أخبار عاجلة

عين أوروبا على الجزائر بعد اقتراب الشتاء القاسي

مع اقتراب فصل الشتاء تتجه أعين الأوروبيين صوب الجزائر، في ظل تفاقم أزمة غاز عالمية زادت حدتها بعد تقلص التموين من روسيا، المزود الأول بهذا المورد الطاقوي النادر، في أعقاب الحرب الروسية الأوكرانية وقطعها التموين عن 13 دولة أوروبية.

فالجزائر أقرب نقطة إلى أوروبا من حيث المسافة، كما أن القارة العجوز تعول على جارتها بالضفة الجنوبية من المتوسط كبديل أقل تكلفة، لتزويدها ببضعة مليارات متر مكعب إضافية من الغاز تمكنها من ضمان تمضية شتاء دافئ، وسط توقعات إيكولوجية بأن تكون سنة 2023 شديدة البرودة، فهل الجزائر مستعدة لإنقاذ الأوروبيين من الزمهرير، أم أن هؤلاء سيعودون إلى عصر الحطب والنار؟

ويترجم هذه المعطيات تصريح الرئيس المدير العام لمجمع  "سوناطراك" توفيق حكار، الذي قال بتاريخ 23 سبتمبر/ أيلول 2022، أن الشركة طرحت أكثر من 3 مليارات متر مكعب من الغاز الطبيعي في السوق الحرة، معظمها للسوق الإيطالية، مصرحا في حديث للتلفزيون الجزائري: "تمكنا بفضل الإنتاج الإضافي بين شهري أفريل/ نيسان، وحتى 20 سبتمبر/ أيلول، من صب 3.2 مليار متر مكعب من الغاز في السوق الحرة منها تقريبا 2.6 مليار متر مكعب موجهة للسوق الإيطالية".

ويأتي ذلك وسط تهافت غير مسبوق للمسؤولين الأوروبيين على الجزائر، بدءا بالإيطاليين الذين حلوا بقصر المرادية ومبنى الدكتور سعدان أفواجًا أفواجًا مرورًا إلى الفرنسيين الذين يتهافتون في زيارات متتالية على الرئاسة ومبنى الحكومة والوزارات، وصولا إلى رئيس الحكومة الإسباني بيدرو سانشيز الذي قال صراحة أنه يتمنى أن يحظى باستقبال في الجزائر، رغم أنه يوصف ب"المنقلب الأول في موقف إسبانيا من قضية الصحراء الغربية" وسبب تعليق الجزائر معاهدة الصداقة مع بلاده.

أسعار الغاز... إلى الأعلى

كما لا تزال أسعار الغاز رغم كل ما يقال، تشهد منحى تصاعديًا متجاوزة كافة الخطوط الحمراء، ويتضاعف هذا الارتفاع مع اقتراب فصل الشتاء، رغم إجراءات ترشيد استهلاك الطاقة التي تنتهجها الدول الأوروبية وخطة إطفاء الأضواء وتقليص استعمال الكهرباء التي وقعت عليها المفوضية الأوروبية بالتشيك.
وبشكل أكثر دقة، عاودت أسعار العقود الآجلة للغاز الطبيعي في تعاملات أوروبا بداية من 21 أيلول/سبتمبر 2022 الارتفاع، بعد ثلاثة أيام من التراجع، في الوقت الذي يجزم المتعاملون بوجود تأثيرات بارزة للجهود المكثفة في أوروبا لتخفيف حدة أزمة إمدادات الغاز مع دخول فصل الشتاء الذي يشهد ذروة الطلب عليه، حيث أكدت وكالة "بلومبرج" أن أسعار العقود الآجلة القياسية ارتفعت خلال التعاملات بنسبة 6،6 بالمائة بعد تراجعها قبل أيام، لتصل إلى أقل مستوياتها منذ أواخر جويلية/ تموز الماضي، إلا أنها عادت للارتفاع بشكل غير مسبوق خلال الساعات الأخيرة.

ويعلق حول ذلك الخبير الاقتصادي كمال ديب في تصريح لـ "الترا جزائر"، أنه لا مجال اليوم للحديث عن انخفاض أسعار الغاز، فهذه الأخيرة ستشهد ارتفاعًا غير مسبوق طيلة الفترة القادمة، وسيزداد الارتفاع في فصل الشتاء وهي فترة الذروة للطلب على الطاقة حتى في ظل خطة الاتحاد الأوروبي لتقليص استهلاك الكهرباء والطاقة والاعتماد على المحطات النووية، حيث لا يمكن أن تشهد أسعار الغاز منحى تنازليًا في ظل استمرار الحرب الروسية الأوكرانية، حسبه.
وذهب الخبير إلى أبعد من ذلك متوقعًا أن تستمر موجة ارتفاع أسعار الغاز، حتى بعد سنتين من توقف الحرب، في ظل الطلب العالي على المورد الطاقوي، والحاجة الملحة للغاز في الخطط والمشاريع التنموية.

هاتف المرادية لا ينقطع

وفي السياق يعلق أيضًا الخبير الاقتصادي والجيوستراتيجي الإيطالي دانييلي روفانيتي في إفادة لـ "الترا جزائر" أن أزمة الطاقة الدولية كان لها انعكاس إيجابي على الجزائر التي باتت تلعب دورا محوريا لأوروبا.

