أخبار عاجلة

صيف الجزائر وحروب جسد المرأة

من يكتفي بقراءة عنوان هذا المقال قبل الانتهاء من تصفح كل الموضوع قد يفهم أن فصول السنة الأخرى ليست معنية بما سميناه حروب الجسد في الجزائر التي تركز بالطبع على جسد المرأة، حتى إن كان الرجل معنيا جزئيا ببعض معارك هذه الحرب على الجسد، تبقى معارك هامشية في الغالب لا تعني إلا بعض الشباب، كما حصل بمناسبة معارك إطالة الشعر في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، أو بنطلون «الجينز» الذي اشتهر الشباب الذكور بارتدائه في تلك الفترة قبل البنات، ليتم القبول به لاحقا عند الجميع، حتى إن كان تحت الحجاب بالنسبة للإناث.
حروب الجسد التي نتكلم عنها هذا الأسبوع تحيل إلى قضية أهم تتعلق بحضور المرأة في الفضاء العام، الذي لم تتقبله لحد الساعة شرائح متراوحة الحضور من القوى الاجتماعية المحافظة، إلا بشروط كان من بينها ارتداء الحجاب، بداية من منتصف الثمانينيات، نتيجة تحولات عميقة عاشها المجتمع الجزائري، كان من بينها العنف المسلط ضد المرأة من قبل بعض التيارات المتشددة، في غياب لافت للنقاب في الجزائر، والأشكال المتشددة الأخرى التي عرفتها بعض المجتمعات. ولوج الفضاء العام الذي تعاملت معه المرأة الجزائرية ببراغماتية كبيرة وهي «تتفاوض» مع وسطها الاجتماعي في الريف والمدينة، حتى يسمح لها بالخروج إلى الدراسة والعمل، الخروج للدراسة كان أكثر شرعية من العمل في الحالة الجزائرية، نتيجة اعتبارات اقتصادية – اجتماعية مرتبطة ببعض الخصائص الاقتصادية التي ميزت الحالة الجزائرية.

