منذ الانقلاب العسكري الذي شهدته النيجر في نهاية شهر يوليو الماضي، اتّبعت فرنسا والولايات المتحدة، وهما اللاعبان الخارجيان الرئيسيان في هذا البلد، نهجين مختلفين جذريا.
فبينما تبنّت باريس الموقف التصعيدي للمجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا حيال الانقلابيين في نيامي، والتي هدّدت بالتّدخل العسكري لإعادة الرئيس محمد بازوم إلى السلطة؛ اختارت واشنطن منذ البداية النّهج الدبلوماسي بعيداً عن لغة التهديد وأوفدت إلى نيامي، يوم السابع من أغسطس الماضي، نائبة وزير الخارجية الأمريكي للشؤون السياسية، والتي أجرت مباحثات مع عدد من قادة المجلس العسكري في النيجر.
ووصفت المسؤولة الأمريكية المحادثات بأنها “كانت صادقة للغاية، وفي بعض الأحيان كانت صعبة للغاية”. أكثر من ذلك، أرسلت واشنطن سفيرتها الجديدة التي وصلت إلى نيامي في منتصف شهر أغسطس، وإن كانت غير معتمدة لأن سلطات المجلس العسكري غير معترف بها من قبل الولايات المتحدة.
اعتُبرت هذه الخطوات بمثابة “طعنات في الظهر” من باريس، كما أوضح مسؤول فرنسي نقلا عن صحيفة “لوموند”؛ بينما رأى موقع “ميديابارت” الفرنسي، أن الانقلاب في النيجر كشف عما يمكن اعتبارها نهاية ثماني سنوات من التعاون العسكري الاستثنائي الأمريكي- الفرنسي في الحرب ضد الإرهاب بالقارة الأفريقية، حيث كان الفرنسيون حاضرين في الخطوط الأمامية، بينما قدم الأمريكيون المراقبة والاستخبارات وبعض القدرات المفقودة للجيش الفرنسي.
كما أن المواقف المتباينة بين باريس واشنطن حيال انقلاب النيجر، تكشف عن مدى الاستثمار الأمريكي في هذا البلد، الذي أصبح معقل الوجود العسكري الأمريكي في غرب أفريقيا، حيث يتمركز الجنود الأمريكيون في نيامي وخاصة في أغاديز، في حين تعمل وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية في ديركو، وهي قاعدة عسكرية أخرى كانت صحيفة نيويورك تايمز كشفت عنها قبل نحو خمسة أعوام.
خلال زيارة تاريخية في شهر مارس الماضي، هي الأولى التي يقوم بها وزير خارجية أمريكي إلى النيجر، تحدث أنتوني بلينكن عن “شريك رئيسي ونموذج للانتقال الديمقراطي”، كون النيجر أول دولة تستقبل مساعدات عسكرية أمريكية في غرب إفريقيا، والثانية على مستوى منطقة أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى. وأصبحت النيجر في غضون سنوات قليلة في قلب النظام العسكري الأمريكي في غرب أفريقيا، وأيضا أصبحت مثالاً على أولوية الديمقراطية في سياسة جو بايدن الخارجية. كما اكتسبت أهمية متزايدة منذ عام 2013 في النظام الأمريكي في أفريقيا لضمان دعم العمليات العسكرية الفرنسية في منطقة الساحل.
واليوم، وبينما بدأت فرنسا محادثات مع بعض المسؤولين في جيش النيجر لسحب جزء من قواتها (ينتشر نحو 1500 جندي فرنسي في النيجر)، وفق ما كشفت عن ذلك صحيفة “لوموند” قبل أيام؛ فإن إعادة انتشار الجنود الأمريكيين باتجاه مدينة أغاديز يعتبر نهاية التعاون العسكري الوثيق بين فرنسا والولايات المتحدة في أفريقيا، والذي بدأ منذ التدخل الفرنسي في مالي عام 2013، كما يقول موقع “ميديابارت”، مؤكداً أن هناك مراجعة للاستراتيجية والتموضع الأمريكي في غرب أفريقيا على نطاق أوسع.
ففي ظل السياق الدولي الحالي الذي يتسم بالتنافس المتزايد مع روسيا والصين، يستبعد مراقبون أن تغادر الولايات المتحدة أفريقيا، حيث تشكل الأوضاع في ليبيا ونيجيريا مصدر قلق لواشنطن، وتعد النيجر موقعا استراتيجيا على مفترق طرق ثلاث جبهات إرهابية تقع قواعدها في ليبيا ومالي ونيجيريا، على حد تعبير “أفريكوم”.
ويبدو أن الانقلاب في النيجر بلور تطورا في الموقف كان ملحوظا لبعض الوقت في واشنطن مفاده أن توالي الانقلابات في الدول الأفريقية يطرح تساؤلات حول الكفاءة الفرنسية في أفريقيا على المستوى الدبلوماسي. فمن الواضح أن الحرب ضد الإرهاب التي تركزت على التعاون العسكري بين واشنطن وباريس “قد أنتجت المزيد من الإرهاب في القارة الأفريقية بينما عززت الجيوش على حساب المؤسسات المدنية، وبالتالي الديمقراطية”، كما يؤكد “ميديابارت”.
تعليقات الزوار
لا تعليقات