محدثنا يجزم أن أزمة الطاقة الأوروبية التي أدت إلى ارتفاع الأسعار وخلق طلب أكبر على إمدادات الغاز التي تأثرت بالحرب في أوكرانيا، منحت الجزائر المزيد من النفوذ في الفضاء الدولي، إذ لا يمر يوم دون أن تتصل الدول الأوروبية بالسلطات الجزائرية لمناقشة المبيعات المحتملة، فالإتصالات الهاتفية تتوالى على قصر المرادية صباحًا ومساء، حتى وإن أنكر بعض المسؤولين الأوروبيين ذلك.
ويضيف المتحدث "يمكن لأوروبا أن يكون لديها قرب تكتيكي من الجزائر، عبر التركيز على بعض الجوانب الإستراتيجية لنيل رضا السلطات الجزائرية وإقناعها بمنحها المزيد من الغاز".

وأردف المتحدث بالقول "لا شك من أن بطاقة الغاز خدمت الجزائر بشكل جيد، أتخيل أن سعر الغاز سيستمر مرتفعًا لبعض الوقت في المستقبل، على الرغم من صعوبة تحديد إلى متى، لأنه يعتمد على عدة متغيرات، أهمها مسار الحرب في أوكرانيا، وفي غضون ذلك، تزود الجزائر أكثر من ربع الطلب المحلي للغاز بكل من إسبانيا وإيطاليا، كما تعد سوناطراك ثالث أكبر مصدر إلى أوروبا بعد روسيا والنرويج".

ومن الواضح _ يضيف روفانيتي _أن الجزائر تركز على الاستفادة القصوى من الأسعار المرتفعة لجني مبالغ إضافية تصرف في موازنة 2023، ويتم الاستفادة منها في رفع الأجور وتحسين الوضعين الاجتماعي والاقتصادي، حيث سبق وأن صرح رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون في حوار مع الصحافة الجزائرية أنه "إذا كانت هناك إيرادات إضافية هذا العام،  سألتزم بزيادة الأجور وإعانات البطالة".

وأضاف الرئيس أن الجزائر تكافح من أجل "استعادة الكرامة"، وهو ما يثبت أن الرئيس يعد حزمة إجراءات اجتماعية جديدة لفائدة الجزائريين بفضل عائدات الطاقة الجديدة، إذ يمكن أن يساعد الارتفاع في أسعار النفط والغاز العالمية بعد الحرب الروسية الأوكرانية بداية من 24 فيفري/شباط 2022 في استقرار الوضع في الجزائر ، وملء خزائن الدولة وتعزيز الثقة بين الشعب ورئيسه، عبر إعداد عقد اجتماعي جديد.

تحدي مضاعفة الإنتاج

ورغم أن الحرب الروسية الأوكرانية حققت الحكمة القائلة "رب ضارة نافعة" للجزائر، إلا أن مسؤولي قطاع الطاقة والنفط في البلاد ملزمين باتخاذ جملة من الإجراءات للتمكن من رفع المبيعات ومضاعفة الإنتاج يقول الخبير النفطي عبد الرحمن مبتول في تصريح لـ "الترا الجزائر".
ويتقدم هذه الإجراءات رفع مبالغ الاستثمار وتعميق الاستكشافات ومواصلتها بكافة المناطق المحتملة وأيضا الشروع بكل جرأة في دراسة ملف الغاز الصخري مع تقديم ضمانات حماية البيئة، ناهيك عن تطوير استغلال الطاقات المتجددة والتي تتوفر عليها الجزائر بشكل كبير على غرار الشمس والرياح، وهي ثروات غير مستغلة لحد اليوم.

ودعا الخبير أيضًا إلى استحداث أنابيب جديدة ناقلة للغاز بالجزائر وتطوير تكرير النفط وتمييع الغاز محليًا، وتقليص الاستهلاك الداخلي الذي يلتهم نصف ما تستخرجه الجزائر من آبار الغاز، وفي حال استمر ارتفاع الاستهلاك المحلي، فسيواجه الجزائريون، وفق مبتول، يوما يضطرون فيه لاستهلاك كل ما ينتجونه، ولن يجدوا وقتها ما يصدرون.

وفي النهاية ورغم أهمية ورقة الغاز في تصدر الجزائر المشهد الطاقوي العالمي، إلا أن المطلوب اليوم تطوير قطاعات أخرى كالصناعة والفلاحة والتحرر من التبعية للمحروقات التي ترهن الاقتصاد الجزائري منذ الاستقلال.. فهل ستنجح الجزائر في هذا التحدي؟

اضف تعليق

شارك

تعليقات الزوار

Mohammed

Khorti

Du blabla comme si l'Algérie à elle seule, elle va sauver l'Europe, elle va priver le peuple Algérien de leur gaz pour le donner aux Européens, il y a des chaines pour avoir une bonbonne de gaz. Le proverbe dit ''la plus belle fille du monde ne peut offrir plus qu'elle n'a'' La production et les moyens de productions ont limite ainsi que les moyens logistiques d'acheminement. Après toutes fanfaronnades que gagne le peuple Algérien????