أخبار عاجلة

ظاهرة التسوّل في الجزائر الأسبات و التداعيات

على مدار أكثر من عقدين من الزّمن، تفترش إحدى السيّدات زاوية من زوايا شارع الشهيدة حسيبة بن بوعلي وإذ تستعطف المارة رفقة ابنها المعاق، اليوم باتت تعيش من هذه الحرفة وهي لا تتورّع في ذكر ذلك، بسبب الظروف التي عاشتها منذ زواجها جعلها تعيش على ما تقبضه من صدقات المارة.

رغم رفضها الحديث لأيّ كان، إلا أنّها وبعد إلحاح شديد، تقول إنها يتيمة الأبوين وأنّها تحترف التسوّل منذ سنوات، بل وأكثر من ذلك، فهي لا تعرف الأعياد ولا المناسبات، مكانها هو هذا الشّارع ولم تتزحزح منه، منذ أن كان ابنها صغيرًا جدًا، ليصبح شابًا ويحترِف هو الآخر التسوّل.

هي إحدى الحالات الكثيرة التي نشاهدها في الجزائر، في الشوارع وفي مختلف الأماكن جنب الأسواق الشعبية وفي المرافق العمومية ومحطات النقل، غير أن اللافت أن التسول بات يعرف طريقا جديدًا، وتفاقمت أوجهه في المدن الجزائرية، متأثّرا بمختلف التحولات التي يعرفها المجتمع.

الأمثلة كثيرة، في مختلف الشوارع والمدن، إذ عرفت الظّاهرة منحنى جديدا من حيث النوع وتصاعديًا من حيث الحجم، وأضحت تأثيرات الأزمة الاقتصادية والاجتماعية بارزة على السّطح بسبب تداعيات وباء فيروس كورونا، كما قال فريد لعلالي أستاذ الاقتصاد بجامعة بومرداس شرق العاصمة الجزائرية، إذ تعاقبت وراء أكثر من سنتين من السكون الاقتصادي والتنموي الذي تسببت فيه الأزمة الوبائية، إلى إحالة الآلاف على لائحة البطالة، وما انجر عنه من تغييرات على الساحة العالمية وانهيار لسعر العملة وارتفاع أسعار المواد الاستهلاكية الأكثر طلبا من الأسرة الجزائرية.

هذه المبرّرات حسب أستاذ لعلالي تزامنت معها عوامل كثيرة، أدت إلى إحداث رجّة طرأت على المجتمع الجزائري لا يمكن إغفالها، حسب تعبيره، وتسببت في تفاقم صورة التسول وأنماطه أيضا في الجزائر.

علامة التسول يمكن ربطها بما انجرّ عنه من فقر بسبب غلق المصانع وتوقف المنشآت القاعدية الذي أنجرت عن الوباء وما لحقها من شلّ تام في العديد من القطاعات كإغلاق الأسواق الشعبية والمقاهي والمطاعم وإيقاف النقل بين الولايات وإيقاف المشاريع، فضلا عن إيقاف الطيران، ما أحال الآلاف من العائلات على حافة الفقر، بسبب فقدان عدد كبير من الموظفين النظامين وغير النظاميين لمصادر دخلهم.

أدّت التحوّلات الاقتصادية والتنموية، التي لا تلبّي احتياجات السكان إلى هذه الظّاهرة، بمختلف أشكال التسول، وازداد الوضع تعقيدا بإحالة الآلاف من العمال على البطالة، ما يعني أننا اليوم أمام مشكلة وجب تفكيكها، كما قال.

الوضع الاقتصادي للأسر أصبح صعبًا، وهو ما أدى  إلى بروز العديد من الظّواهر من بينها التسوّل والجريمة وغيرها من الظّواهر المرتبطة أساسًا بالوضع الأسري المادي، كما قالت أستاذة علم الاجتماع بجامعة بوزريعة بالعاصمة الجزائرية فريدة بوطاف لـ"الترا جزائر" لافتة إلى أن المشكلة الاجتماعية –التسول-مردها سوء أحوال المقدرات المالية للأسر، إذ برزت البطالة وتشغيل الأطفال ودفعهم للتسول، كما قالت

وأردفت قائلة، أنّه مع التحوّلات الاقتصادية والإبقاء على مستوى معيّن من الأجور وعدم توازنها مع ارتفاع الأسعار، سنشهد انحسارا للطبقة الوسطى، وأصبحت العائلات لا تقدر على دفع مستلزماتها، بينما الطبقة الفقيرة ازدادت فقرا فالحلول قليلة أمامها، ليبقى التسوّل أحد تلك الحلول، أو الاستدانة كوجه من أوجه الأزمة الخانقة.

