أخبار عاجلة

إلغاء عقوبة الإعدام ملف قديم جديد يعود الى الواجهة

قدّم مكتب زياري الذي كان يرأس البرلمان، إلى الحكومة في 2009، مشروع مقترح قانون لإلغاء الإعدام، اقترحه حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية (الأرسيدي)، وهي أول مرة يصل فيها النقاش حول إلغاء عقوبة الإعدام من التشريعيات الجزائرية إلى أروقة المؤسسات الرسمية. وكان لا بد من رد الحكومة على هذا المقترح، خصوصا وأنه تزامن يومها مع الجدل القائم منذ عام بين العديد من السياسيين والحقوقيين وعلماء الدين حول إلغاء عقوبة الإعدام، وأعلنت حكومة أويحيى يومها، رفضها لمقترح قانون في البرلمان يلغي عقوبة الإعدام، مبررة موقفها باعتبارات اجتماعية وأخرى ذات علاقة بمكافحة الإرهاب والجريمة.

ردت الحكومة رسميا وكتابيا، يومها (جوان 2009)، برفض إلغاء عقوبة الإعدام كما سبق أن ورد في اقتراح القانون المعدل والمتمم لقانون العقوبات، الذي تقدّم به يومها نائب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية، علي براهيمي. وقالت الحكومة في ردها، إن موقفها الرافض لإلغاء عقوبة الإعدام تمليه ثلاث اعتبارات أساسية، أولها أرجعته إلى موقف الرأي العام "الرافض" للفكرة، حيث قالت "إن الرأي الغالب لدى مجتمعنا لا يمكن أن يقبل في الوقت الراهن إلغاء عقوبة الإعدام". وأضافت "إن تعزيز مكافحة الإرهاب يقضي بضرورة الإبقاء على هذه العقوبة، كما أن إلغاءها في وقت التزمت فيه الدولة بمحاربة كل أشكال الجريمة، قد يفسر على أنه تهاون إزاء الجريمة". كما جاء في رد الحكومة في نقطة ثالثة، أن التعديلات المتتالية لقانون العقوبات التي صادق عليها المجلس الشعبي الوطني خلال هذه السنوات الأخيرة "قد نصت على إلغاء عقوبة الإعدام بالنسبة لعدد من الجرائم واستبدالها بعقوبة السجن المؤبد وفي مختلف هذه المناسبات، فقد أبقى المشروع على عقوبة الإعدام بالنسبة للجرائم الأكثر خطورة".
واختتمت الحكومة ردها الذي حمل توقيع الوزير الأول أحمد أويحيى، بترك الباب مفتوحا لمناقشة أكثر للموضوع في المستقبل. مشيرة إلى أن "جهد الحكومة لتكييف قانون العقوبات مع تطور المجتمع سيتواصل في إطار إصلاح العدالة"، وهو ما أعاد وزير العدل الحالي الإشارة إليه لدى رده على سؤال شفوي في مجلس الأمة نهاية الأسبوع الفارط. ويكشف هذا الأمر، أن النقاش حول مسألة إلغاء الإعدام، شكّلت في السنوات الماضية جدلا سياسيا وحقوقيا ودينيا ساخنا حوله، وهو النقاش الذي أظهر تباينا في الآراء والمواقف والتي وصلت في بعض الأحيان إلى خصومات ومواقف متشنّجة بين علماء الدين من جهة وبين الحقوقيين ورجال القانون من الجهة المقابلة، دون أن تتمكن مختلف الندوات والملتقيات المنظمة في هذا الصدد من تقريب وجهات النظر بين المطالبين بإلغاء الإعدام وبين المتمسكين بالإبقاء على العقوبة.

وضمن هذا السياق، وجب التذكير بالندوة الوطنية التي نظمتها، كلية أصول الدين والشريعة بالجامعة الإسلامية بقسنطينة في ماي 2009 حول "عقوبة الإعدام في الشريعة والقانون بين الإبقاء والإلغاء"، والتي تحولت إلى تلاسن ومناظرة حادتين بين الأستاذين عمار طالبي، أستاذ جامعي ورئيس سابق للجامعة الإسلامية وبوجمعة غشير رئيس الرابطة الجزائرية لحقوق الإنسان، حيث وجّه الأول انتقادات لاذعة لممثلي حقوق الإنسان الداعين إلى إلغاء عقوبة الإعدام، متسائلا "كيف يعقل أن نتسامح مع المجرمين الذين يذبحون الأطفال والنساء بغير ذنب"، مشددا على أنه من يقتل يجب أن يقتل طبقا لأحكام الشريعة الإسلامية.

وقد أثارت مداخلة الأستاذ طالبي، غضب وحفيظة الأستاذ بوجمعة غشير، واصفا ما خرج من لسان هذا الأخير، بأنه هجوم على ناشطي حقوق الإنسان وبأنه خطاب شعبوي، مختتما كلامه بالتأكيد على أن حكم الإعدام في مجتمعنا غير مؤهل للنطق به تشريعا وقضاء.
ويعتبر المجلس الإسلامي الأعلى وجمعية العلماء المسلمين، من أشد المدافعين على الإبقاء على العقوبة، خلافا لنشطاء حقوق الإنسان وحدث جدال بين الطرفين، على خلفية مقصد الشريعة التي يدافع عنها رجال الدين وبين ما يقدّمه الحقوقيون من مبررات مسايرة التشريعات الدولية، حيث يرى فاروق قسنطيني أن عقوبة الإعدام "تجاوزها الزمن".

وبين هذا وذاك، أقرّت اللجنة الاستشارية لحقوق الإنسان التي كان يرأسها فاروق قسنطيني، في تقرير وضعية حقوق الإنسان لسنة 2008، توصية لإلغاء حكم الإعدام وحصره في "القتل العمدي" نزولا عند تحفظات رجال الدين. مشيرا أن التقرير أخذ بعين الاعتبار آراء ومواقف رجال الدين، من خلال تضمين من بين توصياته، إبقاء النطق بأحكام الإعدام بالنسبة لجريمة القتل العمدي وإلغائه في الجرائم الأخرى، مبررا إقرار خصوصية "القتل العمدي" لتفادي "حساسية" قد تظهر بسبب معارضة المؤسسات الدينية المستندة في آرائها على مبدأ القصاص. وعليه تم تبني "حل" وسط يقضي بإلغاء حكم الإعدام دون جريمة القتل، مع سبق الإصرار والترصد لإرضاء كل الأطراف.

وبحكم أن ملف الإعدام ليس خاصية جزائرية، فقد دعت العديد من الندوات المنظمة، إلى توصيات ألحت من خلالها على الدول العربية إلغاء عقوبة الإعدام، كما حثت أعضاء جامعة الدول العربية على إدخال تعديلات على المادة 7 من الميثاق العربي لحقوق الإنسان، حيث يمنع النطق بالإعدام ومنعها منعا مطلقا على من هو دون سن الثامنة عشرة والتقليص التدريجي للجرائم المعاقب عليها بالإعدام، ومطالبة القضاة الالتزام بالمعايير الدولية المتعلقة بذلك، بما فيها ضمانات المحاكمة العادلة.

اضف تعليق

شارك

تعليقات الزوار

لا تعليقات