لم تنصف التشريعات في ليبيا المرأة، ولم تنقذها من وحش العنف الجسدي واللفظي الذي قد تقع في شباكه أي امرأة على مستوى العالم مع اختلاف التعامل والدولة والقانون، حيث لم يلتفت القانون ولم تلتفت أي حكومة مرت على ليبيا إلى تجريم العنف ضد المرأة أو التعاطي بجدية مع وضع قانون وتشريعات في هذا الإطار.
إحصائيات مفجعة
وعلى المستوى العالمي تشير أحدث البيانات الصادرة عن منظمة الصحة العالمية، أن هناك امرأة واحدة من كل ثلاث نساء أي حوالي (736 مليون امرأة) في العالم، تتعرض أثناء حياتها للعنف البدني أو الجنسي، وهو عدد لم يتغيّر تقريباً طوال العقد الماضي حسب المنظمة، وقد تفاقم العنف بسبب جائحة كورونا، ونتيجة الإغلاق الطويل أوجد ضحايا من المعنَّفات.
وحسب التقرير تتعرض ثلث النساء للإيذاء وفي أوقات الأزمات، ويرتفع عدد تلك النسوة في أثناء الأزمات الإنسانية والصراعات والكوارث المناخية كما رأينا في جائحة كورونا. وأظهر تقرير جديد صدر عن هيئة الأمم المتحدة للمرأة، مستندا إلى بيانات قُدمت من 13 دولة منذ بدء الجائحة، أن أثنتين من كل ثلاث نساء أبلغن عن تعرضهن (أو امرأة يعرفنها) لشكل ما من أشكال العنف، فضلا عن أنهن أكثر عرضة لمواجهة غياب الأمن الغذائي. وقالت واحدة فقط من كل 10 ضحايا إنها ستبلغ الشرطة طلباً للمساعدة.
وعلى المستوى المحلي في ليبيا يتعرض عدد كبير من النساء إلى العنف الجسدي والجنسي واللفظي والاقتصادي إلا أن طبيعة المجتمع وعدم وجود أرضية قانونية صلبة تتكأ عليها النساء جعلت عددا منهم رهينات للصمت والعجز، لأن الطبيعة المجتمعية تنصر الرجل وترفض خروج المرأة عن طاعته وتستهجن الطلاق وتعتبره أكبر الأخطاء في الحياة.
ومع انتشار ظاهرة زواج القاصرات في ليبيا، تضاعف العنف الممارس ضد النساء وأجبرن على تحمل تبعات العنف نظرا لأن فئة كبيرة منهن تركن الدراسة لغرض الزواج فأصبح حصولهن على عمل يعيلهن أمرا صعبا جدا، فضلا عن اعتيادهن على الاعتماد على الرجل في توفير متطلبات الحياة.
وتتعرض النساء في ليبيا للتحرش المستمر، والأذى، والإخفاء القسري، والقبض المخالف للقانون، ويتم الزج بهن في السجون السرية، ويتعرضن لكافة أساليب التعذيب من الإيذاء الجسيم حتى وصل الحال ببعضهن للوفاة، إضافة للعنف ضد المرأة من المجتمع وما تواجهه من اضطهاد نفسي واجتماعي.
وفقا للإحصائيات لعام 2019 و 2018 فإن أعداد النساء المعنفات المسجلة ارتفعت بنسبة 45 في المئة خلال العام 2019 في مختلف المدن الليبية بحيث أصبح عدد المعنفات في ليبيا خلال عام 2019 أكثر من 550 في حين كانت قرابة 340 امرأة في عام 2018.
السياسة وعنف النساء
وبعيدا عن العنف الاجتماعي في البيوت فيشهد المجتمع الليبي في السنوات الأخيرة، ونتيجة لظروف عدم الاستقرار السياسي والصراع العسكري تزايدا في ارتفاع وتيرة العنف الذي يعاني منه المجتمع ككل كما تعاني منه المرأة بدرجة أكبر لكونها الأضعف، وقد تزايدت وتفاقمت الانتهاكات بحق المرأة الليبية خلال العام 2020 حيث تعرضت النساء لانتهاكات جماعية وفردية على يد الأجهزة الأمنية في الدولة الليبية أو الميليشيات في ظل انعدام أمني وغياب الرادع القانوني وصمت وتواطؤ مجتمعي حسب منظمة التضمان لحقوق الإنسان .
