تولى القضاء التونسي المختص في قضايا الإرهاب الخميس، النظر في قضية ما يعرف بـ"الجهاز السري" لحركة النهضة، الذي يعتبر من أكثر الملفات التي شغلت الرأي العام التونسي، ويطالب بمعرفة وكشف حقيقة الاغتيالات السياسية والهجمات الإرهابية التي عرفتها البلاد بعد الثورة.
وأفاد الحبيب الترخاني الناطق الرسمي باسم محكمة الاستئناف بتونس، في تصريح لإذاعة الموزاييك المحلية أنّ دائرة الاتهام قررت إحالة جميع المتهمين على أنظار الدائرة الجنائية المختصة بالنظر في قضايا الإرهاب وذلك لمحاكمتهم من أجل تهم ذات صبغة إرهابية.
وأضاف أنّ من بين المتهمين المحالين على ذمة ملف القضية راشد الغنوشي ومصطفى خذر، كمال العيفي، كمال البدوي، عاطف العمراني علي العريض فتحي البلدي وغيرهم مع رفض الافراج عن المتهمين الموقوفين على ذمة القضية.
ويشمل ملف القضية 35 متهما، من ضمنهم 5 متهمين موقوفين على ذمّة هذه القضية، و7 موقوفين في غيرها، و12 متّهما في حالة سراح، و11 متهما في حالة فرار.
ويجري التحقيق في قضية الجهاز السري لحركة النهضة منذ شهر يناير/كانون الثاني 2022، إثر شكوى قدمت إلى وزيرة العدل ليلى جفّال، بوصفها رئيسا لجهاز النيابة العمومية، من جانب فريق الدفاع عن المعارضين السياسيين شكري بلعيد ومحمد البراهمي.
وكان رضا الرداوي، عضو هيئة الدفاع عن بلعيد والبراهمي قد تقدم بشكوى قضائية باسم حزب "الوطنيين الديمقراطيين الموحد" (الوطد)، الذي كان يرأسه بلعيد، اتهم فيها وزير الداخلية الأسبق هشام الفراتي، وعدداً من القيادات الأمنية بالتواطؤ في ملف الجهاز السري لحركة النهضة، وذلك من خلال تقديم "شهادات كاذبة حول هذا الملف"، على حد تعبيره.
وتمسكت هيئة الدفاع عن بلعيد والبراهمي بوجود "تعطيلات فيما يتعلق بالكشف عن ملابسات وظروف الاغتيالين، ومن يقف وراءهما، على الرغم من وجود قائمة بأسماء المتهمين، وكميات هائلة من المعلومات المهمة حول هذه القضية".
وسبق أن استمعت السلطات في هذا الملف إلى 123 شخصاً، من بينهم الغنوشي، الذي تم استجوابه في الثاني من نوفمبر /تشرين الثاني 2019، وضمت القائمة وقتها 24 شخصاً. غير أن قيادات حركة النهضة ظلت تتمسك ببراءتها، وتؤكد عدم وجود أي علاقة لها بهذا الملف الإرهابي.
واتهم فريق الدفاع عن بلعيد والبراهمي، في أكتوبر/تشرين الأول 2021 الجهاز السري للنهضة، بالتورط في اغتيالهما عام 2013 واختراق أجهزة الدولة وضلوعه في أنشطة تجسس لصالح جهات أجنبية، كما يتهم بعض قيادات الحركة، وعلى رأسهم الغنوشي، بتسييره والإشراف عليه، لكن الحركة الإسلامية نفت بشدة كافة الاتهامات.
وأفادت مصادر من هيئة الدفاع إن "قيادات أمنية و17 عضوا من النهضة من بينهم مستشارون لرئيس الحكومة في عهد الترويكا علي العريض متهمون في قضية الجهاز السرّي"، مشيرة إلى ارتباطه بجهات أجنبية من بينها تنظيم الإخوان المسلمين.
وورد هذا الملف، يوم 16 يوليو/تموز الماضي، على الوكالة العامة لمحكمة الاستئناف بالعاصمة، بعد ختم التحقيق بشأنه من قبل أحد قضاة التحقيق بالقطب القضائي لمكافحة الإرهاب.
وكانت حركة النهضة كثيرا ما نفت الاتهامات الموجهة إليها، معتبرة "الملف سياسيا بامتياز وادعاء باطلا" من قبل هيئة الدفاع عن الشهيدين محمد البراهمي وشكري بلعيد، وفق تصريحات سابقة.
وكشف مصدر قضائي حينها أن القضاء التونسي وجه لهؤلاء تهما تتعلق بمعالجة المعطيات الشخصية دون ترخيص والقيام بدل الهيئات الحاكمة المكونة وفق القانون والتحصيل بأي طريقة كانت على سر من أسرار الدفاع الوطني.
وكان الرئيس التونسي الأسبق الراحل الباجي قائد السبسي قد اتهم حركة النهضة بتهديده بعد أن استقبل أعضاء من هيئة الدفاع في قضية اغتيال شكري بلعيد ومحمد البراهمي أطلعوه على تفاصيل تتعلق بالجهاز السرّي للحركة.
ورفض الغنوشي في يونيو/حزيران 2023 المثول أمام القاضي المتعهد بالملف لاستنطاقه حول الجهاز السري فقرر إصدار بطاقة إيداع بالسجن بحقه.
ووصف رئيس النهضة هذه القضية بـ"فرقعة إعلامية" واعتبر في مناسبات سابقة أنها تهدف إلى الإساءة إلى الحركة الإسلامية ولطالما أكد أنها كانت أول المتضررين من الاغتيالات التي أدخلت البلاد في أزمة سياسية حادة.
وتسارعت التحقيقات في قضية الجهاز السري بعد أن شدد الرئيس قيس سعيد على ضرورة تفعيل المحاسبة، منتقدا طول مسار التقاضي.
وسعت وزيرة العدل ليلى جفال إلى مراقبة مسار القضية من خلال تشكيل لجنة خاصة بها تحت إشرافها المباشر، لافتة إلى أنها ستسعى إلى "محاسبة كل من تورط في تعطيل سير الملفات وسعى في طمس الأدلة والتأثير على المسار القضائي".
يشار إلى أن النيابة العمومية بالمحكمة الابتدائية بأريانة تخلت في سبتمبر/أيلول 2023 عن ملف "الجهاز السري" لصالح القطب القضائي لمكافحة الإرهاب.
تعليقات الزوار
لا تعليقات