أخبار عاجلة

الجزائر ليست إيران ولا سوريا

الدور على الجزائر بعد إيران، هذا ما نجده حاضرا على بعض صفحات الوسائط الاجتماعية هذه الأيام، بعد انطلاق العدوان الإسرائيلي على إيران وتهديدها بإسقاط نظامها السياسي، واغتيال قيادتها الوطنية. الخطاب نفسه الذي كنا قد استمعنا له بعد سقوط النظام السوري. تم الترويج له داخل الوسائط الاجتماعية، وبعض الإعلام الدولي الموجه، انساق له بعض الجزائريين، دون تمحيص من معارضة الخارج، التي تنشطها فرديات معزولة، لم تعد تفرق بين معارضة النظام السياسي كحق، والمطالبة بهدم الدولة الوطنية. لا يحتاج الانسان إلى معرفة خارقة، لكي يكتشف أن وراءها قوى دولية وإقليمية معادية للجزائر، تريد تصفية حسابات قديمة مع الشعب الجزائري ودولته الوطنية.
قوى تعتقد أن وقت الجزائر قد حان، نتيجة العزلة الدولية التي تركز عليها هذه التحاليل للمحيط الدولي والإقليمي الذي تعيشه الجزائر، حسب هذه الرؤية قصيرة المدى، وهي تركز على سوء العلاقات مع فرنسا والمغرب ودول الساحل.
دول الساحل التي شهدت سلسلة الانقلابات العسكرية التي عاشتها دوله الهشة أصلا على مستوى أكثر من صعيد، اقتصادي أمني وسياسي، كانت علاقات الجزائر معها لوقت قريب أكثر من متميزة، رغم الضغط المالي والأمني والبشري، الذي عانت منه في علاقاتها مع هذه الدول الأكثر فقرا في العالم، التي تنتظر الكثير من جارتها الشمالية الغنية، قد يكون أحد أسباب سوء التفاهم الحاصل بين نخب هذه البلدان في علاقاتها بالجزائر، يمكن أن تتحسن بسرعة بعد تجاوز مرحلة الاضطراب التي تسبب فيها هؤلاء الانقلابيون الشباب من دون تجربة تسيير، عندما يصطدمون بالحقائق على الأرض ويكتشفون أن تسيير ثكنة عسكرية يختلف عن تسيير بلد.

