استأنفت الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان نشاطها بعد الانتخابات الرئاسية الأخيرة التي شهدتها تونس يوم 7 تشرين الأول/اكتوبر الماضي وانتهت بخلافة الرئيس قيس سعيد لنفسه ونيله لولاية جديدة مدتها خمس سنوات. وأصدرت الرابطة، وهي أعرق المنظمات الحقوقية التونسية والعربية على الإطلاق وعرفت بنضالها وتصديها لانحرافات الأنظمة في عهود الاستبداد، بيانا انتقدت فيه الوضع الحقوقي في البلاد ودعت السلطات إلى اتخاذ جملة من الإجراءات تكريسا للحقوق والحريات في البلاد.
ملاحقة الناشطين
دعت الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان مع 20 منظمة وجمعية حقوقية منها المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، والجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات، سلطات البلاد إلى «وقف ملاحقة الناشطين السياسيين والاجتماعيين والنقابيين». كما دعت إلى «وقف جميع التتبعات الجارية ضد الناشطين السياسيين والمدنيين والاجتماعيين والنقابيين، وإنهاء تجريم ممارسة الحقوق والحريات، وقبول التعددية الفكرية والسياسية». كما أعربت الرابطة ومن معها عن مساندتها المطلقة وغير المشروطة لكل المتابعين أمنيا وقضائيا بسبب ممارستهم لحقوقهم الأساسية المكتسبة من خلال ثورة الشعب التونسي ضد الديكتاتورية، وإصرارها على حقهم في التظاهر السلمي وحرية التعبير والتنظيم، حسب ما جاء في البيان. ومن بين الناشطين الملاحقين، الذين ذكرهم بيان الرابطة، وائل نوار الذي اعتقل على خلفية «مساندة فصائل فلسطينية خارج إرادة الدولة» والصحافية خولة بوكريم التي اعتقلت وفق البيان بتهمة الاعتداء على عناصر أمن، والنقابي جمال الشريف، كاتب عام الاتحاد المحلي للشغل الذي اعتقل على خلفية اتهامه بالالتفاف على قانون العمل.
تبديل هيئة الدولة
ومن بين الموقوفين أيضا، والذين لم يشملهم بيان الرابطة، رئيسة الحزب الدستوري الحر عبير موسي الموقوفة بالسجن منذ تشرين الأول/أكتوبر 2023 والتي وجه لها القضاء التونسي تهمة التخطيط لتبديل هيئة الدولة. وأكد محامون عن هيئة الدفاع عن عبير موسي أن قضاة التحقيق وجهوا لها تهمة «الاعتداء القصد منه تبديل هيئة الدولة» الواردة بالفصل 72 من المجلة الجزائية والتي تصل عقوبتها حسب المجلة إلى الإعدام الذي لا يطبق واقعيا في تونس منذ سنة 1992 رغم أنه ما زال في النصوص القانونية ولم يقع حذفه.
وأكد محامو عبير موسي أنهم طالبوا القضاء بالعودة إلى كاميرات المراقبة في محيط القصر الرئاسي بقرطاج للتثبت كما يجب من عدم ارتكاب موكلتهم للجريمة التي يتم تتبعها على أساسها وهي «الاعتداء الذي يقصد منه تبديل هيئة الدولة» لكن طلبهم قوبل بالرفض من قبل القاضي المتعهد بملف القضية. كما أكد محامو رئيسة الحزب الدستوري الحر والمرشحة للانتخابات الرئاسية لسنة 2019 أن التحقيقات بشأن عبير موسي انتهت في مرحلة أولى إلى عدم وجود جريمة لكنهم فوجئوا بصدور قرار عن قاضي التحقيق وجه بموجبه التهمة المشار إليها إلى موكلتهم، وبالتالي سيقومون بالطعن في قراره لدى دائرة الاتهام التي تعتبر محكمة درجة ثانية بالنسبة لقرارات قاضي التحقيق.
