تتجه الحكومة التونسية إلى إنهاء التفرغ النقابي، في خطوة قوبلت بتأييد من عديد التونسيين ممن يعتبرون هذا الإجراء الذي بقي حكرا على النقابيين أحد أبواب الفساد الذي يكلّف خزينة الدولة خسائر مالية فادحة سنويّا، حيث أتاح للعديد من الموظفين الانتفاع بالرواتب والمنح دون ممارسة العمل بذريعة الانشغال بمهام نقابية.
وأفادت مصادر مطلعة بأن وزارة التربية رفضت مؤخرا جميع مطالب التفرغ التي تقدم بها الأساتذة والمعلمون والإطارات التربوية، ما أثار انتقادات في صفوف النقابيين الذين اتهموا السلطة السياسية القائمة بـ"التضييق" على العمل النقابي.
وأوضح وزير التربية محمد علي البوغديري في تصريح أدلى به الاثنين أن إسناد التفرغ النقابي أو إلغاؤه من مشمولات الحكومة دون سواها، مشددا على أن "التفرغات النقابية انتهت منذ العام 2011"، لافتا إلى أن وزارة التربية حرصت على تنظيم الرخص النقابية، وفق راديو "موزاييك" المحلي.
وتابع أنه من "غير المقبول أن تستمر الرخصة النقابية لفترة مفتوحة رغم أنها مخصصة بالأساس للقيام بمهمة محددة على غرار المؤتمرات واجتماعات الهيئة الإدارية للاتحاد التونسي للشغل".
وكان محمد الصافي الكاتب العام للجامعة العام للتعليم الثانوي (النقابة المنضوية تحت اتحاد الشغل) قد أكد في تصريح لإذاعة "الديوان" المحلية أن "الوزارة رفضت كلّ الرخص النقابية التي تقدمت بها النقابة خلال العام الحالي"، مشيرا إلى أنه تم "إيقاف أجور النقابيين المتفرغين الذين لم يباشروا عملهم"، واصفا هذه الخطوة بـ"التعسفية"، معتبرا أنها تهدف إلى التضييق على العمل النقابي والتشفي من النقابيين.
ويعدّ التفرغ النقابي أو ما يعرف بـ"الوضع على الذمة" امتيازا غير قانوني يتمتع به مئات النقابيين في كافة القطاعات والمؤسسات العمومية، في مخالفة للقوانين وللاتفاقيات الدولية وللأحكام القضائية ولقواعد التصرف السليم، وفق مرصد رقابة التونسي.
ويحظر القانون التونسي أن "يتفرغ موظف عمومي للعمل النقابي ويواصل الحصول على أجره وامتيازاته من طرف الدولة أو المؤسسة أو المنشأة العمومية التي ينتمي إلليها".
وأصدرت السلطات التونسية بعد الثورة قرارا عممته على الوزارات والمؤسسات العمومية يقضي بإيقاف العمل بهذا الإجراء غير القانوني، فيما أحيل عدد من المسؤولين إلى القضاء وصدرت بحقهم أحكام سجنية.
وشهدت السنوات الأخيرة ارتفاعا لافتا في إسناد التفرغ النقابي، فيما ينتقع العديد من قيادات اتحاد الشغل بهذا الإجراء منذ فترة طويلة وتعتبره المنظمة "حقا" نقابيا.
وكثيرا ما أثار نشطاء تونسيون هذه المسألة، منتقدين ما اعتبروه إهدار المال العام بذريعة التفرغ للعمل النقابي، فيما حمّل البعض اتحاد الشغل مسؤولية تشجيع نقابييه على الركون إلى عطالة خالصة الأجر.
واعتبر سامي الطاهري الناطق باسم الاتحاد العام التونسي للشغل في تصريح إذاعي لـ"موزاييك" أن إثارة مسألة إلغاء التفرغ النقابي خلال هذا التوقيت تهدف إلى "الضغط على اتحاد الشغل وخلق رأي عام مضاد على المنظمة الشغيلة"، مؤكدا أن عدد المنتفعين بهدا الإجراء لا يتجاوز الـ30 من بينهم من بلغ سن التقاعد.
ولطالما شدد الرئيس التونسي قيس سعيد على أن الحق النقابي يكفله الدستور، لكنه أكد رفضه التام لتحويله إلى وسيلة لتحقيق مآرب سياسية، في رسائل مباشرة لاتحاد الشغل الذي مارس طيلة الفترة الماضية ضغوطا لاستعادة دوره كشريك في صنع القرار مثلما كان الوضع خلال العشرية السابقة، لكنها باءت بالفشل.
ويطالب العديد من التونسيين بوضع حد لنفوذ اتحاد الشغل بما يشمل طي صفحة الامتيازات التي يتمتع بها قياداته تحت عنوان "التفرغ للعمل النقابي"، معتبرين أنه من المفروض أن يكون أول المدافعين على العدالة الاجتماعية.
تعليقات الزوار
لا تعليقات