تصاعد الجدل في تونس مؤخرا حول مشروع قانون لتجريم التطبيع مع إسرائيل، بين متمسكين بتمريره من نواب كتلة الخط الوطني السيادي وأنصارهم من جهة، وبقية الكتل البرلمانية من جهة.
والخميس في 2 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، أعلن رئيس البرلمان التونسي إبراهيم بودربالة، تأجيل جلسة التصويت على مقترح قانون “تجريم” التطبيع إلى يوم الجمعة الذي تلاه، لكنها لم تعقد.
وقرّر مكتب مجلس نواب الشعب المنعقد الثلاثاء 7 نوفمبر، عقد ندوة الرؤساء الثلاثاء في 14 نوفمبر الجاري، على أن ينعقد مكتب المجلس في اليوم التالي لمواصلة جلسة 2 نوفمبر، بحسب النائب عن كتلة الخط الوطني السيادي أحمد السعيداني، في تصريحات لراديو موزاييك المحلي.
وكان الرئيس التونسي قيس سعيّد قد علّق على الجدل السائد في كلمة مصورة بثها التلفزيون الرسمي في 3 نوفمبر، بالقول: “الموقف التونسي من التطبيع ثابت برفضه، ولا توجد في قاموسي كلمة تطبيع، والتفكير بهذه الطريقة تعبير على الانهزامية”.
وأضاف: “الخوض في ذلك الآن ليس منطقيا، لأننا في لحظات تاريخية يواجه فيها الشعب الفلسطيني أبشع الجرائم، بعزيمة الفدائي المقاوم، وهي نفس العزيمة التي نتقاسمها معه، لأننا لا نرضى إلا بالنصر أو الاستشهاد”، وفق تعبيره.
ولفت سعيّد إلى أن دستور تونس 25 يوليو/ تموز 2022، نص على “الانتصار للحقوق المشروعة للشعوب”، وتابع: “أول هذه الشعوب شعب فلسطين في أرضه السليبة، وحقه بإقامة دولته عليها بعد تحريرها وعاصمتها القدس الشريف”.
وأكد أنه “ثابت بخصوص مشروع القانون المطروح على البرلمان التونسي، المتعلق بتجريم التطبيع، وأن الأمر يتعلّق بخيانة عظمى للشعب الفلسطيني”.
وأكمل: “إنها حرب تحرير وليست حرب تجريم، وللبرلمان وظائفه وفق مقتضيات الدستور، كما للرئيس وظائفه، والسيادة بالنهاية للشعب التونسي الذي يريد تحرير كامل الوطن المحتل (فلسطين)”.
إغفال استشارة المعنيين
النائبة فاطمة المسدي (غير منتمية لكتلة، وقيادية سابقة في حزب نداء تونس)، قالت: “من الناحية الشكلية، لم يتم تشريك (إشراك) أي طرف حكومي في مناقشة هذا القانون”.
وأضافت: “في العادة تناقش القوانين في مجلس النواب بحضور الأطراف الحكومية المعنية به، غير أن هذا القانون الذي يمسّ بالسياسة الخارجية لتونس لم تتم مناقشته مع المسؤولين عن السياسة الخارجية، لا مع وزارة الخارجية ولا الرئاسة ولا وزارة العدل التي يهمها الأمر لأن القانون فيه عقوبات سالبة للحرية”.
وتابعت المسدي: “أي أن النواب كتبوا القانون لوحدهم وناقشوه لوحدهم وسيصادقون عليه لوحدهم، وهذا غير معقول لأن القانون له انعكاسات على الدولة”.
وينص مشروع القانون المطروح على معاقبة كل مرتكب لجريمة التطبيع بالسجن لفترة تتراوح بين 6 و12 سنة، وبغرامة مالية تتراوح بين 10 آلاف و100 ألف دينار (نحو 3 آلاف إلى 30 ألف دولار أمريكي)، كما ينص على أن التتبع والعقاب في الجرائم المنصوص عليها لا يسقطان بالزمن.
مس بمصالح المواطنين
أما من ناحية المضمون، تقول المسدي إن “القانون عمومي (عام) وليس فيه استثناءات، لأنه في أي مسألة عامة فضفاضة القاضي يجتهد لوحده، وهنا يمكن أن تكون للقانون انعكاسات سلبية على المواطنين”، بحسب رأيها.
وأضافت: “مثلا، القانون في فصله الثاني يجرّم من يتواصل أو يتعامل بأي طريقة كانت مباشرة أو غير مباشرة مع الكيان الصهيوني، فمثلا شخص يهودي من جربة (جزيرة جنوب تونس يعيش فيها نحو 1200 يهودي)، ليس له علاقة بإسرائيل ولا يزورها، ولكن له فرد من عائلته مريض في إسرائيل عندما يتصل به يسمّى مطبّعًا ويحاكم بـ 12سنة سجنا”.
واعتبرت المسدي أن “هذه مسائل لم تقرأ الاستثناءات والحالات التي تعيشها تونس، لذلك الاستشارة مهمة لحماية المواطنين من أي مخاطر”.
وأضافت: “بالنسبة لي، لا بد أن يكون موقفنا واضح من القضية الفلسطينية، وليس لتونس من قبل أي علاقة مع الكيان الصهيوني، وإذا أردنا إصدار نص قانون لا يجب أن نمسّ مصالح المواطنين”.
“مزايدة سياسية”
وبالنسبة للنائبة المسدي، فإن “التشبث” بطرح القانون للتصويت كما تم، ينمّ عن “مزايدة سياسية”.
وتقول: “نشعر أن حركة الشعب (لديها نواب ضمن كتلة الخط السيادي الوطني)، استغلت القضية الفلسطينية وأصبحت تعتبرها ملفًا سياسيا بامتياز للمزايدة على الرئيس، وهذا يدخل في خانة تقزيم الدولة ودور رئيس الجمهورية”.