وللإشارة فإن رئيسة الحزب الدستوري الحر ملاحقة أيضا في قضايا أخرى من بينها قضية أثارتها ضدها الهيئة المستقلة للانتخابات وتتمثل تهمتها في نشر «معلومات مضللة» عن الانتخابات التشريعية لعام 2022. وكانت عبير موسي قد توجهت قبل إيقافها إلى «مكتب الضبط» للقصر الرئاسي بقرطاج لإيداع شكوى ضد مراسيم أصدرها الرئيس قيس سعيد ورفض مكتب الضبط مدها بوثيقة تفيد بتقديمها للشكوى وجلبت عدل تنفيذ ليثبت واقعة الرفض وحصل حديث بينها وبين موظفي القصر تم على إثره إيقافها من قبل الأمن وإيداعها لاحقا السجن. وبقي ما حصل في محيط القصر الرئاسي بقرطاج محل تجاذب، ففي حين يصر أنصار موسي وآخرون على أن موكلتهم لم ترتكب أي جريمة، يصر الفريق الموالي للرئيس على أنها أحدثت الهرج ولم تحترم مؤسسة سيادية كمؤسسة رئاسة الجمهورية.
نشاط ضروري
يرى الكاتب والباحث والناشط السياسي هشام الحاجي في حديثه لـ«القدس العربي» أن بيان الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان والمنظمات الحقوقية التي معه يعتبر النشاط الحقوقي الأول اللافت بعد الانتخابات الرئاسية التونسية الأخيرة التي جرت في تشرين الأول/أكتوبر الماضي. وبالتالي فإن هذا البيان الأول هو، حسب الحاجي، مؤشر على أن العهدة الرئاسية الحالية للرئيس قيس سعيد والتي مدتها خمس سنوات ستشهد الكثير من الشد والجذب في الملف الحقوقي الذي تتعرض بسببه السلطة إلى انتقادات واسعة. ويضيف محدثنا قائلا: «من المؤكد أن بعض أحزاب المعارضة ستنضم أيضا إلى هذا الحراك الحقوقي خلال الفترة المقبلة والذي تقوده المنظمات الحقوقية ومحامو الموقوفين الذين ينتمي عدد منهم إلى هذه المنظمات أو إلى تيارات سياسية عرفت بقربها من هذه المنظمات الحقوقية والنقابية. فالأحزاب التي فقدت ثقة أعداد كبيرة من أبناء الشعب نتيجة الوضع الاقتصادي والاجتماعي الذي وصلت إليه البلاد بعد عشرية من حكمها، يبدو أنه لا مفر لها من الانخراط تحت المظلة الحقوقية لاستعادة البريق المفقود بالإضافة إلى أن قياداتها شملتها التتبعات القضائية وهي نزيلة السجون ومن الطبيعي أن تنخرط في هذه التحركات الحقوقية التي تشهدها البلاد.
إن البلاد تبدو بحاجة مستمرة إلى هذا النشاط الحقوقي رغم ما قد يشوبه من انتقادات، باعتبار أن أي سلطة مهما بلغت عدالتها تميل إلى الاستبداد إذا لم تجد الرادع الذي يصوب انحرافاتها ويكشف لها أخطاءها وتجاوزاتها ومخالفتها للقانون ومساسها بالحريات. وبالتالي فإن السلطة مطالبة برأيي بأن تنصت إلى نبض شارعها الحقوقي حتى وإن تعلق الأمر بشخص واحد، وتحاول أن تتفهم مطالبه وتتجاوز مسألة اتهاماتها لهم بأنهم مأجورون من الخارج وينفذون أجندات دول أجنبية ولا يمثلون غالبية الشعب التونسي».
ويرى الحاجي أن الرسائل التي بعثها رئيس حملة الرئيس قيس سعيد بعد الإعلان عن نتائج الانتخابات والتي دعا فيها إلى القطع مع التجاذبات ووضع حد للمناكفات والدخول في فترة تهدئة وبأن لحظة 6 أكتوبر يجب أن تكون منطلقا لصفحة جديدة عبر البناء على منسوب الثقة الموجود بين الرئيس والتونسيين، يجب على السلطة أن تواصل البناء عليها. ويتم ذلك، حسب محدثنا، من خلال فتح صفحة جديدة مع الجميع، إلا من تورط عن قصد في الإضرار بالوطن خدمة لأجندات خارجية، والعمل على مشاركة أكثر ما يمكن من التونسيين في اتخاذ القرار ومن مختلف التيارات والأطياف السياسية من دون استثناء، لأن البلاد بحاجة إلى جميع أبنائها للنهوض بها من هذا الوضع الصعب الذي تمر به.
تعليقات الزوار
لا تعليقات