أخبار عاجلة

جدل بين سياسيين ونشطاء في الجزائر بعد نزع تمثال للقائد الأمازيغي أكسل

أثير جدل واسع في الجزائر، في أعقاب نصب تمثل للقائد الأمازيغي الشهير “أكسل” المعروف أيضا بـ”كسيلة”، في بلدية بوحمامة بخنشلة في قلب منطقة الأوراس، ثم نزعه بعد ساعات من ذلك، بضغط من الرافضين للتمثال الذي يعبر عن شخصية واجهت حسبهم الفتح الإسلامي للجزائر، ما أثار في المقابل حفيظة المدافعين عن الهوية الأمازيغية للبلاد.

وجاء نصب التمثال بمبادرة من جمعية ثقافية محلية طلبت الترخيص لذلك، وانتشرت بقوة صور التمثال الذي يجسد فارسا ممتطيا جواده في حالة استعداد للحرب، على مواقع التواصل، حيث نسب التمثال للقائد أكسل. لكن بحسب الترخيص الذي حصلت عليه الجمعية، لم تحدد هوية التمثال وورد فقط أنه لفارس فوق جواد. ومع اشتداد الجدل خاصة في ظل ما يمثله أكسل من جدل تاريخي، اتخذ قرار بإزالة التمثال ليزداد النقاش حدة بين الرافضين والمدافعين.

وفي بيان له، قال التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية، وهو من أبرز الأحزاب المدافعة عن الهوية الأمازيغية، إن الجزائر لا تزال تواجه محاولات مستمرة لطمس هويتها وتشويه تاريخها. وأوضح أن قرار نزع النصب التذكاري للملك الأمازيغي آكسل (كسيلة) في خنشلة يوم تدشينه، وبأمر مباشر من السلطات العمومية التي سبق لها أن وافقت على إنجازه، يُعدّ “فعلًا صادمًا يثير الحيرة والاستياء لدى المواطنين وكل المتابعين للشأن العام”.

وذكر الحزب ذو التوجه العلماني أن “الهوية الأمازيغية، التي تجمع بين اللغة والتاريخ والثقافة، معترف بها ومكرسة في الدستور الجزائري”، مضيفا أن النهوض بهذه الهوية والدفاع عنها يجب أن يكون من أهم التزامات الدولة، غير أن السلطة القائمة اختارت، حسبه “دعم نسخة محافظة من اللغة العربية وتبني رؤية متشددة ومتخلفة للإسلام كأداة لإدامة هيمنتها”.

وأشار البيان إلى أن ما وصفه بـ”الاعتداء على هوية الشعب الممتدة عبر آلاف السنين هو استمرار ممنهج للعراقيل التي توضع أمام تطوير اللغة الأمازيغية، وكتابتها، ونشر ثقافتها على كامل التراب الوطني، من تبسة شرقًا إلى تلمسان غربًا، ومن تمنراست جنوبًا إلى العاصمة شمالا”.

وأكد الحزب إدانته الشديدة لهذا التصرف، معبرًا عن قلقه البالغ إزاء “هذا الاعتداء السافر على التراث الوطني”. وذكر أن “هذه الممارسات تعكس سياسات مؤسساتية ممنهجة تستهدف ضرب الهوية الوطنية، مما يشكل خطرًا حقيقيًا على وحدة الأمة”. وتابع بأن “هذه التصرفات التي تهدف إلى تشويه التاريخ ورموزه ترتبط بمحاولات فرض روايات بديلة تتماشى مع أيديولوجية عروبية إسلاموية، تسعى لمحو التنوع الثقافي والتاريخي للجزائر”.

وأكد الحزب المعارض “رفضه القاطع السكوت عن مثل هذه الانتهاكات التي تمس رموز تاريخ الجزائر وتهدد كيان شعبه”، داعيا “السلطات العمومية إلى التراجع الفوري عن هذا القرار التعسفي، وحث المواطنين على التحلي بأقصى درجات اليقظة من أجل الحفاظ على هويتهم وموروثهم الحضاري”.

في مقابل ذلك، عبّر النائب عن حركة مجتمع السلم ذات التوجه الإسلامي، زهير فارس، عن ارتياحه لاقتلاع التمثال بعد أقل من يوم واحد على تنصيبه، مشيرا إلى أن ذلك “يعكس رفض أرض الإسلام والعروبة والجهاد له”.

وأبرز فارس في منشور له على فيسبوك، أن “نحت تمثال للملك الأمازيغي كسيلة، الذي قتل سيدنا عقبة بن نافع وجماعة كبيرة من رفاقه الفاتحين رضي الله عنهم، ونصبه في أرض الجزائر المسلمة المجاهدة، يمثل طعنًا كبيرًا وخيانة عظيمة للمبادئ النوفمبرية التي تأسست عليها الدولة الجزائرية”.

وأوضح أن “الدولة الجزائرية جعلت من بيان وليلة أول نوفمبر قاعدة صلبة لحاضرها ومستقبلها التنموي، وركيزة من ركائز مقوماتها التاريخية، مشيرًا إلى أن كلمة السر في تلك الليلة المباركة كانت “عقبة خالد”، فكيف يُنصب تمثال يُمجّد قاتل سيدنا عقبة وأصحابه الكرام؟!”.

