أخبار عاجلة

منظمات دولية تتهم الاتحاد الأوروبي بدعم التعذيب وانتهاك حقوق الإنسان للمهاجرين في ليبيا

قبل خمس سنوات فقط، تحديدًا في عام 2017، تم بث صور مروعة لأشخاص يتم بيعهم كعبيد في ليبيا، انتشرت في جميع أنحاء العالم، مما أثار غضبًا عالميًا.  

ووعدت دول عديدة بتدابير لحماية اللاجئين والمهاجرين من سوء المعاملة والظروف الشبيهة بالرق.

طريق العبودية

غادر هونوري بريشا، بلاده الكاميرون، قبل خمس سنوات من أجل الهجرة إلى أوروبا، “قررت الذهاب إلى المغرب أو الجزائر، فهناك كما قيل لي أستطيع كسب عيش لائق”.
بكلمات حزينة يحكي رجل عبد الهاتف، عن معاناة تختزل في ثناياها واقع آلاف من المهاجرين، “تركت الكاميرون بدافع الضرورة،  لإطعام أولادي الخمسة، صرت يتيماً في الـ 12 عامًا؛ ومنذ ذلك الحين عشت في الشوارع بشكل غير مستقر، في كل حياتي، ما زلت لم أحصل على وظيفة بأجر، وقمت بجميع الأعمال، للحصول على المال أو بعض الطعام”.
وراء حلم الهجرة نحو عالم أفضل، وبحثا عن حياةٍ تشبه الحياة، أخذ “الطريق”، ليسقط في ما بعد بين أيادي تجار البشر، “لقد خدعوني.. أظهروا لي خريطة بها عدة طرق وأخبروني أن الأمر سهل، وأكدوا لي يومين أني سأصل إلى الجنة”.
يومان من الأحلام تحولت إلى 7 أيام للوصول إلى ليبيا في سيارة “بيك آب”، مع 32 شخصا مكتظين في تلك المركبة، “كان شيئا غير إنساني، سفر دون توقف، وكان لدينا بعض الماء والحليب والسكر، شيء لا يكفي، ولكن يكفي ألا تموت بالجفاف”، حسب شهادته لهذه الصحيفة.
ولدى وصوله، إكتشف الرجل أن قدره قاده إلى فظاعة أخرى لا يمكن تصورها، حيث باعوه كعبد، “في بلدي كنت فقيرًا، فقير جدًا، لكنني كنت حراً.. تعرضت للضرب، للجرح بمنجل على الساقين، كل هذا صعب للغاية”.
كان الهرب هاجس الجميع، لكنهم لم يعرفوا كيف يفعلون ذلك، حيث خضعوا للعزلة والرعب، وكانوا تحت حراسة دائمة من قبل رجال الشرطة المسلحين بأسلحة رشاشة، هكذا يحكي هونوري هذا الجزء من قصته بالدموع، لتلك الصحيفة الإسبانية.
“أن أكون عبداً هو أصعب شيء حدث لي على الإطلاق.. سنة، سنتين، ثلاث وأربع سنوات، وسبعة أشهر أخرى.  كل يوم في حد ذاته هو جحيم حقيقي.. وتبدأ في الاعتقاد بأنه لا يوجد مخرج، وأن هذه ستكون حياتك كلها، وتتساءل أنك لن تكون قادرًا على تحملها “.
ولكن ذلك اليوم جاء وتمكن من الهرب، استفاد من إهمال الوصي، له بعدما أصيب بالشلل، لكن صوتًا في رأسه ظل يهتف كنّا يقول، “اخرج، اخرج، اخرج، اهرب!”.
لم يعد هونوري مهاجرا اقتصاديا يبحث عن حياة أفضل، الآن صار عبداً هاربا، “البقاء في ليبيا يعني لي القتل”، وخيار المغادرة لا يكون إلا عن طريق البحر.
وفي 30 يونيو من الـ2018، هاجر مع 60 شخصًا آخرين على متن قارب مطاطي، “لقد كانت اللحظة التي شعرت فيها بالخوف الأكبر، ولم أستطع السباحة، وكان من الواضح أن هذا القارب لن يقاوم”.
وبعد ثماني ساعات من الانجراف تم إنقاذهم، “عندما استقبلتني الأذرع المفتوحة”، كانت هذه هي المرة الأولى التي ضحك فيها “منذ خمس سنوات طويلة” يقول لـ”رأي اليوم”.

الآن، وفقا لما قاله لهذه الصحيفة، أصبح يتحدث الإسبانية، ويبتسم بسعادة ولديه وظيفة، واستعاد الأمل والكرامة، “العمل والحرية والشعور بالأمان يجعلني أحس بالسعادة، لكني أفتقد وجود عائلة، وأحيانا أشعر بالوحدة”.
التجربة التي مر بها هونوري، لا زالت محفورة في غلاغل روحه، ومن خلاصتها استخلص دعوةً إلى مواطنيه كي لا يضعوا أنفسهم في أيدي تجار البشر، “الثمن باهض للغاية”.
ويدين المهاجر الواقع غير المعاقب عليه؛ والذي يحدث في ليبيا، مع أسفه لرؤية العنصرية التي عانى منها في الشمال  من افريقيا، “نحن جميعًا إخوة وكلنا أفارقة، ولكنهم يحتقرون أولئك الذين لديهم جلد أسود”.