في وقت تعرف فيه العلاقات مع روسيا بعض الاضطرابات بعد التدخل العسكري الروسي في منطقة الساحل، التي تتحفظ عليه الجزائر، بل ترفضه مهما كان الشكل الذي يأخذه، وعينها على مستوى الأداء المتواضع للسلاح الروسي – الذي تعتمد عليه بشكل شبه كلي في تسليح جيشها، والذي أثير حول نجاعته أكثر من تساؤل، ليس في هذه المنطقة الصحراوية الحارة، في مواجهة أبناء الأزواد الفقراء، من أصحاب الأرض والتسليح الخفيف، بل في أوكرانيا كذلك المدعومة من الغرب. في وقت تكرست فيه الاتجاهات الحديثة لحروب المستقبل بطابعها التكنولوجي الحديث، وغطائها السياسي- الفكري المتميز بسيطرة أقصى اليمين الشعبوي في العالم الغربي، كما تبينه بجلاء الحالة الأمريكية بعد عودة ترامب إلى البيت الأبيض، الذي وصله عبر حملة انتخابية نادت بإيقاف حروب أمريكا في الخارج، يمكن دشن سنته الأولى كرئيس بحرب إقليمية تهدد استقرار العالم، تؤكد لمن نسي الطابع العدواني العنيف للسياسة الأمريكية، تعاملت معها شعوب الجنوب الرافضة للهيمنة الامريكية كموت زُعاف، مقارنة بالحمى الأوروبية الأرحم.
المقارنة بين النظام الإيراني والسوري من جهة والنظام الجزائري، التي تكتفي في الغالب ببعض الخصائص التي يتم تضخيمها ومنحها قوة تفسيرية مبالغا فيها على غرار دور الجيش داخل مؤسسات الدولة، وبعض مظاهر الانغلاق الفكري للنخب السياسية، واستعصاء المؤسسات أمام الإصلاح، دون مراعاة لما يميز النظام السياسي الجزائري من خصوصيات، في علاقاته بمواطنيه المختلفة نوعيا عما ساد من علاقات اتسمت بالكثير من العنف في علاقة النظام السوري بشعبه، لا نجدها حاضرة في الجزائر، كما تبين اثناء الحراك الشعبي، الذي لا يمكن بتاتا مقارنته مع ما حصل في سوريا بداية من 2011، من حيث حجم العنف الذي سلط فيه على الشعب السوري. اختلاف يجد تفسيره فيما تتميز به مؤسسات الدولة في الجزائر، بطابعها الشعبي غير القابل للمقارنة مع الحالة السورية، كما هو الحال عندما يتعلق الأمر بالجيش الوطني الشعبي، بتاريخه الوطني في بناء الدولة الذي تكون قيادته قد تعلمت من درس الزج بها في مواجهة المواطنين، كما حدث اثناء أحداث أكتوبر 88 ترفض العودة لها مهما كانت الحجج المعلنة، لتلتقي في موقف المواطن نفسه الرافض للعنف بالسلمية التي أظهرها وأصر عليها طول ايام الحراك. جيش ما زال الانضمام لصفوفه مفتوحا بقوة امام كل فئات الشعب، كما تؤكده الملاحظات اليومية مقارنة ببعض الحالات الوطنية التي تعرف قيادات الجيش فيها بداية تمايز طبقي واضح لصالح فئات عليا بمصالح متميزة ما زالت بعيدة عنه الحالة الجزائرية، التي كونت فيها مؤسسة الجيش والشرطة والدرك مصعدا اجتماعيا واضحا لأبناء الفئات الشعبية، سمح لها بتطوير استفادتها التي حققتها من التعليم العالمي داخل مؤسساته، انعكس إيجابا على مستوى حضورها داخل مؤسسات الدولة المركزية.
ناهيك من الاختلافات القوية الحاضرة بين المجتمع الجزائري والإيراني، أو السوري، بمستوى التجانس الاجتماعي ـ الثقافي الكبير الذي يتميز به المجتمع الجزائري المسلم السني الأمازيغي- العربي في أغلبيته الساحقة، وهو ينجز تجانسا اجتماعيا أكبر، عبر مؤسسة الزواج السائد بين مختلف أبناء مناطقه الجغرافية، كاتجاه ثقيل تم تكريسه بعد الاستقلال، بعد توجه الجزائريين للعيش في المدن الكبرى والمتوسطة، مقارنة بالتنوع الكبير الذي يعرفه النسيج الاجتماعي في إيران وسوريا، على أكثر من صعيد إثني -عرقي وديني مذهبي، لم يعرف النظامان دائما كيف يسيرانه بالشكل السلس المطلوب، كما ظهر في الحالة السورية التي حكمت فيه أقلية مذهبية البلد تحت غطاء سياسي – حزبي لم يصمد في نهاية الأمر نتيجة الإفراط في استعمال القمع ضد أغلبية سكانه الذين لم يجدوا مخرجا إلا اللجوء إلى مواجهة عنيفة معه للقضاء على هذا النظام الدموي، الذي طبق على ارض الواقع سياسة طائفية متعارضة تماما مع توجهاته الوطنية والقومية المعلنة التي انطلق منها في بداية ظهوره.
مقارنة بين الحالتين الإيرانية والسورية مع الحالة الجزائرية، لم توفق في تقييم دور العامل الخارجي في الحالة الجزائرية، التي عبر المواطنون عن رفض مطلق لها، كما تبين اثناء الحراك الشعبي الذي عرف إجماعا كبيرا على رفض أي شكل من أشكال التدخل، جعلت الجزائريين يتنازلون عن الاستمرار في المطالبة السياسية، خوفا على استقرار البلد، بعد أن لاحظوا تعنتا من قبل مراكز القرار السياسي الرسمي في التعامل الإيجابي مع مطالب المواطنين، وهي تلتف عليها. كما تعودت عليه في أكثر من محطة سياسية سابقة، كما حصل بعد أحداث أكتوبر 88. وأزمة 92 بما أنجّر عنها من حالة عنف عاصف كادت أن تودي بالبلد إلى تهلكة فعلية. بيّن الجزائريون أنهم يرفضون العودة إليها حتى إن أدى ذلك لتعطيل حقهم في التغيير السياسي المنشود، المؤجل إلى حين.. وضع يزيد من مسؤوليات النخب الرسمية الحاكمة كطرف في قيادة التغيير السياسي الجدي المطلوب شعبيا.

ناصر جابي

اضف تليق

Leave this empty:

شارك

تعليقات الزوار

لا تعليقات