وأضافت: أرادوا (حركة الشعب) تمرير القانون بالقوة، والرئيس يرى أن من مصلحة الدولة ألا يمرّ لأنه قانون فضفاض وهزيل ولا يمضي (يوقّع) عليه، وعندها يمكن تصوير الرئيس سعيّد كأنه مع التطبيع”.
وتابعت المسدي: “اكتشفنا مخططهم وأغلب الكتل فهمت أنها عملية استفزاز سياسي وركوب على القضية”.
حركة الشعب: القضية مبدئية
في مقابل ما سبق، يؤكد داعمو تمرير القانون أن إصرارهم نابع من مبدأ مناهضة التطبيع الأصيلة في تونس.
وقال أسامة عويدات، عضو المكتب السياسي لحركة الشعب (ناصرية): “ليس لنا من غاية إلا تجريم التطبيع، نعتبره قضية مبدئية وعند الحديث عن المبدأ لا يمكن الحديث عن مزايدات سياسية، وهذا كان هدفًا انتخابيا لنا لتحقيقه للشعب التونسي”.
وأضاف: “خير دليل على ذلك أن يوم 12 يوليو (تموز) الماضي، أودعنا القانون في البرلمان وأودعنا القانون فيما قبل عام 2020 (أيام البرلمان السابق الذي حلّه سعيّد في مارس/ آذار 2022 بعدما جمّده إثر قرارات يوليو 2021)”.
ونفى عويدات أن تكون هناك “مزايدة سياسية أو حملة انتخابية، لأن النواب في بداية عهدةٍ تنتهي بعد 4 سنوات من الآن”، متهمًا بعض النواب دون تسميتهم، بأنهم “يريدون تبرير الخيانة باتهام حركة الشعب بأنها تقوم بحملة انتخابية”، وفق قوله.
وتابع أنه “عندما طرحت حركة الشعب المسألة، كان سقف القانون أقل مما طرحه الرئيس في حديثه عن الخيانة العظمى، ومن يفهم السياسة يفهم أن الرئيس يطالب بتمرير القانون لكن بتعديله في اتجاه تقوية (تشديد) العقوبة، ولذا وجب تعديل المصطلحات، وقال يمكن الاستئناس بالفصل 60 (من المجلة الجزائية) لتقوية العقوبة”.
ورأى عويدات أن “بعض الناس يريدون إحراج حركة الشعب بخلق فتنة بينها وبين الرئيس”.
الصهيونية واليهودية
عويدات اعتبر أنه “من الغباء عند بعض النواب الرافضين لتجريم التطبيع الاستناد إلى موقف الرئيس لأنهم يناقضون أنفسهم، فالرئيس يثمِّن رفض التطبيع، ومن ناحية يقولون لا نريد التجريم”، وتساءل: “من المزايد سياسيًا الآن؟”
وتابع: “من الغباء أن يكون شخص نائب عن الشعب ولا يفرّق بين اليهودية والصهيونية، لأن القانون الذي بين يديه يتحدث عن الصهيونية وليس عن اليهودية، ومن يحمل جواز سفر صهيوني لا يدخل تونس أو ندخل في الخيانة”.
ورقة تفاوض خارجية
من ناحيته، أكد وزير الخارجية الأسبق أحمد ونيِّس، أن “إرادة النواب المنتخبين مستقلة وليست منتسبة لحزب ولا إلى ولاء لرئيس الجمهورية أو الحكومة، ولا تخضع لتوجيهات ولا لمراعاة ظرف سياسي أو دستوري، تتكلم من منطلق الضمير والثقافة السياسية”.
واستدرك ونيّس: “لكن بصفتي من (وزارة) الخارجية، لست موافقًا أن قضية التطبيع من عدمه يجب أن تصدر في قانون أو دستور”.
وأضاف: “بل يجب أن تبقى تحت تصرف السلطة والحكومة، خاصة وزارة الخارجية، كسلاح وقدرة تفاوضية عالية لا تضعف القدرة التكتيكية للمتحدث باسم الدولة التونسية، أي أنها تنزع من التفاوض باسم الدولة قدرة عالية جدا، وهذا لا يتناسب مع المصلحة السامية لتونس”، وفق قراءته.
خلط بين السلطات
بحسب ونيّس، “هذا الموضوع يبقى تحت تصرف السلطة التنفيذية، أما القول بأنه يعود للسلطة التشريعية أو لاستفتاء قاعدي شعبي ليس جائزا، بل يضعف سلطة الحكومة التي تتفاوض باسم الدولة التونسية”.
وحول الخلاف بين الكتل البرلمانية حول الموضوع قال ونيس: “كلٌ له منطقه، نواب الشعب يعبرون بوضوح عن رأي عميق متجذر في صدور التونسيين، لكن أعتقد أن هناك خلطًا بين السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية، وهذا غير سليم”.
وفي أغسطس/ آب 2023، أعلن البرلمان التونسي بدء لجنة الحقوق والحريات، دراسة مقترح قانون يطالب بـ”تجريم” التطبيع مع إسرائيل.
وبدأت تونس المقاطعة الرسمية المنظمة لإسرائيل عن طريق جامعة الدول العربية بعد حرب 1948، فيما اختلف تنفيذ هذه المقاطعة من دولة لأخرى.
وفي 15 سبتمبر/ أيلول 2020، وقّعت إسرائيل والإمارات والبحرين اتفاقيات تطبيع العلاقات التي سماها البيت الأبيض “اتفاقيات أبراهام”، ثم انضم إليها المغرب والسودان.
عادل الثابتي
تعليقات الزوار
لا تعليقات