أخبار عاجلة

على من سيكون الدور في الجزائر الجديدة بعد اعدام «ليبرتي» و«الوطن»؟

لن نكشف عن سر إذا قلنا أن جريدة «الوطن» الجزائرية الصادرة بالفرنسية، منذ أكثر من ثلاثين سنة، ستختفي عن قريب من الأكشاك، كما اختفت قبلها يومية «ليبرتي»، التي بادر مالكها رجل الأعمال المعروف يسعد ربراب إلى توقيفها، بعد أن تيقن أنها تحولت إلى حمل كبير عليه، هو رجل الأعمال والمستثمر الدولي. وأن عليه أن يعيد النظر في طموحاته السياسية المرتكزة على الإعلام، التي لم تعد مقبولة في هذه الجزائر الجديدة، التي يتم التبشير بها هذه الأيام، بالتخلي عن «ليبرتي»، كما تخلى منذ سنوات عن مشروع امتلاك جريدة «الخبر» والقناة التلفزيونية التابعة لها، وهو ما يعني عمليا أن الرجل مطلوب منه أن يتنصل من مشروعه الإعلامي، وكل ما يمكن أن يرتبط به من طموح سياسي، لم يحن وقته في الجزائر بعد، حتى إن تعلق الأمر برجل أعمال دولي من وزن ربراب.
رغم اختلاف الوضع نسبيا بين حالتي «ليبرتي» و»الوطن»، إلا أن النتيجة النهائية ستكون واحدة.. غلق الجريدة، بعد أن أصبح تسييرها اليومي غير ممكن عمليا، نتيجة الاجراءات المتخذة ضدها من قبل الإدارة الجزائرية التي تتهمها إدارة الجريدة بالتحيز ضدها، بل والتسييس في قراراتها، كتلك التي مست مقر الجريدة الجديدة المغلق، منذ الانتهاء من بنائه، منذ سنوات، وعدم استفادتها من الإشهار، وغلق حساباتها البنكية، وكل أشكال التحرش التي عاشتها هذه الجريدة، التي كانت مقربة جدا من بعض الدوائر الرسمية، عند انطلاقها في بداية التسعينيات، وهي تدافع عن مواقف معادية للتيار الإسلامي المتشدد والعنيف، كانت تشترك فيها مع مراكز سياسية وعسكرية من داخل مؤسسات الدولة نفسها.. مواقف كانت صدى لما كان حاضرا على مستوى المجتمع الذي عبرت فيه جريدة «الوطن» عن قواه السياسية العصرية، القريبة من قبل الفئات الوسطى الحضرية، ذات التوجه العلماني، بكل ما ميزها على المستوى الجيلي والمواقع الاجتماعية والتعبيرات اللغوية التي تسود فيها اللغة الفرنسية.

