أخبار عاجلة

رحلة بحث عن الذات فيلم جزائري يأخذ مشاهديه في رحلة سياحية لمستغانم

يبعث المخرج الجزائري أنيس جعاد في ثاني أفلامه الروائية الطويلة وهو بعنوان "أرض الانتقام" برسالة أمل للمشاهد الذي يحظى طيلة عمر العمل برحلة ممتعة في طبيعة مستغانم الخلابة، حيث يتناول العمل قصة اجتماعية تدور أحداثها حول مدى قدرة الإنسان على تخطي مصاعب الحياة وتجاوز الخلافات الأسرية.

أنيس جعاد كتب الفيلم وأخرجه بنزعة واقعية أظهرت جانبا من طبائع النفس البشرية وصراع الخير والشر، إذ يسرد العمل في 96 دقيقة قصة "جمال" رجل خمسيني يحاول بصعوبة الاندماج في الحياة الاجتماعية بعد خروجه من السجن، حيث يظهر بطل الفيلم كشخصية عنيدة تكتم بداخلها غضب شديد ورغبة في الانتقام واسترجاع ما سلب منه بعد وقوعه ضحية استغلال وخيانة ثقة من قبل أشخاص تسببوا في إفلاسه على غرار رئيسه في العمل وزوجته التي تخلت عنه وحرمته من ماله ولقاء ابنه الوحيد.

فـ"جمال" خرج من السجن عاقدا آماله على تلقي مبلغ من المال من رئيسه السابق في العمل مقابل دخول السجن بدلا منه، لكنه يتلقى الصدمة الأولى حينما يعود إلى منزله فيجد زوجته "مريم" قد هجرته واستولت على حساباته البنكية واختفت مع ابنهما "عادل" بلا أثر.

وتتطور أحداث الفيلم وتزداد تعقيدا عندما يتيه "جمال" في رحلة البحث عن الذات وفي طريقة مثلى لإعادة بناء حياته على أسس صحيحة دون أن يتخلى عن فكرة استرجاع أمواله وفي حل يساعده على تجاوز محنته، فيقرر العودة إلى مسقط رأسه بقريته الصغيرة، ويحاول استصلاح إحدى القطع الأرضية لكنه يصطدم بمطبات وصعوبات يكتشف لاحقا أنها مقصودة وهي نتاج خلاف قديم بين العائلات يدفعه إلى إعادة النظر في مشروعه.

وتحمل الممثل سمير الحكيم دور البطولة منذ البداية، وكان المحرك الأساسي لكل تفاصيل هذه القصة الاجتماعية التي تكشف في طريقها أدوارا ثانوية أخرى دخلت في صراع معه أو تضامنت معه، حيث وزعت الأدوار على مجموعة من الوجه الفنية الجزائرية منهم رشيد بن علال ومحمد موفق وشوقي عماري هيفاء رحيم وغيرهم.

ويصور أنيس جعاد بكاميرا ثابتة البطل وهو في حالة تيه سرمدي وتفكير مستمر في مآل حياته قبالة هذه المستجدات التي تعقد من تقدمه في حياته. ويسجل ذلك في مشاهد داخلية وخارجية ريتم الحياة اليومية في المدينة وفي القرية ويلتقط ملامح التعاسة والتعب في وجه "جمال" ويغوص في صمته الغاضب.

واختار جعاد كذلك التقشف في الحوار دون المساس بجمالية العمل وركز على تسلسل منطقي وواضح لأحداث القصة وفق رؤية إخراجية تعتمد على الانتقال من شخص إلى آخر ضمن حيز زماني ومكاني، وبشكل يولد تسلسلا لأحداث القصة وفق خط كرونولوجي واضح.

ووسط هذا النسج الدرامي، عالج المخرج مسألة العلاقات العائلية والميراث الذي يسبب العداوات بين الأسر، وأظهر جانبا من مشكل الفساد الإداري الذي أساسه الرشوة والابتزاز، إذ قدم الفنان محمد تكيرات دور "قادة" الذي تلقى رشوة من جمال عند استلام ملف الترخيص، ولكنه لم ينجز شيئا لأن التوقيع بيد المدير غريم البطل.

ويلعب "قادة" دورا مهما في كشف حقيقة المسؤول ابن عم جمال، ويكون له الفضل لاحقا في معرفة مصير زوجته السابقة التي تقرر العودة إلى جمال، لتنهي دوامة الانتقام، فيعود الأمل من جديد إلى قلب الرجل الذي يستقر أخيرا رفقتها هي وابنه في أرضه.

ورغم أن العمل صور جانبا من واقع يعيشه البعض، إلا أن المخرج أراد أن يبعث برسالة أمل مفادها أن النهايات غالبا ما تكون سعيدة، مع التأكيد على أن الانتقام لا يؤدي إلى نتائج محمودة. ونقل هذه الرسالة بتصوير متقن قارب الجانب السياحي لمستغانم من بحرها وسهولها وغاباتها، والأجمل هو مرافقة هذه الجمالية الفنية بمقاطع غنائية لعميد الأغنية البدوية "الجيلالي عين تادلس"، ومقاطع من أشهر أغنية عن المدينة وهي "صلامان وبرد الحال".

ويختار الفيلم التقشف في الحوار، والاهتمام بتفاصيل الشخصية وتعابيرها، من غير إسهاب في الكلام والشرح، تاركا للمشاهد محاولة التنبؤ بردود أفعال شخصياته، مع إتاحة أدوات له بين الحين والآخر، لتساعده على إدراك نفسياتهم ودوافعهم.

واحتضنت سينماتيك الجزائر، السبت، بالجزائر العاصمة، العرض الشرفي الأول للفيلم، وذلك في إطار العروض الخاصة بإنتاجات وزارة الثقافة والفنون عن طريق المركز الجزائري لتطوير السينما.

وسبق لهذا الفيلم أن شارك في مهرجانات وطنية وعربية على غرار مهرجان وهران للفيلم العربي حيث تم خلال الدورة الـ12 للمهرجان تتويجه بجائزة لجنة التحكيم للنقد وتحصل الممثل سمير الحكيم على جائزة أفضل دور رجالي، كما شارك "أرض الانتقام" في الدورة الخامسة والأربعين لمهرجان القاهرة السينمائي الدولي.

وكان المخرج أنيس جعاد قال قبل عرض عمله في القاهرة السينمائي إن الفيلم "تجربة أخرى عن الانتقام، ليس الانتقام العنيف… نوع آخر من الانتقام".

وذكر باللغة الفرنسية في حلقة نقاشية عقب الفيلم أنه يكتب استنادا إلى الموسيقى التي يستمع إليها وأنها "المحرك" الرئيسي لتفكيره في القصة والأحداث في أفلامه.

وأنيس جعاد مؤلف ومخرج جزائري ولد في 29 أبريل/نيسان 1974 في الجزائر العاصمة، يملك في رصيده مجموعة من الأفلام القصيرة، وفي عام 2006 تم اختيار أول سيناريو فيلم روائي طويل له في نهاية النفق ومنحه من قبل برنامج الأفلام الإعلامية الأوروبية.

اضف تعليق

شارك

تعليقات الزوار

لا تعليقات