وضع صعب

ولكن، بعد خمس سنوات، لم يتغير شيء؛ حيث يستمر استخدام آلاف البشر كورقة مساومة، ولا زالوا ينتقلون من يد مهرب إلى تاجر.
وتقول منظمة “أطباء بلا حدود”، “نحن نخدم المهاجرين واللاجئين في ليبيا منذ عام 2017؛ هنا شهدنا المحنة اليائسة لآلاف الأشخاص، المحكوم عليهم بالضعف في مراكز الاحتجاز أو تركهم للعيش بمفردهم في الخارج، محاصرين في دائرة لا نهاية لها من العنف”.
ولعقود من الزمان، جذبت ليبيا الغنية بالنفط أشخاصًا من النيجر المجاورة ودول جنوب الصحراء الأخرى على أمل العمل في البناء والزراعة وصناعة الخدمات.
ومنذ احتجاجات 2011 وسقوط القذافي والحرب الأهلية اللاحقة، “أصبح وضع المهاجرين العاملين في ليبيا أكثر صعوبة”، وفق تقرير “أطباء بلا حدود” اطلعت عليه “رأي اليوم”.
وبعد سقوط نظام القذافي؛ تمزق البلد بسبب النزاع المسلح، وبينما تقاتل الحكومات والميليشيات المتنافسة من أجل السيطرة، انهارت الخدمات العامة.
ومعظم المهاجرين، حسب “أطباء بلا حدود”، “ليس لديهم تصاريح إقامة أو وثائق أخرى، مما يعرضهم لخطر الاعتقال والاحتجاز التعسفيين”.
وسواء كانت ليبيا محطة في رحلتهم أو وجهتهم الأخيرة، فإن جميع المهاجرين يصبحون أهدافًا على طرق الهجرة التي أصبحت أكثر خطورة وتكلفة.

السياسات الأوروبية تدعم الانتهاكات في ليبيا

أثناء حكم القذافي، أبرم الاتحاد الأوروبي وإيطاليا صفقات مثيرة للجدل مع ليبيا، حيث قدموا الأموال مقابل وعد بإبقاء المهاجرين واللاجئين خارج أوروبا؛ فقد كانت ليبيا هي البوابة الرئيسية لأوروبا؛ بالنسبة لأولئك الفارين من القمع والصراع والفقر في المنطقة.
“وأدت السياسات الأوروبية إلى تفكيك القدرة على عمليات البحث والإنقاذ المنقذة للحياة في البحر، مع رعاية خفر السواحل الليبي لاعتراض اللاجئين والمهاجرين في المياه الدولية وإعادتهم قسراً إلى ليبيا، وهو انتهاك واضح للحق الدولي”، تقول “منظمة أطباء بلا حدود”.
وتضيف المنظمة الدولية، أن كل هذا تم “مع إبرام صفقات مع منظمات معروفة بصلاتها بشبكات الإجرام والتهريب”.
ونتيجة لذلك، تضيف المنظمة؛ فإن “الاتجار بالبشر والاختطاف والاحتجاز وابتزاز المهاجرين واللاجئين هي حقيقة قاسية في ليبيا، في حين أن فرص الأشخاص الذين يموتون أثناء محاولتهم العبور من ليبيا إلى أوروبا تزداد كثيرًا”.

الاعتقال التعسفي والتعذيب

في المحصلة؛ يدفع الاتحاد الأوروبي الرجال والنساء والأطفال الضعفاء إلى براثن الاستغلال من خلال حرمانهم من بديل آمن أو قانوني.
وبالنسبة للعديد من الأشخاص، تعتمد فرصتهم الوحيدة في الأمان على المخاطرة بحياتهم في الرحلات الخطرة.
وقالت “منظمة العفو الدولية” (أمنستي)، الإثنين، في الذكرى الخامسة للتعاون الرسمي للاتحاد مع ليبيا لاعتراض اللاجئين والمهاجرين الذين يحاولون عبور البحر الأبيض المتوسط​​، أن “الاتحاد الأوروبي يجب أن يتوقف عن المساهمة في عودة الناس إلى الأوضاع الجهنمية في ليبيا”.
وكشفت “أمنستي” عن “تجاوز عدد الأشخاص الذين تم اعتراضهم في البحر وعادوا إلى ليبيا خلال السنوات الخمس الماضية؛ 82 ألفًا”.
وأوضحت المنظمة أن الرجال والنساء والأطفال العائدون إلى ليبيا، “يواجهون الاعتقال التعسفي والتعذيب وظروف السجن القاسية واللاإنسانية والاغتصاب والعنف الجنسي والابتزاز والعمل القسري والقتل غير القانوني”.
وقال ماتيو دي بيليس، باحث في الهجرة واللجوء بـ”منظمة العفو الدولية”، إن تعاون قادة الاتحاد الأوروبي مع السلطات الليبية “يبقي الأشخاص اليائسين محاصرين في أهوال لا يمكن تصورها في ليبيا”.
وأكد دي بيليس، “على مدى السنوات الخمس الماضية، ساعدت إيطاليا ومالطا والاتحاد الأوروبي في إيقاف عشرات الآلاف من النساء والرجال والفتيات والفتيان في البحر؛ انتهى الأمر بالعديد من هؤلاء الأشخاص في مراكز اعتقال مرعبة؛ حيث ينتشر التعذيب على نطاق واسع، وتعرض كثيرون آخرون للاختفاء القسري”.
وشدد الباحث على أنه “حان الوقت لوضع حد لهذا النهج القاسي الذي يظهر استخفافًا مطلقًا بحياة الناس وكرامتهم”.
هذا، وتنتهي اتفاقية إيطاليا الحالية مع ليبيا في فبراير 2023، ولكن سيتم تجديدها تلقائيًا لمدة ثلاث سنوات أخرى ما لم تلغيها السلطات قبل نوفمبر المقبل، “وهو ما تطلب منظمة العفو الدولية من الحكومة الإيطالية القيام به”.

اضف تعليق

شارك

تعليقات الزوار

لا تعليقات