علاقتي مع فصل الصيف، كالكثير من الجزائريين من أبناء الأوساط الشعبية الفقيرة، لم تكن دائما على ما يرام، فقد كنت أنظر إليه على الدوام على أنه فصل الأغنياء والميسورين، لا مكان فيه لأبناء الأوساط الفقيرة مثلي، الذين لم يكونوا يملكون الحق في الذهاب إلى عطلة، عادة ما كانت مرتبطة بالتوجه نحو البحر، بكل ما تتضمنه من مسرات، عكس أبناء العائلات الفقيرة التي تتجه نحو قراها الداخلية الحارة، في عز الصيف، بعد الانتهاء مباشرة من موسم الدراسة، حتى وهي تسكن المدن الساحلية في الشمال، كدليل على العلاقة المتوترة والنفعية التي أقامتها هذه الأجيال الأولى مع المدينة، وهي تدخلها، بعد الاستقلال.
نظرة نجدها حاضرة على مستوى حكام الجزائر الجدد، الذين سيطروا بعد الاستقلال على القرار السياسي المركزي ونواته الصلبة، المكونة من العسكر، أبناء الريف، الذين تميزت رؤيتهم للسياحة والترفيه بارتباك كبير، كما تعكسه حياتهم العائلية والشخصية، هم الذين كانوا لا يعرفون شيئا اسمه عطلة سنوية، ولا حياة عائلية واجتماعية، بالحد الأدنى المقبول الذي توفره المدينة الجزائرية، كما عبرت عنه زوجة الرئيس بومدين وهي تشتكي، من محيطه المهني الطاغي الذي لم يترك له فرصة للاحتفال بزواجه شبه السري! ولا أخذ عطلة سنوية، كما كان سائدا عند الكثير من الموظفين وأجراء القطاع العمومي، الذين كانوا ينسون أخذ عطلتهم لسنوات. وضع انعكس على مستوى تسيير قطاع السياحة وكل ما ارتبط به من ترفيه وخدمات، حقيقة تؤكدها القراءة التي يمكن أن نقوم بها لفصل الصيف والعطلة كمفتاح للتحولات التي عاشها المجتمع الجزائري منذ عقود.
قراءة تخبرنا أنه، عكس ما هو شائع في الوقت الحالي، فإن الجزائر كانت وجهة سياحية واعدة، على الضفة الجنوبية للمتوسط، لفترة قصيرة بعد الاستقلال، بعد انطلاق الاستثمارات في القطاع السياحي التي بادر بها نظام بعد الاستقلال، وهو يبني المركبات السياحية الكبرى في الكثير من مناطق الشمال، على ساحل المتوسط – تيبازا- موريتي ـ الأندلسيات، زيادة على ما كان موجودا من هياكل سياحية من الحقبة الاستعمارية، رغم الغشاوة الأيديولوجية التي استمرت مع صاحب القرار، الذي لم يكن يعرف بالضبط ماذا يفعل بهذا القطاع – عكس ما كان حاصلا عند الجيران في المغرب وتونس – هل يتم تركه يتطور ويتوسع ليكون قطاع استثمار وتشغيل، يتم توجيهه كقطاع للسياحة الدولية والداخلية، وعلى أي سياحة يتم التركيز، الجبلية، الصحراوية، أم الساحلية التي تملك فيها الجزائر إمكانيات طبيعية فعلية، زيادة على السياحة الدينية، التي كان من المحتمل أن تتطور اعتمادا على شبكة الزوايا الدينية، ذات البعد المغاربي والافريقي على غرار الزاوية التيجانية، زيادة على البعد الديني المسيحي، الذي كان يمكن أن يتطور في أقصى الشرق وهو يأخذ مسار حياة القديس أوغسطين، ناهيك من منطقة أقصى الجنوب – جبال الهقار، التي تزخر بإمكانيات أكثر من رائعة لا تتوفر عند الجيران. أسئلة لم يجب عنها صاحب القرار الذي بدا مرتبكا ومن دون رؤية استراتيجية، ساعده عليها، الطابع الريعي للاقتصاد، الذي ارتكز عليه النظام السياسي، وهو يهمل السياحة وحتى الزراعة لاحقا، التي ارتكب فيها حماقات ما زالت الجزائر تدفع ثمنها إلى حد اليوم، من دون أن يبني الصناعة لا الثقيل منها ولا الخفيفة، التي وعد بها الجزائريين. غشاوة أيديولوجية بما أنتجته من تخبط في التسيير، استمر مع مؤسسات النظام لغاية اليوم ونحن نشاهد كيف ما زالت السياحة الجزائرية عاجزة عن اقتراح عروض للطلب الاجتماعي الكبير والمتنوع، الذي توجه نحو الخارج لتلبيته، كما حصل مع تونس، رغم الظرف الاقتصادي السيئ الذي ميزه هذه السنة، التي لم تعرف مستوى الإقبال، كما كان الحال في السنوات السابقة، على الوجهات السياحية التي كانت معروفة عند الجزائريين -تركيا ومصر والمغرب، بعد سنوات الكوفيد العجاف، وما تبعها من غلق للحدود البرية خاصة، الفترة نفسها التي عرفت التشدد الأوروبي في منح التأشيرات، بكل تبعاته على السياحة المتوسطية التي كانت من نصيب بعض الفئات الاجتماعية المتوسطة من الجزائريين، كما كان الحال مع إسبانيا. وضع زاد في مستوى الغلق الذي يعيشه البلد، يتأكد منه المواطن الميسور ومتوسط الحال عند محاولته الخروج منه للترفيه والسياحة، كما تعود أن يفعل لسنوات، لنكون أمام غلق أكبر، ما زال هو السائد في الدخول إلى البلد من قبل السياح الأجانب، الذين يمكن أن يغامروا بالتوجه للجزائر، على قلتهم، إذا استثنيا العدد القليل من الذين يتوجهون نحو المناطق الصحراوية في الشتاء، يحصل هذا في وقت انتعشت في السنوات الأخيرة استثمارات معقولة في قطاع السياحة، يمكن التأكد منها بالعين المجردة، من خلال عدد الفنادق الجديدة التي تم بناؤها، وضع يؤهل هؤلاء المستثمرين الجدد إلى الدخول في احتكاك مع بيروقراطية الدولة، التي ما زالت تصر على غلق البلد من خلال سياسية التأشيرة الغبية التي تتبعها منذ عقود لأغراض تتجاوز مسألة السياحة إلى أبعاد أخرى مرتبطة بالقضية السياسية والحريات بمفهومها الواسع، ضغط سيدفع في اتجاه تغيير في سياسة منح التأشيرات، بغية تلبية طلب السياحة الدولية المتوجهة للجزائر.
