يدفع نقص السيولة في ليبيا السكان إلى اللجوء بشكل متزايد إلى البطاقات المصرفية، في بلد غني بموارده الطبيعية لكنه يعاني أزمة نقدية بعد أعوام من النزاع وعدم الاستقرار.
وبات سحب الأموال من أجهزة الصرف الآلي عملية تشوبها عقبات وتحديات في غالبية المدن الليبية، اذ يصطف المئات من الزبائن لساعات خارج فروع البنوك منتظرين دورهم للحصول على نقود غالباً ما تنفد سريعا بسبب نقص الإمدادات في النظام المصرفي.
كما أن عدم الثقة بالنظام المالي المتهالك أساساً يعني أن هذه الأموال نادراً ما يعاد ضخّها في المصارف، اذ يفضّل الليبيون الاحتفاظ بنقودهم في متناول اليد.
وإلى جانب نقص السيولة، غالباً ما يتلقى موظفو القطاع الحكومي الذين يشكلون حصة الأسد من السكان العاملين في ليبيا (2.3 مليون من أصل 2.6 مليون)، رواتبهم متأخرة.
ويتم تحديد حد أقصى للسحب من نوافذ البنوك عند ألف دينار (206 دولارات)، وغالبا ما يكون ذلك مرة واحدة شهرياً.
وفي مصراتة، وهي مدينة ساحلية رئيسية ومركز تجاري بارز على بعد حوالي 200 كيلومتر شرق طرابلس، يبلغ عدد سكانها 400 ألف نسمة، يتزايد عدد الذين يسجلون للحصول على بطاقات مصرفية.
وقال عبد الله القطيط، الموظف في أحد مصارف مصراتة، ثالث كبرى مدن البلاد، إن ثقافة عدم استخدام النقود «لم تتجذر بعد، لكن الأجيال الشابة تتبناها بسهولة».
وتحدث المصرفي البالغ 30 عاماً عن «وعي متزايد» بين المواطنين «بأهمية الحلول الإلكترونية لتسهيل المعاملات اليومية، وخاصة في أوقات أزمة السيولة، حتى لو كانت البنية التحتية لا تزال غير كافية».
ولكن كما هو الحال غالباً في البلاد، فإن التحول نحو المعاملات الخالية من النقد لا يخلو من عقبات، أبرزها نقص أجهزة الصراف الآلي.
علاوة على ذلك، فإن العديد من التجار لا يقبلون مدفوعات البطاقات لأنهم غير مجهزين بمحطات دفع.
وقال الخبير الاقتصادي خالد الدلفق إنه في حين يدفع نقص السيولة الكثيرين للتحول إلى استخدام البطاقات، يجب أن يكون ذلك مصحوباً بالعمل «لجعل هذه الخدمات أكثر سهولة في الوصول إليها».
في ظل شُحّ وصعوبة الخيارات الأخرى، تحول الكثيرون بالفعل إلى البطاقات المصرفية، ومنهم محمد السوسي.
وقال الرجل الخمسيني الذي كان يتسوَّق لعائلته في متجر استهلاكي في مصراتة «أصبحت المعاملات أبسط مع البطاقة(…) لم أعد بحاجة إلى حمل كميات كبيرة من النقود معي بعد الآن».
وتسبّب الاضطراب السياسي في ليبيا بتأثيرات جانبية إضافية، مثل المطبوعات المتعددة للأوراق النقدية من فئة 50 ديناراً.
ووقعت مؤسسات ليبيا منذ عام 2014 بين المعسكرين المتنافسين على السلطة، ولم يكن مصرفها المركزي استثناءً. وحتى العام الماضي، بقي هذا البنك منقسماً إلى جزءين، مقر معترف به دولياً في العاصمة طرابلس وآخر في بنغازي في الشرق حيث توجد حكومة موازية، مع توقيع محافظي كل منهما على طباعة النقود الورقية.
في 2012، تم طرح عملة جديدة بقيمة 50 ديناراً، وهي أكبر فئة متاحة، للتداول لتسهيل الحياة على المستهلكين الذين غالباً ما يقومون بدفعات نقدية بالآلاف بسبب انخفاض قيمة العملة.
ولكن في نيسان/أبريل، أعلن البنك المركزي سحب أوراق الـ50 ديناراً بسبب انتشار كميات «مزيفة» منها، إلى جانب تلك التي أصدرها المصرف وطبعها في بريطانيا، وأخرى مطبوعة في روسيا صادرة عن سلطات شرق ليبيا الموازية.
وقال المدرّس مصعب الهدار (45 عاما) أثناء زيارته فرعاً لمصرفه لطلب بطاقة الكترونية «أصبح الوضع أكثر تعقيدا مع رفض الشركات الأوراق النقدية من فئة 50 ديناراً».
وكان البنك المركزي قد حدد في البداية موعداً نهائياً لسحب الأوراق النقدية (فئة 50 ديناراً) من التداول مع نهاية أغسطس/آب، قبل أن يمدد المهلة إلى نهاية العام.
وفي محاولة لمعالجة أزمة السيولة، ضخ البنك 15 مليار دينار في النظام المصرفي أواخر أكتوبر/تشرين الأول، بينما حثَّ البنوك على «تسهيل إصدار البطاقات» للعملاء، ومطالبته بخفض العمولات لتشجيع الليبيين بشكل أكبر على «الدفع الإلكتروني».
تعليقات الزوار
لا تعليقات