أخبار عاجلة

خيارات مصر والعرب في مواجهة جبروت ترامب

الكثيرون ينتظرون الأجل الذي حدده دونالد ترامب لحماس من أجل الإفراج عن كل الأسرى والمحتجزين الإسرائيليين، ليس لأنهم يريدون أن يعرفوا أي نوع من الجحيم يجهزه لمنطقة الشرق الأوسط، ولكنهم يريدون فقط أن يعرفوا حدود الهزل والجد في تصريحاته، وهل هناك بالفعل خطة جهزها لتهجير الفلسطينيين عن غزة، أم أن الرجل يفاوض حماس والعالم العربي من بعيد، على قضايا أخرى، ويستعمل ورقة التهجير، حتى يوافقوا على مطالبه.
وعلى كل حال، فقد ظهر لجملة المروعين المهزومين، من مؤشرات سلوك الإسرائيليين ومواقفهم خلال الأربعة الأيام الأخيرة، أن الحديث عن العودة للحرب، وتدمير حماس، وإيقاف الصفقة، هي مجرد فقاعات هواء، وأن الكابنيت الإسرائيلي، أصر على ضرورة استمرار الصفقة، وأن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ألزم وزراءه بالصمت عن ثرثراتهم الفارغة، خوفا من إفساد التوافقات التي جرت بينه وبين الرئيس الأمريكي بالبيت الأبيض.
كبريات الصحف العربية، والإسرائيلية، خرجت بعيد اكتمال لقاء رئيس الوزراء الإسرائيلي بالرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بالقول بأنه اكتسب الدعم الأمريكي الذي كان يطلبه، وأنه سيقلب الطاولة على حماس، وينهي الاتفاق، وأن العرب أمام تحد خطير، ومخطط جهنمي يستهدف أمنهم القومي، وأنه من اليوم ينبغي أن نبدأ التفكير في الخطوة التالية بعد غزة، وهل هي الأردن أم مصر؟
والمفارقة أن بعض الكتاب المحترمين، بدأوا يلتمسون من حماس خفض تصعيدها السياسي، وأن ذلك منها يزيد في توريط مصر والأردن، وأن المعادلة العربية لا تتحمل مزيدا من «التطرف» الذي يمكن أن يدخل المنطقة للجحيم!
لنترك هذه اللغة، ولنقرأ مؤشرات الأربعة الأيام الماضية، فحماس، التي اتخذت موقفها الاثنين الماضي بتأجيل الإفراج عن الأسرى حتى يتم إلزام إسرائيل بإدخال ما ينص عليه الاتفاق من عودة النازحين، ودخول المواد الغذائية، والخيام، والمنازل الجاهزة والمحروقات ومواد البناء، كانت تعي أن بيدها خمسة أيام كاملة، لقراءة الموقف، واختبار الموقف الأمريكي والإسرائيلي، فأرادت بذلك أن تضع الجميع أمام مسؤولياتهم، وبشكل خاص الوسطاء، الذين هم أعرف بغيرهم بالجهة التي تحترم الاتفاق والتي تنتهكه.
الرئيس الأمريكي، أنتج خلال أقل من شهر من تنصيبه، لغتين متناقضتين للتعاطي مع الحرب على غزة، الأولى عملية، تدفعه في اتجاه تنفيذ الاتفاق بجولاته الثلاث، بما يفضي إلى إنهاء الحرب بشكل كامل. والثانية، سريالية، يهدد فيها حماس، والعالم العربي بجحيم في الشرق الأوسط، ويطلب في مقابل وقف ذلك أن تقوم حماس بالإفراج عن كل الأسرى، ومن غير تقطير.
لا يهمنا كثيرا قياس لغته العملية إلى لغته السريالية، ولا السريالية إلى العملية، فالتقدير الذي اخترناه منذ أن اجترحنا التحليل في هذا الموضوع، أنه يريد أن يغطي عن أزمة، رافقت الإدارة الأمريكية السابقة والحالية، منذ أن بدأ الحديث عن التفاوض لإنهاء الحرب والإفراج عن الأسرى، فإسرائيل، ليس لديها تصور لليوم التالي، وقد لجأت في عز جولة التفاوض الأول إلى التهديد بفتح جبهة رفح، للضغط على الجانب المصري للقيام بمسؤوليته في إعداد تصور لما بعد الحرب، تغيب فيه حماس عن المشهد السياسي والعسكري بقطاع غزة، فلم تنجح في ذلك، مع أنها سيطرت على رفح ومحور فيلادلفيا وأنتجت ذرائع كاذبة تم فضحها من بعد إسرائيليا، فقط من أجل أن تنجح في عملية الضغط هذه.
اليوم، وبعد أن اضطرت إسرائيل لإبرام الصفقة مع حماس من ثلاث جولات، أثبتت أنه لم تعد لديها قدرة للاستمرار في الحرب، سياسيا وعسكريا واقتصاديا أيضا، فصارت عارية تماما، وزاد من عرائها المشاهد الاستعراضية لكتائب عز الدين القسام، وهي تقدم رسائل سياسية مختلفة كل سبت، وتجرع إسرائيل الهزيمة بكأس مرة، لم يستطع المسؤولون الإسرائيليون أنفسهم إنكارها.

