لن يتمكن صالح قوجيل رئيس مجلس الأمة (الغرفة العليا للبرلمان الجزائري) من الاستمرار في منصبه، بعد انتهاء عهدته الحالية منتصف شهر كانون الأول/يناير المقبل، وذلك إثر فتوى أخيرة صادرة عن المحكمة الدستورية. وفي غضون ذلك، ينتظر أن يعلن الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون انتخابات تشريعية ومحلية مسبقة في الأشهر المقبلة، لتجديد المجالس المنتخبة.
بعد أسابيع من توجيه قوجيل (الذي يقارب الـ94 من العمر) إخطارا للمحكمة الدستورية، لطلب تفسير حكم دستوري يتعلق بوضعية أعضاء مجلس الأمة الذين يقضون عهدتين في مناصبهم، في ظل ما جاء به التعديل الدستوري الجديد لسنة 2020، والذي يحصر العهدة البرلمانية في فترتين فقط، جاء الردّ قاطعا بعدم إمكانية استمرار هؤلاء، وهو الوضع الذي ينطبق على قوجيل نفسه.
وذكرت المحكمة الدستورية في ردها المنشور في آخر عدد من الجريدة الرسمية، أن ذلك يتعارض مع أحكام الدستور، لا سيما المادة 122 (الفقرة الأخيرة) التي تنص بوضوح على عدم إمكانية ممارسة أي شخص لأكثر من عهدتين برلمانيتين، سواء متصلتين أو منفصلتين. وبررت المحكمة ذلك، بأن روح النص الدستوري تتجسد في منع أي شكل من أشكال الاحتكار أو التمديد غير المشروع للمناصب السياسية.
وبعد قبول الإخطار من حيث الشكل، أكدت المحكمة في الموضوع أن نص المادة 122 (الفقرة الأخيرة) واضح ولا يحتمل التأويل، حيث ينص على أن عدد العهدات البرلمانية محصور في عهدتين فقط. وأبرزت أن “هذا الحكم يسري بأثر رجعي على الأعضاء الحاليين والسابقين الذين تجاوزت عهداتهم الحد المسموح به، وذلك استنادًا إلى نية المؤسس الدستوري وسياق إعداد دستور 2020، الذي أتى استجابة للحراك الشعبي الأصيل في 22 فبراير 2019، الذي طالب بتجديد الطبقة السياسية وأخلقة الحياة العامة”.
وشددت المحكمة على أن الالتزام بهذا النص الدستوري “يعزز مبدأ التداول السلمي على السلطة ويمثل تجسيدًا للديمقراطية التمثيلية”، مؤكدة أن أي استثناء أو تمديد يتعارض مع الدستور وروحه. وبلّغت المحكمة قرارها رئيس الجمهورية، ورئيس مجلس الأمة، ورئيس المجلس الشعبي الوطني، والوزير الأول، مع الأمر بنشر القرار في الجريدة الرسمية للجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية، ليصبح ملزمًا ونافذًا.
وتثار حاليا عدة تأويلات لهذا القرار، فمن جهة عين قوجيل عضوا في مجلس الأمة في كانون الثاني/يناير 2013 وجدد له في 2019 لمدة 6 سنوات أخرى، ما يعني عمليا أن عهدته يتصل إلى نهايتها في كانون الثاني/يناير 2025 المقبل. لكن هناك من يرى أن قوجيل انتخب رئيسا لمجلس الأمة في آذار/مارس 2022، ما يعني أن عهدته كرئيس تنتهي في نفس الشهر من سنة 2025.
وبعيدا عن هذه التفاصيل، فإن نهاية عهد قوجيل على رأس مجلس الأمة أصبحت قريبة جدا، ما يوجب التعامل معها بسرعة، خاصة أن المنصب الذي يحتله على غاية من الأهمية، فهو بروتوكوليا الرجل الثاني في الدولة، وهو المخول برئاسة الدولة في حال شغور منصب رئيس الجمهورية. ويعد قوجيل المولود في 13 يناير 1931، أحد أبرز قادة جيش التحرير الوطني الذين ما زالوا على قيد الحياة، وهو رغم سنة ظل يتمتع بحيوية وقدرة على الخطابة وإبداء المواقف في السنوات الأخيرة.
ويتزامن ذلك، مع إعلان الرئيس عبد المجيد تبون في تصريحاته الأخيرة، عن انتخابات محلية مسبقة في غضون أشهر، من أجل تجديد المجالس المنتخبة. ويعني إجراء انتخابات محلية بالضرورة تنظيم انتخابات تشريعية أيضا، ما يجعل السنة المقبلة انتخابية بامتياز. وجاء حديث تبون في معرض إعلانه عن “إرساء نظام جديد لتسيير الجماعات المحلية بداية من سنة 2025، مما يسمح بتجسيد الديمقراطية الحقيقية وتوسيع صلاحيات المنتخبين”.
ويعرض حاليا قانون جديد للبلدية والولاية على البرلمان، بمقاربة جديدة تقوم على منح صلاحيات أكبر للمنتخبين المحليين الذين كانوا يشكون دائما من تغول السلطة المعينة عليهم. ووفق تبون، فإن هذا القانون سيتضمن تعديلا شاملا سواء من حيث الصلاحيات أو الإمكانيات المرصودة حيث أن “تسيير بعض الهياكل والمرافق سيعود إلى الدولة بدل البلديات حتى لا ترهق ماليا”. ومن بين ما سيتضمنه مشروع الصيغة الجديدة للقانون، “اقتراح صفة الآمر بالصرف لرئيس المجلس الشعبي الولائي حتى يصبح المنتخب المحلي مسؤولا بكامل الصلاحيات”.
والمعروف أن مجلس الأمة، يتشكل من ثلثي أعضاء منتخبين وثلث آخر معين من قبل رئيس الجمهورية، ويجري تجديده كل 3 سنوات في إطار “التجديد النصفي”. والمخولون بانتخاب أعضاء مجلس الأمة، هم كبار الناخبين الذين هم أعضاء المجالس البلدية والولائية، وليس المواطنين مثلما هو الحال في انتخابات المجلس الشعبي الوطني. لذلك، تسبق الانتخابات المحلية التي ينتخب فيها أعضاء المجالس الولائية والبلدية، دائما انتخابات مجلس الأمة.
وخلال مسار التعديل الدستوري لسنة 2020، ظهرت أصوات تطالب بإلغاء مجلس الأمة، كونه يمثل عبئا ماليا كبيرا على الدولة، دون أن يكون له دور تشريعي كبير، إذ يكتفي فقط بحق النظر في القوانين التي تطرحها الحكومة دون إمكانية تعديلها. وكانت الفكرة من إنشاء مجلس الأمة سنة 1996، تفادي صعود أغلبية متطرفة للسلطة التشريعية بعد تجربة انتخابات سنة 1991، وذلك من خلال اعتماد ثلث معطل للقوانين يكون تابعا لرئيس الجمهورية.
تعليقات الزوار
لا تعليقات