صحوت مرتعشة. كل شيء يخيفني: المشي والأكل والنوم. إن مشيت سأقع حتماً كما وقع بيدو. وإن أكلت ينتظرني كابوس جديد ساعة أنام. والليل هذه الأيام بات طويلاً. طويلاً جداً. لا بد إذن أن نقع في فخ النوم.
هكذا نمت وهذه المرة وجدت نفسي فوق جبال الريف. إنها إمبراطورية الحشيش المغربية. الإمبراطورية الأكبر والأكثر جودة في العالم. رأيت التجار مجتمعين، وهم يحرقون كل محاصيلهم. وسمعت تاجر حشيش إسرائيليا يبكي وينوح على مقربة منهم: أعمالي توقفت، أرسل كميات قليلة فقط إلى إسرائيل، بمبالغ كبيرة مقارنة بجودتها، تجارتي الآن مهددة، وأعمالي في خطر، بسبب تضامنكم مع غزة. نحن نخسر الملايين من الشيكلات. ماذا سنقول للزبائن أصحاب المزاج العالي؟!
فرد عليه تاجر مغربي، وهو يرمي كيسه الأخير في حلبة النار: لن تتمكن أنت ورفاقك من كسب لقمة عيش عن طريقنا، بينما يعاني سكان غزة من الجوع بسبب الحرب. اذهبوا وابحثوا عن مكان آخر. ارحلوا من هنا بسرعة. إن أردتم أن ندخل لكم الحشيش فعليكم أن تسمحوا بدخول الطعام لأهالينا في غزة.
إن هاتين الحكايتين ليستا من بلاد الاحلام. إنهما قصتان حقيقيتان من فئة المضحك المبكي. في الحكاية الأولى هناك رئيس من أكبر رؤساء العالم يتحكم بمصير بلادنا وبلاد كثيرة حول العالم، وهو لا يعرف مِصر من المكسيك، ولا يعرف ريهانا من الملكة رانيا، والبرغر من البيتزا. هو يلاحظ فقط نقصان حبات الشيبسي من الأكياس وتقليص حجم البوظة.
أما في الحكاية الثانية فمن الواضح أن تجار الحشيش أفضل بكثير من معظم زعماء بلادنا، الذين اكتفوا بالكلام الفارغ، رغم قتل المُحتل حوالى 28 ألف فلسطيني، أغلبهم من النساء والأطفال!
لقد اتخذ تجار الحشيش موقفاً «حقيقياً»، رغم الخطوط الحمراء الكثيرة التي تحيط بنوع تجارتهم. وقد عرضوا بذلك التجار الإسرائيليين لخسائر كبيرة، إذ يباع الكيلوغرام الواحد من الحشيش المغربي في إسرائيل بنحو 80 ألف دولار، نقلاً عن القناة 12 الإسرائيلية. ولكن مع ذلك «بيت الحرامي مليان». لقد نهبت قوات الاحتلال الإسرائيلية البيوت والمؤسسات الفلسطينية، وتباهت بكل سرقاتها، التي كان آخرها «البنك الفلسطيني»! لقد استولت قوة إسرائيلية في غزة على 54 مليون دولار، حسب ما ذكرته صحيفة «معاريف» العبريّة. يعني «شهد شاهد من أهلها». وبذلك فهم ليسوا فقط قاتلي الأطفال ومغتصبي الأرض، بل أيضاً لصوص «وعلى عينك يا تاجر»!
ولكن هل سنسمع في الأيام المقبلة عن مواقف عربيّة حقيقية تردع هجوم الجيش الإسرائيلي الجبان على رفح، أم سيكون الموت الجماعي الظالم، كالمعتاد، هو سيد الحكاية؟! كيف ستكون النهايات. نهاياتنا؟ هل ستكون كما اعتدناها مخزية جبانة ظالمة في حق القضية العادلة المقدسة، التي لم يتوقف نزيفها طوال أكثر من 75 سنة؟
مريم مشتاوي
تعليقات الزوار
الزطلة
الزطلة كما يسميها جيران المغرب أصبحت سلاحا إستراتيجي في الحروب الحديثة اللهم أدمها نعمة وآحفظها من الززوال