أخبار عاجلة

قيس سعيّد يعيد تونس الى الحكم الاستبدادي على طريقة “القذافي”

قال الباحث هلال خاشان في تحليل تحت عنوان “تونس تعود للحكم الاستبدادي”، ونشر في موقع “جيوبوليتيكال فيتشرز”، إن الرئيس التونسي قيس سعيد ألغى خلال حكمه لسنتين فقط، المكاسب الديمقراطية التي تحققت في البلاد خلال أكثر من عشر سنوات.

ويشير إلى أن أستاذ القانون الدستوري السابق قيس سعيد وصل إلى رئاسة تونس في 2019، ولم يكن مرشحًا تقليديًا، حيث أطلق حملة انتخابية متواضعة وقدم نفسه كمناهض للنخبة الفاسدة التي تخدم مصالحها وخانت ثورة 2011 التي أطاحت بالرئيس الراحل “زين العابدين بن علي”.

ولكن في يوليو الماضي، أقال سعيّد رئيس الوزراء وعلق البرلمان ورفع الحصانة القضائية عن أعضائه، مدعيا أن الدستور يمنحه صلاحية اتخاذ هذه الإجراءات.

وبعد شهرين من ذلك – عندما كانت البلاد ما تزال في ظل حالة الطوارئ – جمد سعيد الدستور، وأصدر مرسومًا ليمنح نفسه الصلاحيات التشريعية والتنفيذية والقضائية، وتعهد بإدخال نظام رئاسي مع صلاحيات واسعة النطاق.

نية سعيد الحقيقية

وكما يؤكد الكاتب يرى العديد من المراقبين أن نية سعيد الحقيقية هي استعادة الحكم الاستبدادي الذي كان سائدا في تونس بين عامي 1957 و2011. وتشير أفعاله إلى أنه ليس البطل الشعبي الذي يصور نفسه عليه وإنما هو غوغائي متهور ومهووس بالسلطة.

خاض سعيد الانتخابات الرئاسية كمرشح مستقل ومحافظ، واكتسب شعبيته بين الناخبين بعد فشل الحكومة في معالجة المشاكل الاقتصادية طويلة الأمد في أعقاب انتفاضة 2011، وجاءت معظم قاعدته من تأييد الناخبين الشباب الذين تجاوز معدل البطالة بينهم 36%.

لكن انتخابه لم يحل أيًا من المشاكل في تونس، وتزايد الانقسام والخلافات السياسية بين العديد من الأحزاب التي نشأت بعد الثورة، وأصبح عدم الاستقرار السياسي هو القاعدة، كما تصاعدت المشاكل الاجتماعية، وجاء الوباء ليفاقم الأزمة الاقتصادية.

ووصلت التوترات إلى ذروتها عندما رفض “سعيد” التعديل الوزاري في حكومة رئيس الوزراء السابق “هشام مشيشي” بالرغم أن ذلك لم يكن من صلاحياته، وتعمد تأجيج هذه الأزمة بشكل يمهد للإجراءات الاستثنائية التي اتخذها بحجة استنادها إلى المادة 80 من الدستور عام 2014، والتي تسمح للرئيس باتخاذ تدابير معينة في حالات استثنائية تهدد الدولة.

وينص الدستور صراحة على أن هذه التدابير يجب أن تؤخذ بالتشاور مع رئيس الوزراء الذي أقاله “سعيد”، ومع رئيس مجلس النواب الذي اتهمه “سعيد” بالخيانة.

مناورات سعيد

في ديسمبر الماضي، أعلن “سعيد” عن مشاورات (على الإنترنت) تستمر 3 أشهر لصياغة منصة دستورية وانتخابية جديدة استعدادا لاستفتاء دستوري في يوليو المقبل، قبل الانتخابات التشريعية في ديسمبر.

 ومع ذلك، فإن تونس (التي يستطيع 76% من المواطنين فيها الوصول إلى شبكة الإنترنت) تتبنى النهج البوليسي في التعامل مع الإنترنت، ويتعرض النشطاء الذين يعبرون عن آرائهم للملاحقة القضائية، ويعتقد الرئيس السابق “منصف المرزوقي” الذي يعيش في فرنسا، أن “سعيد” سوف يستخدم بيانات المشاركين ليتلاعب بالانتخابات ويعتقل المنتقدين.

يصوّر “سعيد” كل قادة المعارضة بأنهم عملاء أجانب خونة، بغض النظر عن توجهاتهم السياسية، حتى إن “سعيد” انقلب على أولئك الذين دعموا انقلابه، وهم الأحزاب اليسارية و”الاتحاد العام التونسي للشغل” المؤثر في تونس.

وظنت هذه الأحزاب بسذاجة أن الرئيس كان معارضًا لحزب “النهضة” فقط ولكن سرعان ما أدركوا أنه لا يريد أن يتقاسم السلطة مع أي حزب أو شخصية سياسية، وقد رفض بدء حوار وطني حول مستقبل تونس، كما أنه منع السياسيين من الظهور على التلفزيون الحكومي.