وتعدى الأمر من العنف إلى التبرير والتشجيع على الإفلات من العقاب كما في قضية المحامية المغدورة حنان البرعصي التي تم اغتيالها يوم 10 نوفمبر 2020 في أحد أكبر شوارع بنغازي وأكثرها ازدحاما بإطلاق الرصاص عليها، بعد ظهورها في بث مباشر انتقدت فيه خليفة حفتر. وفي إطار ضرب الأمثلة فما زال مصير عضو مجلس النواب الدكتورة سهام سرقيوه مجهولاً بعد أكثر من عامين على خطفها من منزلها في بنغازي من قِبل مجموعة مسلحة من كتيبة طارق بن زياد التابعة لحفتر، رغم المناشدات الدولية والمطالبات من المنظمات الحقوقية وسفراء الدول الكبرى بإطلاق سراحها والكشف عن مصيرها.
كما أن مصير مقبولة الحاسي البالغة من العمر (68 عاماً) المختطفة من بيتها بإحدى ضواحي مدينة بنغازي استمر مجهولاً رغم إدانة الخطف والمطالبة بإطلاق سراحها.
كما أن الإفلات من العقاب أصبح سائدا حتى في القضايا الجنائية حيث ما زالت العدالة غائبة في قضية خطف خمس سودانيات تم العثور على جثتين منهن وعليهما آثار تعذيب، بينما لا يزال مصير الثلاث سودانيات الأخريات مجهولاً، ولم يُكشف حتى الآن عن الجناة أو إعلان نتائج التحقيق حول هذه الحوادث من قبل الأجهزة الأمنية والسلطات الرسمية المسيطرة على مدينة بنغازي .
محاولات تشريعية
وكانت هناك محاولات لوضع تشريعات تحد من العنف ضد المرأة إلا أنها لم تحقق نتيجة واقعية حتى الآن، حيث في يونيو 2021 تبنى خبراء محليون مشروع قانون لمكافحة العنف ضد المرأة في ليبيا، بإشراف أممي، بما يتماشى مع المعايير الدولية وأفضل الممارسات الإقليمية.
وقالت البعثة الأممية في ليبيا، في بيان إن عددا من الخبراء الليبيين من محامين وقضاة ونشطاء ومدافعين عن حقوق الإنسان عقدوا لقاءات في العاصمة التونسية، خلال الفترة من 16 إلى 18 يونيو لدراسة مشروع قانون مكافحة العنف ضد المرأة.
وأشارت البعثة إلى أن اللقاءات الليبية التي عقدت في تونس، تضمنت مراجعة شاملة لمشروع قانون 2017 الذي جرى تنقيحه بشكل جوهري وتعزيزه، وإدخال تحسينات كبيرة عليه، بدعم من إدارة حقوق الإنسان وسيادة القانون والعدالة الانتقالية في بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، ومكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان، فضلاً عن هيئة الأمم المتحدة للمرأة وصندوق الأمم المتحدة للسكان.
وأكدت الأمم المتحدة، أن مشروع قانون 2021 يعد علامة فارقة في مجال حماية وتعزيز حقوق جميع النساء والفتيات في ليبيا، بما يتماشى مع المعايير الدولية وأفضل الممارسات الإقليمية.
ويجرم مشروع قانون 2021 جميع أشكال العنف ضد المرأة، بما في ذلك العنف الإلكتروني وخطاب الكراهية عبر الإنترنت، ويحدد آليات الحماية والوقاية كما ويحدد المسؤوليات التي تقع على عاتق المؤسسات، ويوجب كذلك إنشاء لجنة وطنية لمكافحة العنف ضد المرأة وصندوق ائتماني مخصص لدعم ضحايا العنف.
وفي إطار المحاولات لجأت ليبيا إلى تعيين 5 نساء قاضيات في بنغازي للعمل ضمن القضاء الخاص بقضايا العنف ضد النساء والأطفال، كما تم إنشاء محكمتين خاصتين بهذا النوع من القضايا في كل من بنغازي وطرابلس .
