حرصت نجمة قناة «الجزيرة» الإعلامية خديجة بن قنة، خلال وجودها في مدينة القدس، على الصلاة في المسجد الأقصى المبارك، كما اختارت أن تنشر صورتها، وهي بكامل زينتها المحتشمة، تصلّي هناك بجانب المقدسيات، وذلك من حقّها. لكن، لماذا يصرّ البعض على مُصادَرة هذا الحق منها؟ ولماذا يخوضون في كيفية دخولها إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة، وأيّ جواز سفر كان بحوزتها: الجواز الجزائري أم الفرنسي، وهل به «فيزا» إسرائيلية؟ وكيف كان تعامل جنود الاحتلال معها في الحدود؟ وهل وضعوا الختم على جوازها؟ وهلم جرا…
أكثر من ذلك، أنّ الذين تهجّموا عليها في منصّات التواصل الاجتماعي، تحت أسماء وألقاب أكثرها مستعار، لم يكتفوا بتلك الأسئلة المُريبة الشبيهة بما يقع في مكاتب التحقيقات الأمنية، بل حاولوا أيضا أن يفرضوا عليها زاوية معالجة محددة للواقع الفلسطيني، ووصلت المسألة إلى حد اتّهامها بـ «تجميل» صورة العدو الصهيوني، من خلال الإيحاء بأنه لا يمنع الصلاة في المسجد الأقصى، وبأن الأوضاع هناك آمنة مطمئنة!
غريبٌ أمر الكثيرين، يختفون وراء هواتفهم الذكية وحواسيبهم، ثم يشرعون في تقييم نيات الناس ومواقفهم، وإصدار الأحكام بنقرة على لوحة المفاتيح، ويُزايِدون على الإعلاميين في الوطنية والعروبة والمهنية والإنسانية!
بيد أن المثير للانتباه حقا، كون الهجوم على خديجة بن قنة لم يقتصر على أبناء جلدتها من بعض العرب، وإنما جاء كذلك مُتزامنًا مع هجوم آخر شنّه عليها إعلام الكيان الإسرائيلي، مثلما فعلت «القناة 11» التي بثّت تقريرًا بعنوان «تعرّفوا على خديجة بن قنة!»، قائلة إنها من مُقدّمي الأخبار والبرامج المخضرمين في قناة «الجزيرة» القطرية منذ حوالي 30 سنة. ومؤخرًا، وفي ظلّ الحرب على غزة، ومع حلول شهر رمضان، قدمت إلى إسرائيل عن طريق الأردن، لتنقل جزءًا من أخبار القدس.
القناة الإسرائيلية وصفت تقارير خديجة بن قنة بأنها «دائما منحازة»، وأن إطار تغطيتها كعادة قناة «الجزيرة» مُعادٍ لإسرائيل، وداعمٌ للسردية الفلسطينية وللمنظمات «الإرهابية»، وفق قولها. كما زعمت القناة العبرية أن بن قنة صعدت إلى القدس، ووصلت هناك دون مشاكل، ولم يمنعوها من تسليط الأضواء على الإجراءات والعوائق التي تضعها سلطات الاحتلال، كما تقول.
لم يكتف التقرير بذلك، بل انتقد لقاء الإعلامية الجزائرية مع الشيخ رائد صلاح، رئيس الجناح الشمالي للحركة الإسلامية في فلسطين، والذي عرّفته القناة الإسرائيلية بأنه «شخص قضى فترة في السجن بسبب التحريض»، وأدرجت كلامه: «أرحّب بالأخت خديجة بن قنة التي تحولت إلى أيقونة إعلامية وكأنّ صوتها يقول أنا لكم نصير.» وتابعت القناة أن بن قنة التقت جهات معروفة بعدائها لإسرائيل، من ضمنهم الشيخ عكرمة صبري، خطيب المسجد الأقصى.
ثم بلغ الخطاب الإسرائيلي مربط الفرس، ما دام الأمر يتعلق بإعلام عسكري مُسخَّر، وهو التحريض على قناة «الجزيرة»، والدعوة إلى منع عمل طواقمها في الأراضي الفلسطينية المحتلة، بعدما أقرّت حكومة الكيان لوائح طوارئ بإغلاق جهات إعلامية اعتبرتها «تضر بأمن الدولة»، فكانت البداية بقناة «الميادين» اللبنانية.
ومع ذلك، يأتي مَن يقول إن إعلاميي «الجزيرة»، وضمنهم خديجة بن قنة، يسعون إلى «تجميل» صورة إسرائيل البشعة!