مناخ سياسي وفكري وموازين قوة سياسية، لم تعد قائمة، وهو ما يفرض على جريدة «الوطن» دفع ثمن، قد يصل في نهاية الأمر إلى غلقها نهائيا كمصير محتوم توقعه مدير اليومية الأسبوع الماضي. غلق يمكن أن يطال لاحقا لأسباب مالية، جزءا مهما من الصحافة المفرنسة، التي تسير في اتجاه انحسار قاعدتها السوسيولوجية، لتقترب مع الوقت، إذا استمرت الاتجاهات الثقيلة نفسها، التي تعيشها الجزائر إلى ما يشبه حال يومية la gazette المصرية وl’orient-le jour اللبنانية، في وقت تتكاثر فيه الجرائد الناطقة بالعربية، من دون التمكن من التحول إلى قوة مؤثرة، لا على مستوى الرأي العام الوطني، ولا من باب أولى على صاحب القرار، رغم بعض «النجاحات» التي تحققها بعض العناوين، حين تعبر عن قوى اجتماعية محافظة، بالشكل الشعبوي، الذي عرفت به منذ سنوات. مع استمرار من جهة ثانية لنوع من الجرائد المفرنسة، التي لم تعد تقوم بالمهام والأدوار نفسها، التي كانت تقوم بها جريدتا «الوطن» و»ليبرتي»، في ظل موازين القوى السياسية القديمة، التي لم يعد النظام السياسي يقبل بها أو يتبناها، بعد أن توصل إلى تدجين الساحتين الإعلامية والسياسية لصالحه، وهو ينطلق بشكل قبلي، منذ سنوات على مستوى الجامعة، بخلق مدارس إعلام، تنتج كل شيء إلا الصحافي المحترف، صاحب المهنة، المدافع عنها. صحافي – شائع كما كان يقول السوسيولوجي الجزائري جمال قريد، يتعامل مع الواقع الذي يعيشه داخل مؤسسته وفي علاقاته المهنية، ومع المحيط الاجتماعي، بكل ما يميزه من غلق، كأمر واقع لا بديل عنه، «القافز» هو الذي يتكيف معه بسرعة، ليستفيد منه إذا عرف إلى ذلك سبيلا، لا يحاول أن يغيره، كما يمكن تصور ذلك عن طريق عمل نقابي وجماعي منظم، ما زال هو الغائب الأكبر في هذه الغابة، التي زاد منسوب تأنيثها بشكل لافت، المسماة كذبا، ساحة إعلامية. واقع تحولت فيه الحرية إلى استثناء، وصل فيه منسوب التفاوت الاقتصادي ـ الاجتماعي، بين ملاك الجرائد وبقية الصحافيين إلى هوة طبقية سحيقة، عبّر عنها صحافيو «الوطن» أثناء إضرابهم وهم يعايشون، مثل غيرهم من أبناء هذا الجيل الذي انطلق مع تجربة الصحافة المستقلة في بداية التسعينيات، أن زميلهم القديم الذين كانوا يتقاسمون معه صحن اللوبياء، منذ سنوات قريبة خلت، قد تحول إلى رب عمل جشع، فشل، في بناء مؤسسة إعلامية قوية، لكنه نجح في الانضمام إلى حديثي النعمة التي تعج بهم الجزائر، بكل مظاهر الثراء التي تخصصوا في إشهارها، داخل مجتمع يتجه نحو الإفقار، كما هو حاصل عند قوافل الصحافيين والصحافيات التي ترمي بهم الجامعة إلى «سوق العمل» كل سنة بأعداد خرافية، حتى وهم «يشتغلون» فما بالك عندما يتم تسريحهم، كما يمكن أن يحصل لصحافيي يومية «الوطن». اليومية التي لم تتكيف بالسرعة والنجاعة المطلوبة مع التحولات التكنولوجية التي يعيشها الإعلام المكتوب – هو حال الأغلبية الساحقة ـ للانتقال إلى الإعلام الرقمي وتنويع الخدمة الإعلامية التي يطلبها المجتمع الجزائري وهو يعيش تحولا عميقا، بدل الغلق الذي يقترحه عليه النظام السياسي الرافض حتى الآن، التحول إلى شكل تسيير أكثر انفتاحا على المجتمع حتى لا أقول ديمقراطية.
غلق إعلامي وسياسي لا يملك تداعيات اقتصادية فقط، كما يمكن توقعه، ليس من شيم النظام السياسي الريعي الالتفات لها وهو يتخذ قراراته، حتى إن عمل لاحقا على مسايرة تبعاتها الأكثر حضورا، كما هو حال البطالة. غلق، لفهمه لا بد من العودة إلى ما يميز النظام السياسي ونخبه الحاكمة التي تنتكس، عما عرفته الساحة الإعلامية خلال فترة قصيرة، في بداية الانتقال إلى التعددية، عندما حصل «نوع من التحالف» بين مصالح مراكز قراره المهمة، وهذه الساحة الإعلامية التعددية الجنينية، التي نشطها بعض العناوين، كان من بينها يومية «الوطن»، التي يعلن غلقها المتوقع عن نهاية هذه المرحلة، والعودة بالجزائر إلى الأحادية التي لم تبرحها كقيمة مركزية سياسية أغلبية نخبها الحاكمة، يمكن أن تؤدي كحتمية لا مفر منها إلى فتح المجال واسعا أمام الإعلام الأجنبي ليفرض سيطرته على عقول الجزائريين والزيادة في إضعاف البلد أكثر، على المستويين الإقليمي والدولي.

ناصر جابي

اضف تعليق

شارك

تعليقات الزوار

elgarib

على من سيكون الدور في الجزائر الجديدة بعد اعدام «ليبرتي» و«الوطن»؟

حبيبي، كلمت الجزائر الجديدة قالها ديغول في تلمسان و شرحها للفرنسيين أنذاك.أي الجزائريون الإرهابيون المجرمون يكونون في السلطة و يخدمون فرنسا و الفرنسيين. إسمع و أفهم فيديو هذا ما قاله ديغول في تلمسان !! لكي لا يخدعوك