كما حاول البرلمان الليبي ان يضع مشروع قانون إلا أنه لاقى من الانتقاد ما لم يحصل مع أي مشروع آخر، حيث قدمت اللجنة المكلفة بإعداد مشروع قانون العنف ضد المرأة عملها إلى مجلس النواب في النصف الثاني من أغسطس 2017 وذلك في احتفالية رسمية بمدينة طبرق، حيث مقر المجلس في الشرق الليبي. وقد أثار المشروع ـ سيما الجانب الجنائي منه ـ حفيظة النواب أعضاء اللجنة القانونية في البرلمان.
إلا ان هذا المشروع أهمل الجوانب الإجرائية في معالجة جرائم العنف ضد المرأة على نحو من شأنه أن يؤدي إلى إضعاف فاعلية القانون، في ظل العادات والأعراف الذكورية الموروثة.
ويشار إلى أن القانون النموذجي أفرد فصلا كاملا في هذا الخصوص تمحور حول إنشاء وحدة شرطة متخصصة مكونة من عناصر نسوية متدربات على قضايا العنف، فضلا عن إنشاء نيابة عامة ومحكمة متخصصتين.
آراء وأسباب
المهتمة بالشأن الحقوقي وبقضايا المرأة خديجة علي قالت إن العنف ضد المرأة يتخذ أشكالا كثيرة ومتفرعة لا يمكن تناولها من جهة واحدة أو حصر الأسباب المؤدية لها في زاوية معينة وإغفال الجوانب الأخرى، فقصص النساء في مجتمعنا تختلف أحيانا وتتشابه أحيانا أخرى وبالتالي الظروف المحيطة بكل قصة تنتج عنها معطيات جديدة تزيل بعضاً مما نجهل بخصوص قضايا العنف ضد المرأة .
وتابعت خديجة «فمن وجهة نظري ضُعف شخصية المرأة ليس السبب الوحيد والرئيسي الذي يساهم بزيادة العُنف تجاهها، وإن نظرنا من هذه الناحية فقط فسنكون مجحفين بحق الكثير من النساء الأخريات كما نجد الكثير من الأقلام القاسية التي تكتب وتضع كامل الحق على المرأة التي تمتلك شخصية ضعيفة لا تساعدها في مواجهة واقع قاسي يصعُب عليها انتشال ذاتها من براثنه، مغفلين أن هناك الكثير من العوامل المجتمعية التي شاركت وساهمت فيما هي عليه اليوم وقد تكون أحد هذه الأسباب من يدعون حمايتها والدفاع عنها».
وأضافت أن بعض الفتيات يُحرمن من إكمال تعليمهن تحت ما يسمى السلطة الأبوية وحماية الفتيات من المجتمع وخوفا عليهن من الإنحراف، وهذا يساعد وبشكل أساسي في إضعاف شخصية الفتاة ونضيف على ذلك التغرير بالفتاة بعمر صغير جدا ورسم فكرة واحدة في رأسها ألا وهي الزواج وحرمانها من حق تقرير مصيرها، علماً بأن الفتاة بهذا العمر تكون غير ناضجة عاطفيا ونفسيا وحتى فكريا والكثير من الفتيات القاصرات في مجتمعاتنا يتعرضن للعنف الجسدي واللفظي من قبل أزواجهن وهناك حالات وصلت لدرجة وفاة الفتاة نتيجة عدم احتمالها لشيء يفوق قدرتها الجسدية والعقلية».
وأردفت «أمامنا أسباب أسرية ومجتمعية تؤدي لجعل المرأة ذات شخصية ضعيفة ولا يمكننا إغفال أن النساء يختلفن بشخصياتهن، فأحيانا رضوخ المرأة لا يعني ضعفها بل حمايتها لشيء أكثر أهمية من سلامتها كأطفالها مثلا. فالمرأة مهما بلغت من ضعف وقوة يستطيع العالم كسرها بسحب حضانة أطفالها منها وجميعنا يعرف أن القانون لا يطبق في بلداننا ولو بمقدار حبة خردل، وهناك الكثير من الحالات التي قُهرت بأبنائها وأخرى ما زالت تعاني من العنف فقط من أجل أن يجمعها سقف واحد مع أطفالها، وهنا نجد الأسباب مجتمعة والمرأة سواء كانت قوية وبشهادة جامعية أو ضعيفة المستوى التعليمي، هي عُرضة للعنف على الصعيدين اللفظي والجسدي بسبب غياب ما يسمى بالحماية المجتمعية وسواد الأبواق الحقوقية التي لا تغني ولا تسمن من جوع».
تعليقات الزوار
لا تعليقات