تغيير آخر ينتظره المواطن على مستوى نوعية الخدمات المقدمة له داخل هذه الهياكل السياحية، القديم منها والجديد، على مستوى الأسعار خاصة، حتى لا تبقى هذه الخدمات حكرا على فئات محدودة من الجزائريين من أصحاب الدخل العالي، ليكون التحدي الأكبر على مستوى الثقافة السياحية، كغائب كبير، اختفت تماما عند أجيال من الجزائريين، يجب العمل على استرجاعها بسرعة، إذا أردنا فعلا أن يتطور هذا القطاع المهم، المهمل حتى الآن، الذي يمكن أن يوفر الشغل لملايين الجزائريين، ونحن نأخذ بعين الاعتبار حجم الطلب الكبير الذي يمكن أن يتم تحفيزه وطنيا ودوليا، المعتمد على شساعة البلد وتنوع طبيعته، بما تنتجه من سياحة، تعمر كل فصول السنة. فرضية متفائلة لا يمكن أن تتحول إلى واقع إلا بالقضاء على الغشاوة الأيديولوجية، التي ما زال يتعامل بها صاحب القرار مع السياحة، من دون الأخذ بعين الاعتبار الخصوصيات المناطقية، بما فيها الثقافية والسلوكية، التي كان المواطن الجزائري أول من انتبه لها وهو يختار وجهته السياحية التي لا يخلط فيها بين جيجل، بجاية ووهران، ونادي الصنوبر الذي منع من دخوله عنوة منذ عقود.
ناصر جابي
تعليقات الزوار
من هو البلد في العالم الذي يذهب فقراؤه في عطلة في الصيف !!!؟؟؟
مجرد تساؤل. من هو البلد في العالم الذي يذهب فقراؤه في عطلة في الصيف !!!؟؟؟ أسهل شيء اليوم يمكن أن يمتهنه أي إنسان ولو لم يفرق بين حرف "و" ورقم "9"، هو النقد والنقض والطعن. جاء في المقال ما نصه: " كنت أنظر إليه (فصل الصيف) على الدوام على أنه فصل الأغنياء والميسورين، لا مكان فيه لأبناء الأوساط الفقيرة مثلي، الذين لم يكونوا يملكون الحق في الذهاب إلى عطلة" انتهى الاقتباس. وبدون وعي يهدم الكاتب ما قاله سلفا بما نصه: "كما عبرت عنه زوجة الرئيس بومدين وهي تشتكي، من محيطه المهني الطاغي الذي لم يترك له فرصة للاحتفال بزواجه شبه السري! ولا أخذ عطلة سنوية، كما كان سائدا عند الكثير من الموظفين وأجراء القطاع العمومي، الذين كانوا ينسون أخذ عطلتهم لسنوات" انتهى الاقتباس.
من هو البلد في العالم الذي يذهب فقراؤه في عطلة في الصيف !!!؟؟؟
مجرد تساؤل. من هو البلد في العالم الذي يذهب فقراؤه في عطلة في الصيف !!!؟؟؟ أسهل شيء اليوم يمكن أن يمتهنه أي إنسان ولو لم يفرق بين حرف "و" ورقم "9"، هو النقد والنقض والطعن. جاء في المقال ما نصه: " كنت أنظر إليه (فصل الصيف) على الدوام على أنه فصل الأغنياء والميسورين، لا مكان فيه لأبناء الأوساط الفقيرة مثلي، الذين لم يكونوا يملكون الحق في الذهاب إلى عطلة" انتهى الاقتباس. وبدون وعي يهدم الكاتب ما قاله سلفا بما نصه: "كما عبرت عنه زوجة الرئيس بومدين وهي تشتكي، من محيطه المهني الطاغي الذي لم يترك له فرصة للاحتفال بزواجه شبه السري! ولا أخذ عطلة سنوية، كما كان سائدا عند الكثير من الموظفين وأجراء القطاع العمومي، الذين كانوا ينسون أخذ عطلتهم لسنوات" انتهى الاقتباس.