ونقل فارس أبياتًا من المصلح الجزائري عبد الحميد بن باديس تقول: “شعب الجزائر مسلم، وإلى العروبة ينتسب من قال حاد عن أصله، أو قال مات فقد كذب”، موجها شكره وتقديره لرجال خنشلة ورجال الدولة الجزائرية الأبية على هذا الموقف.

وفي مقاربة ترفض استدعاء هذا الجدل التاريخي، قال الكاتب والسياسي عبد العزيز غرمول، إن هذه القصة التاريخية المتعلقة بأكسل وعقبة بن نافع “تعكس بؤس الوعي وإنكار الآخر الذي هو جزء منّا، وتشتت الذاكرة التي لم تتمكن بعد من جمعنا في إطار واحد”.

وأوضح غرمول أن الملك الأمازيغي أكسل (الذي صُغّر اسمه إلى “كسيلة”) كان عليه واجب الدفاع عن أرضه، بينما كان المحارب عقبة، الذي رُفع إلى مقام “الفاتح”، مكلفًا بدخول الجزائر لنشر الإسلام، سواء بالسيف أو بالسلم.

وذكر أن لهذه القصة روايتين مختلفتين. الأولى تشير إلى أن إسلام آكسل وقومه لم يكن نتيجة هزيمة، بل تكتيك حربي مكّنه من التعرف على عدوه وحشد القوة لمواجهته، مستدلين بخداع آكسل لعقبة وقتله لاحقًا. أما الرواية الثانية، فتقول إن عقبة أهان آكسل عندما أمره بمشاركة الخدم في ذبح وسلخ البهائم استعدادًا لوليمة النصر، ما أثار غضب آكسل ودفعه للانتقام منه.

وأكد غرمول أن المهم ليس التفاصيل، بل النتائج التي ما زالت تعكّر صفو وجودنا بعد أكثر من ألف وخمسمائة سنة، حيث أن “موت أكسل لم يمنع الإسلام من الانتشار في الجزائر، كما أن موت عقبة لم يمنع السكان الأصليين من الافتخار بتاريخهم وأصولهم التي ظلت راسخة فيهم رغم محاولات المحو والإنكار”.

وطرح الكاتب تساؤلات حول جدوى استمرار الصراع حول تاريخ قديم لم يعد ذا فائدة، مشيرًا إلى “ضرورة تركيز الجزائريين على المستقبل بدلًا من التشبث بأمجاد الماضي. وأوضح أن استمرار الانقسام يُبقي الجزائريين في جزر متفرقة، بينما المطلوب هو التوحد من أجل بناء الجزائر”.

وأنهى غرمول بالتأكيد على أهمية سدّ الباب الذي قد يتسلل منه الريح والغزاة والخلافات المؤذية. ودعا إلى التصالح مع التاريخ كخطوة أولى نحو التصالح مع الذات، مما سيقود بالضرورة إلى التصالح بين أبناء الوطن. وقال إن قدر الجزائريين هو التعايش معًا، ومصلحتهم تكمن في بناء مستقبل مشترك للجزائر.

ويعد أكسل، وفق الروايات التاريخية قائدا أمازيغيا بارزا في تاريخ شمال إفريقيا خلال القرن السابع الميلادي، حيث كان زعيمًا لقبيلة أوربة الأمازيغية، التي كانت من أهم القبائل في المنطقة آنذاك.

وتشير بعض المصادر إلى أن أكسل اعتنق الإسلام فعلاً على يد القائد المسلم أبي المهاجر دينار، لكنه لم يكن إسلامًا حقيقيًا، بل كان تكتيكًا حربيًا لكسب الوقت وفهم العدو بشكل أفضل. وفي رواية أخرى، يقال إن إسلامه كان عن قناعة بعد علاقته الجيدة بأبي المهاجر دينار، الذي تعامل معه باحترام وسعى لكسب ولائه من خلال الحوار.

لكن الوضع تغيّر بشكل جذري بعد عزل أبي المهاجر دينار وتولي عقبة بن نافع قيادة الفتوحات من جديد، إذ كان عقبة يتبع أسلوبًا أكثر صرامة وهو ما أدى إلى توتر العلاقات بينه وبين أكسل.

وفقًا لبعض الروايات، أهان عقبة أكسل حين أجبره على القيام بأعمال اعتبرها مهينة، مثل مشاركة الخدم في ذبح وسلخ البهائم، ما أثار غضب أكسل ودفعه إلى التمرد. نتيجة لذلك، تقول هذه الرواية إن أكسل عاد إلى قومه وجمع حلفاءه لمواجهة عقبة، ثم نصب كمينًا له في معركة تهودة، التي انتهت بقتل عقبة بن نافع وعدد من رفاقه، لينطلق منذ ذلك الزمن جدل تاريخي لم يتوقف حول أكسل.

اضف تعليق

شارك

تعليقات الزوار

احمد

العنصرية العروبية

شيء طبيعي لان شلة من العروبيين القومجيين العسكريين بقايا عبد الناصر هي من تحكم الجزائر هذا ما يفسرظهور حركات انفصالية مثل الماك و رشاد ووو... هذا النظام لا يهدأ له بال حتى يفكك الجزائر كلها