مَن يريد إشعال الحرب؟

مثال أخرى يبرز كيف أنه عوض التركيز على العدو الصهيوني، يحاول زمرة من الناس إشعال الحقد بين العرب أنفسهم، كما يتبين ذلك من التدوينات والتعليقات المنتشرة عبر شبكات التواصل الاجتماعي، ولا سيما بين الجزائريين والمغاربة.
المفكر المغربي أبو زيد الإدريسي، أحد حكماء الأمّة ممن يمتلكون ضميرًا حيا، لا يفتأ ينبّه إلى خطر السقوط في الفخ الذي تضعه «إسرائيل» وبعض من يدور في فلكها. في آخر ظهور له، قال بصريح العبارة: «يُراد إشعال حرب خرقاء حمقاء بين المغرب والجزائر»، وبيّن أن وراءها إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا… المصيبة أن الاستجابة ـ كما لاحظ ـ تأتي من الطرفين المغربي والجزائري، وتتمثل في ما يقوم به «الذباب الإلكتروني» من التأليب على البلد الجار والسخرية منه وإطلاق نكات وعبارات سفيهة تزيد في إشعال نار الفتنة والكراهية!
وفي صفوف الذباب الإلكتروني، توجد حسابات لإسرائيليين يتهجّمون على الجزائر بدعوى الدفاع عن المغرب ومحبة المغاربة؛ وهُم في الواقع لا يحبّون سوى أنفسهم وما يجنونه من اتفاقيات «التطبيع» معهم في مجالات الاقتصاد والسياحة والثقافة وغيرها… لذلك، دقّ أبو زيد الإدريسي ناقوس الخطر منبّهًا: «يبدو أن إسرائيل تقود بعض حمقى الدولتين إلى حرب قادمة.» فهل يجد هذا النداء آذانًا مُصغية قبل فوات الأوان؟

«إسلام لايت»!

علي جمعة، مفتي الديار المصرية السابق، صار اسمه يتردد على أكثر من لسان هذه الأيام، في القنوات التلفزيونية والمنتديات الواقعية والافتراضية وشبكات التواصل الاجتماعي، ليس لأنه حقق إنجازًا مبهرًا في مجال تخصصه، ولكن لأنه أمسى «نجم» المبشِّرين بالإسلام الجديد، «إسلام لايت» الذي عرّفه أحد الباحثين أنه «مثل الكولا لايت والبيبسي لايت، إنتاج أمريكي صحي، لا يسبّب الغازات ولا الاحتقانات، دين جميل مسالم، يحب الجميع ويتفق مع الجميع ويحترم الجميع… و(المسلم لايت) طيب القلب، دائم الابتسامة، رقيق المشاعر، فالإسلام دين السلام، وليس دين الكتائب والمقاومة، فتلك جريمة في حق الإنسانية، ويمكننا أن نلجأ إلى أساليب أكثر حضارة كي نستردّ القدس من يد الآخر» (التوصيف للباحث المغربي حامد مسوحلي الإدريسي).
وفق هذا التصور، جاءت تصريحات علي جمعة في البرنامج التلفزيوني الذي يقدّمه خلال رمضان على قناة مصرية تحت عنوان «نور الدين»، مُفضّلاً أن يتحلّق حوله الأطفال، ليطرحوا عليهم أسئلة جريئة (هل هي متفق عليها من قبل؟) فتنزل الأجوبة من بين شفتيه على شكل «فتاوى» مرنة ورخوة.
آخر فتاوى الشيخ: الأولى قوله إن الحب بين البنات والأولاد أمر عادي، عملاً بالعبارة الشهيرة «أنا راضي وأبوها راضي… مالك انت ومالنا يا قاضي»، والثانية زعمه أن أبواب الجنة مفتوحة في وجه الجميع وليست حكرا على المسلمين، أما ثالثة الأثافي فهي الاستنتاج الذي تفتقت عنه عبقريته، بالقول إنه من الوارد أن يلغي الله النار في الآخرة؛ وحجة المفتي في ذلك أن الكثيرين يتحدثون عن عذاب القبر وأهوال القيامة، لكنهم لا يتحدثون عن وجود الشفاعة. وبعملية حسابية ـ يتابع نابغة زمانه ـ يوجد 70 ألف شفيع، وكل واحد منهم يشفع في 70 ألفا شخص، يعني حوالي 5 مليارات، وعدد المسلمين ملياران فقط. وإذا أراد الله أن يُلغي النار يوم القيامة، هل سنقول له لا؟! ليُلْغِها، وليُدخل الناس أجمعين إلى الجنة!»
ألم نقل إن الرجل «يُبشّر» بـ «إسلام لايت»، حيث لا فرقَ بين مُطيع وعاصٍ، ولا مجال للحديث عن الجزاء والعقاب… والبشر فيه «مؤمنون بلا حدود» على حد تسمية المؤسسة الشهيرة!

الطاهر الطويل