التفكّك الأسري

بعيدا عن الوضعية الاقتصادية بسبب تداعيات الأزمة الوبائية المستجدة، عوامل أخرى تدفع النساء والأطفال إلى التسوّل، وأهمها ظاهرة الطلاق وحالات الأمهات العازيات، كما أشارت كريمة أقنيني المختصة الاجتماعية على مستوى المديرية الاجتماعية لشؤون المرأة والطفولة بمنطقة برج البحري بالعاصمة الجزائرية، إذ لفتت إلى أنّ المجتمع الجزائري يعرف ارتفاعا محسوسا في حالات الطلاق، وأيضا للأمهات العازيات، فلن يجدن بدًّا سِوى التسوّل.

هذه العوامل لا يمكن فهمها بمعزل عن تلك الظروف التي تسببت فيها، فما شهدته الأسرة الجزائرية والمجتمع برمته من تحولات وتغيير، له علاقة بهذه الظاهرة، التي تمظهرت عبر طلب المساعدة من المارةـ، أو المبيت في الطرقات وبجوار العمارات، واستغلال العاهات والإصابات لكسب عطف الناس.

فالأمّ العازية التي وجدت نفسها وحيدة رفقة طفل وأكثر دون نسب، تأوي للشارع حسب المتحدثة، خصوصًا وأن " المجتمع الجزائري مجتمعًا مازال يوصف بـ"المحافظ" إذ "ترفض الأسرة الجزائرية الأمّ العازبة، ما يفسّر لجوؤها للتسوّل كأحد الحلول لوضعيتها"، كما قالت.

 على الرّغم من عدم وجود أرقام رسمية تتناول الظاهرة، إلا أنّ الجمعيات الناشطة في مجال حماية الأم والطفل تشير إلى وجود أكثر من 13 ألف طفل يتم استغلالهم في التسوّل حسب إفادة شبكة ندى للدفاع عن حقوق الأطفال في الجزائر، إذ لفت الناشط في الشّبكة الياس خلادي في تصريح صحفي أن الدّراسات تشير إلى استغلال أكثر من مليون طفل في التسوّل، وهي مرشحة للارتفاع بناء على مؤشرات اجتماعية طرأت على المجتمع والأسرة الجزائرية.

وأضاف خلادي أن الفقر من الأسباب التي تدفع الأطفال والنساء العازبات والمطلقات والأرامل وذوي العاهات إلى استجداء الناس من أجل كسب لقمة العيش من جهة، مشيرًا، من جهة أخرى، إلى أن "البعض أصبح يراها حرفة يومية استغلّها المحتالون".

وتبعًا لذلك فإن القانون الجزائري يجرّم استغلال الأطفال في عملية التسول، ومعاقبة الوالدين، فيما دعا المختصون الى إيجاد حلول اجتماعية للظاهرة، خاصة في ارتفاع عدد الجمعيات الخيرية، علاوة على دعوات إيجاد فرص العمل من خلال جمعيات تخلق العمل بعيدا عن تقديم مساعدات شهرية.

مفارقات

بلغة السياسة، فالحكومة الجزائرية حافظت على مسارها الاجتماعي من خلال الدعم وتوفير مقدرات مالية للأسر تحت خطّ الفقر، كشكلٍ من أشكال الطابع الاجتماعي للدولة، فضلًا عن ازدهار وسائل التّضامن والتكافل بين مختلف مكونات الشعب الجزائري، وهو ما تظهره نشاط للآلاف من الجمعيات الخيرية.

أما بلغة الاقتصاد فإن البلد عرف انهيارًا في المقدرة الشرائية بسبب ارتفاع الأسعار وانكماش مداخيل الأسرة، بينما بلغة علم الاجتماع فإن الظّروف اليومية والتحوّل الاستهلاكي داخل الأسرة الواحدةـ فرض على الأسر اتخاذ نمط جديد من المعيشة يتماشى مع التطور وبروز الخدمات التي تقطِف من جيوب الجزائريين مصاريف ثانوية باتت اليوم أساسية كمصاريف الكراء ومصاريف رياض الأطفال ومصاريف شراء هاتف ذكيّ الذي يساوي أجرة معلِّم، ومصاريف الرّبط بالشبكة العنكبوتية وغيرها من المصاريف، التي أنهكت أرباب البيوت.

وإضافة إلى ما سبق، وجب لفت النّظر أيضًا إلى التحوّل العميق الذي تعرفه الأسرة الجزائرية من الداخل بسبب ابتعادها شيئًا فشيئًا عن القيم الموروثة والتقاليد والتعاون فيما بينها، والتي بدأت في الانحسار منذ الأزمة الأمنية التي عصفت بمختلف المعتقدات والعادات الاجتماعية، نحو الفردانية والحياة المادية.

فتيحة زماموش

اضف تعليق

شارك

تعليقات الزوار

احتجي و ثوري يا اختاه نصيبك من المال الذي تعيشين به و ابنك طول حياتك قد انفقته حكومتك على البوزبال في تندوف.

مسلم

لله المشتكى

لله المشتكى من اللصوص والمفسدين الجزائر اهابها الله ثروات كثيرة كافية ليعيش الشعب الجزائري في احسن مستوى لا حول ولا قوة الا بالله ولله الامر كله وحفض الله الشعب الجزائري من كل سوء امين .