مراقبة جسد المرأة الذي تكفل به أكثر من طرف في المدينة التي دخلتها العائلة الجزائرية للعيش فيها بقوة بعد استقلال البلاد، ما جعل معارك الجسد هذه أقل ضراوة في المناطق الريفية واقصى الجنوب التي حافظت فيه المرأة على لباسها التقليدي الجميل، على غرار الحسانيات والطرقيات. لنكون أمام دور مهم ينجزه الأخ في عملية المراقبة لجسد أخته، خارج الفضاء الأسري – عكس موقف الأب المتسامح، نتيجة عدم تعامله مع جسد ابنته كموضوع للجنس، على خلاف الأخ ورفاقه في الحي، الذين يكونون لها بالمرصاد عندما تهم بالخروج من الفضاء الخاص نحو العام. دور يقوم به الأخ تحت ضغط أبناء الحي والجيران، الذين يساهمون هم كذلك في عملية المراقبة لبنت الحومة خارج الحومة، عندما تغامر بالركوب في سيارة مع غريب عادة ما يكون ينتظرها خارج الحومة، تجنبا لعيون الرقابة، دون اهمال لدور أفراد العائلة الآخرين في إنجاز عملية المراقبة عن بعد، التي تتطوع للقيام بها بنات العائلة – الخالة والعم – خاصة من «الغيورات» غير المحظوظات في مجال الدراسة أو العمل، في المدينة الكبيرة والمتوسطة، التي تحولت مع الوقت إلى فضاء واسع لرقابة اجتماعية يشارك فيها الكل ضد الكل، نتيجة الطابع العائلي والجهوي، الذي ميز الدخول إلى المدينة في الجزائر، بُعيد الاستقلال من قبل هؤلاء «الحضر الجدد»، منح طابعا جهويا، وعائليا للكثير من أحياء العاصمة، التي أخذناها كمثال لطرح ما تعانيه الجزائرية وهي تلج الفضاء العام، المتميز بحالة رقابة ذكورية شديدة، عاشتها المدينة الجزائرية قبل الكثير من مدن العالم العصرية المكتشفة لكاميرات المراقبة المبثوثة في شوارعها.
بالطبع يمكن لهذه الرقابة أن تتحول إلى رقابة أكثر رسمية، حين يتطوع للقيام بها الشرطي والدركي – خارج الإطار القانوني- عندما يلاحظ أن لباس البنت ليس محتشما بالقدر الكافي من وجهه نظره – ممثل السلطة هنا عادة ما يكون ضحية لتجربته الشخصية وأصوله الاجتماعية ـ الريفية، مثل أغلبية الجزائريين يتعامل معها كحقائق وبديهيات غير قابلة للنقاش، يفرضها من خارج النص القانوني وهو يتعسف في استعمال السلطة الممنوحة له من قبل الدولة – مثل المعلم ومدير الثانوية والحارس، حتى لا نهمل دوره في هذه العملية التي يتطوع للقيام بها وهو جالس قرب باب المدرسة. مراقبة ذكور المدينة لإناثها لا تراعي ولا تحترم بالضرورة لباس الحجاب، الذي ضعفت «قداسته» مع الوقت، بعد الابتذال الذي لحق به عندما انتشر عند فئات واسعة من البنات، في المدينة الجزائرية التي تتجه نحو عدم التقيد الصارم به، كما يؤشر إليه الكثير من الملاحظات. تتجه في جزء منها للتخلص من لباسه بعد المرور «بمرحلة انتقالية ذكية» تقوم بها البنت الجزائرية نحو السفور بالتدريج وعلى مراحل!
في مجتمع لا يملك في كل جهاته العلاقة نفسها مع الصيف والبحر كمعطيات طبيعية فصلية في علاقتها بالرقابة على جسد المرأة، وهي تحاول التحرر أكثر في فصل الصيف عندما تحاول الابتعاد عن لباسها الشتوي بألوانه الداكنة البعيدة عن أجواء البحر المتوسط الغائبة على لباس الجزائريات، فأبناء الساحل، على سبيل المثال، لا يملكون العلاقة نفسها مع الصيف والبحر، حتى إن بقيت مختلفة على العموم مع حالة أبناء الهضاب العليا، ومن باب أولى الجنوب، الذين ما زالوا يربطون بين الانتحار والبحر – كما كانت تفعل أمي رحمها الله – وليس التفرهيد كما يقول إخواننا في تونس. اختلاف العلاقة مع الصيف والبحر التي يفترض أنها لا تمنع العطلة والراحة، التي تبقى من حق أبناء هذه المناطق «المحافظة» عبر عرض سياحي يكون هو بدوره مختلفا ومتنوعا. فليس من الضروري أن يكون العرض السياحي الذي تقترحه مدن مثل بجاية ووهران ومستغانم وعنابة هو العرض نفسه الحاضر في شواطئ مدينة جيجل، على سبيل المثال، التي اختفى سكانها الحضر لحساب سيطرة أبناء الجبال على المدينة، عبر ثقافة تركز بشكل غريب على لباس المرأة، وإن تحجبت وسترت جسدها وهي في عطلة، توسعت لتشمل النساء من غير بنات المدينة والجهة الحاضرات كسائحات. مدينة جيجل التي أصبح من المعتاد فيها كل بداية صيف انطلاق حملات مراقبة صارمة لمنع ما سمي باللباس «غير المحتشم» للمرأة والرجل، ما زال الحال مبكرا لمعرفة هل انطلقت هذه السنة.
نتيجة تفشي هذه الثقافة المحافظة بين أبناء هذه المنطقة السياحية الجميلة، التي صبغ أبناؤها بعض هذه الأجواء المحافظة، على المدن التي دخلوها بأعداد كبيرة كالعاصمة على سبيل المثال، أجواء وصلت هذه السنة إلى حد الكلام على منع النساء من تذوق المرطبات في الأماكن العامة، لأنه يثير الذكور جنسيا، في مجتمع تعاني أغلبية سكانه من أزمة زواج وبالتالي جنس، عبرت عن نفسها بأكثر من شكل. بالطبع ليس في جيجل فقط ـ حتى لا يغضب مني أصدقائي الجواجلة ـ لأن الإشكال المتعلق بحضور المرأة في الفضاء العام بالعداوة التي تعيشها داخله، هو إشكال وطني تعاني منه كل الجزائريات بدرجات متفاوتة، حتى إن تلون في بعض الأحيان ببعض البهارات الجهوية المرتبطة بأكثر من متغير جغرافي، ثقافي وتاريخي موضوعي، يبقى حله مرهونا بالمدى البعيد. في انتظار ذلك عطلة سعيدة للجميع.

 
ناصر جابي

اضف تليق

Leave this empty:

شارك

تعليقات الزوار

لا تعليقات