيؤسس الضم دولة جديدة بين البحر والنهر، التي لا يمكن إخفاء جوهر الأبرتهايد فيها؛ لأنه لا أحد في دولة العرق اليهودي سيخطر بباله إعطاء الجنسية، حتى لعدد قليل من فلسطينيي العام 1967. نتيجة لذلك، من المرجح الافتراض بأن جميع السدود السياسية ستنهار خلال فترة قصيرة دفعة واحدة، وثمة تسونامي من العقوبات والمقاطعات الدولية ستغرق دولة الأبرتهايد اليهودية من كل الجهات. ستصبح حياة الإسرائيليين أقل قدرة على التحمل، وسيصل الاقتصاد والسوق إلى شفا الانهيار، ثم سيبدأ المزيد من الإسرائيليين التفكير جدياً بخيار تقسيم البلاد.

 تعميق الاستعباد القومي تجاه الفلسطينيين في أعقاب الضم سيفاقم المقاومة الفلسطينية ضد القمع الإسرائيلي، ومعنى ذلك أن موجات الإرهاب ستصل إلى رقم قياسي جديد. وهذا سيفتح عيون الإسرائيليين على العلاقة بين النضال القومي الإرهابي للفلسطينيين وبين دولة الأبرتهايد ثنائية القومية، وجعلهم يتبنون مقاربة إيجابية تجاه حل الدولتين.

 بنظرة تحليلية باردة، على من يؤيدون حل الدولتين ألا يخافوا من الضم؛ لأنه رغم المفارقة في ذلك، سيكون هو مسار خلاص الشعبين من الاحتضان القاتل للمحتل والواقع تحت الاحتلال.

 رغم ذلك، يجب على بقايا اليسار في إسرائيل محاربة هذيان الضم بجرأة، لسببين: الأول، أن تطبيق هذا الحلم الخيالي سيلقي في المدى القريب سكان المنطقة بين النهر والبحر معاناة وألماً بشكل غير مسبوقين. وحتى لو كان واضحاً نمو انبعاث للشعبين من داخل الدمار والخراب، فإن الحكمة والأخلاق تقتضيان في نهاية المطاف عدم التضحية بالحاضر على مذبح المستقبل.

 ثانياً، النضال الأيديولوجي ونضال الجمهور ضد نظرية العرق القومي – الكهاني، الذي يعد مشروع الضم درة التاج الإجرامية فيه، يبدو الآن مهماً جدا للقلة الإسرائيلية الصهيونية لبلورة وإحياء قصة وطنية – ليبرالية، قديمة – جديدة. هذه هي القصة التي على أساسها سيتم بناء المجتمع المثالي، الإسرائيلي الليبرالي، بعد الانهيار المأمول لدولة الأبرتهايد الأخيرة في العالم. 

ديمتري شومسكي

اضف تعليق

شارك

تعليقات الزوار

لا تعليقات