وينتقد “سعيد” باستمرار وسائل الإعلام والأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني. وجرت محاكمة غيابية لـ”المرزوقي” وحُكم عليه بالسجن لمدة 4 سنوات لمشاركته في مظاهرة في باريس ضد تدابير “سعيد” ولمطالبة الحكومة الفرنسية بعدم دعم نظامه.

كما أحجم “سعيد” عن التشاور مع الهيئة العليا المستقلة للانتخابات حول الاستفتاء والانتخابات التشريعية، وقال أيضا إنه يجب أن يكون واضحا لجميع التونسيين أن رئيس الدولة هو القائد الأعلى للقوات المسلحة والمجتمع.

وحث سفراء مجموعة الدول الصناعية السبع “سعيّد” على تحديد جدول زمني لإعادة تنشيط المؤسسات الديمقراطية في تونس، بما في ذلك جمعية تأسيسية منتخبة بشفافية، لكن “سعيد” حدد بالفعل خطته لتونس. فهو يقول إنه يريد تنفيذ نظام من اللامركزية الديمقراطية، مما يمنح المناطق الجغرافية السبع في البلاد فرصة في الحكم الذاتي في نظام ما بعد الأحزاب السياسية.

في الواقع، يريد “سعيّد” تكرار نموذج الجماهيرية الليبية التي كانت تحت حكم الرئيس الليبي السابق “معمر القذافي”، أيّ “دولة الجماهير”، عبر نظام للسيطرة على تونس من خلال مخبريه والمتزلفين إليه.

وقد تدهور سجل حقوق الإنسان في تونس منذ أن أطلق “سعيد” إجراءاته الاستثنائية، وفقًا لمنظمة “هيومن رايتس ووتش”. ويؤدي استبداد “سعيد” لتآكل دعمه الشعبي، كما أن الاستياء من تركيز كل السلطة في يديه أدى لاستنفار مجموعات المجتمع المدني.

تدهور وسذاجة حزبية

وفي ديسمبر الماضي، طالبت مبادرة “مواطنون ضد الانقلاب” برحيل “سعيد” لأنه “اختطف الدولة وصادر حريات الشعب بشكل صارخ”. كما أدانت الأمم المتحدة الاحتجاز غير القانوني لنور الدين البحيري نائب رئيس “النهضة” والمسؤول البارز السابق في وزارة الداخلية، وطالبت بإطلاق سراحه أو محاكمته.

أما بالنسبة للذين احتفلوا بتحرك “سعيد” ضد المؤسسة السياسية، فقد توقعوا منه أن يعالج الأزمة الاقتصادية في تونس ويخلق فرص عمل خاصة بالنسبة للشباب، ويحسن مستوى معيشتهم، ولا يبدي هؤلاء اهتماما كثيرا بمراجعاته السياسية والدستورية.

لكن منتقدي “سعيد” ينظرون إليه كديكتاتور يكافح من أجل إعادة تونس إلى عصر الاستبداد، لينهي آخر معقل متبق للانتفاضات العربية. وفيما يُظهر “سعيد” أن هدفه السياسي الرئيسي هو مكافحة الفساد، إلا أنه يبدو أكثر اهتماما بتعزيز سلطته والقضاء على المعارضة. فهو يتحدث عن الديمقراطية، لكن تصرفاته ديكتاتورية بشكل كامل.

ويشبه خطاب “سعيد” الديكتاتوريين العرب مثل رئيس النظام السوري “بشار الأسد” الذي وصف المتمردين بالجراثيم والجرذان، والزعيم الليبي “معمر القذافي” الذين شبه المعارضة بالكلاب الضالة، حيث يصف “سعيد” معارضيه في خطبه بالميكروبات والثعابين والغربان والفيروسات والشياطين والخونة.

رحبت الإمارات والسعودية بتدابير “سعيد” التي قلصت بشكل كبير من تأثير حركة “النهضة” المرتبطة بـ”الإخوان المسلمين”، وتدفقت الإمدادات الطبية الإماراتية والسعودية إلى تونس مباشرة بعد أن استولى “سعيد” على النظام السياسي وهمش الطبقة السياسية بأكملها. وحاليا، يعتمد البنك المركزي التونسي على المساعدات المالية من أبوظبي والرياض بشكل كبير.

وسيكون الجيش التونسي هو من يحدد مصير “سعيد”، لكنه لن يتحرك ضده لحماية المعارضة التي لا يكن لها احترامًا، ولن يتحرك الجيش للإطاحة بـ”سعيد” إلا إذا حدثت انتفاضة شعبية مثل تلك التي حدثت في ديسمبر 2010 وأطاحت بـ”بن علي”.

وما يزال هناك بعض التونسيين الذين يرون “سعيد” كمخلص لهم، لكن الأرجح أن وهمهم سيتلاشى بعد رؤيتهم له على حقيقته “مجرد زعيم استبدادي”.

اضف تعليق

شارك

تعليقات الزوار

لا تعليقات