ضمن هذا السياق، لم يجد دونالد ترامب بدا من ممارسة التفاوض بدلا عن إسرائيل، وذلك حتى يضغط على حماس بالالتزام باستكمال جولات الاتفاق، حتى ولو لم تلتزم إسرائيل به، ويضغط على كل من مصر والأردن، بورقة التهجير، حتى يلجئهما إلى إعداد خطة واضحة لما بعد غزة، لا تكون فيها حماس حاضرة في المشهد.
الأربعة أيام الماضية، شهدنا فيها مؤشرين، الأول، هو رفض مصري وأردني قوي لحل التهجير، بل ورفض عربي أيضا. ظهر ذلك من خلال زيارة العاهل الأردني للبيت الأبيض، وتصريحه برفض بلاده لحل التهجير وانتظاره للمقترح المصري. والثاني، هو تصريحات إسرائيلية، تتدرج كل يوم، في اتجاه الاستجابة لتحذير حماس، بدءا من مغادرة لغة إلغاء الصفقة، ومرورا بالتأكيد على التمسك بالاستمرار بإتمامها، وانتهاء في اليومين الأخيرين بالحديث عن إطلاق ثلاثة أسرى، وليس كل الأسرى كما جاء في تهديد ترامب، ثم تسريب معطيات من مسؤولين إسرائيليين أمنيين وسياسيين، بالتوصل لتفاهمات مع الوسطاء، من أجل أن تقوم منظمات دولية، بإدخال ما كان موضوع تحذير حماس.
نقطة الوصل التي ستصل بين المؤشر الأول والثاني، بدون شك هي عودة المبعوث الأمريكي ستيف ويتكوف إلى المنطقة، بما تعنيه من إطلاق دينامية التفاوض على المرحلة الثانية، والتي تريد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أن تتزامن مع تقديم القاهرة لمشروعها، إذ ليس على الطاولة اليوم أي مشروع، بالمطلق، بما في ذلك مشروع التهجير الذي يعتبر فزاعة أمريكية للعرب، وأن الأوراق التي يستعملها دونالد ترامب للضغط على مصر والأردن، هي من نوع آخر(استقرار أنظمة كل من مصر والأردن) وذلك بعد تأكده بفراغ المروحة الإسرائيلية والأمريكية من أي تصور لما بعد الحرب في غزة.
قراءة مؤشرات الأيام الأربعة الماضية، يفيد بأن عملية الإفراج عن الأسرى غدا السبت ستكون سلسة، وأن إسرائيل ستستجيب بنوع ما لتحذير حماس، وسيتم تسوية المشكل، حتى يتم تأمين استمرار الصفقة، وسنرى دخول كم مقدر من مطالب حماس التي بررت قرارها بتأجيل الإفراج عن الأسرى، لكن ستبقى المعضلة المستمرة، أي مشروع يتم تقديمه للرئيس الأمريكي حتى يطمئن على أمن إسرائيلي يقدم تصورا للجهة التي ستدير قطاع غزة سياسيا وإداريا، وتتكفل بإعادة الإعمار، وهل الأمر سيعهد لشخصيات فلسطينية تكنوقراطية محايدة، أم سيتم ما كانت الولايات المتحدة الأمريكية تصر عليه من قبل من دخول قوات عربية إلى قطاع غزة لإدارتها؟
الخيارات البراغماتية المتاحة أمام مصر والعالم العربي بهذا الصدد ليست كثيرة، فهذه الدول كانت دائما ترفض دخول قواتها إلى غزة، لأن هذه اللعبة خطرة، وربما هي أخطر من التهجير نفسه، لأنها ستعرض الأمن القومي المصري لتهديدين جديين، الأول، عسكري وأمني، والثاني استراتيجي (التهجير).
خيار إدارة محلية بشخصيات وطنية، وربما حتى من حماس ولكن بوجوه غير معروفة، خيار مطروح، لكنه، لا يستهوي كثيرا الاحتلال الإسرائيلي، لأنه يدرك أن مثل هذه الإدارة ستكون مجرد واجهة، لحماس صاحبة القوة، فهي تريد قوات تقوم بما عجزت عن الجيش الإسرائيلي، أي تقوم بالقضاء على حماس، ولذلك، يرجح أن حماس لن تتشدد مع هذا المقترح إن كانت الشخصيات المقترحة محل قبولها.
تقديري أنا أكبر ورقة تمتلكها مصر اليوم هي وحدة الموقف العربي والإسلامي والدولي، ضد «حل» التهجير، والموقف الدولي المقتنع بحل الدولتين، ثم إدارة الوقت. فإسرائيل هي المتضررة الأكبر من مرور الوقت، لأنه ما من أسبوع يمر من الجولة الأولى من الصفقة إلا وبنيانها السياسي والاجتماعي يهتز، والعلاقات بين المؤسسات داخلها تزداد توترا، وسيكون من الضروري، أن يكون السعي لحشد الموقف العربي ضد التهجير، أسرع من السعي لتقديم مقترح لما بعد الحرب على غزة، وذلك، حتى يضيق الوقت أكثر، ويصير الطلب على أقل السيناريوهات ضررا.

بلال التليدي كاتب وباحث مغربي

اضف تعليق

شارك

تعليقات الزوار

لا تعليقات