اعترف إيمانويل ماكرون أن فرنسا تتحمل دم العربي بن مهيدي، وهو أحد قادة حرب التحرير، فقد أقر ماكرون أن بن مهيدي قتله عسكريون فرنسيون عام 1957، بعدما سادت فرضية مفادها أن الرجل انتحر في زنزانته. فهل هذا الاعتراف من شأنه تقريب وجهات النظر بين البلدين إزاء ملف الذاكرة؟
عقب الاستقلال في 1962، تحولت فرنسا إلى الشريك الأول في اقتصاد الجزائر. تزودها بأدوية وغذاء، بسيارات وعطور وأشياء أخرى، بينما الجزائر تزودها بالمحروقات ومشتقاتها. ساد في سنوات الستينيات هدوء نسبي بين الطرفين، فالحرب كانت قد انتهت، وأفضت إلى اتفاقيات تحفظ حقوق كل واحد منهما. ثم جاءت زيارة فاليري جيسكار ديستان في 1975، فأكدت أن الأمور تمشي إلى الأمام، وقد طويت صفحة الآلام بين المُستعمَر والمُستعمِر القديم، أو هكذا ظن البعض. ثم توالت زيارات رؤساء بين البلدين، آخرها زيارة إيمانويل ماكرون في 2022. ومنذ ذلك الحين، يبدو أن شيئاً قد انكسر بين الجانبين، وعادت إلى السطح «قضية الذاكرة»، التي اشتد حضورها في السنين الأخيرة، بين من يدعو فرنسا إلى الاعتذار عن ماضيها الكولونيالي في البلاد، ومن يرفع السقف في مطالبتها بتعويضات. وهذا الأمر الذي لم يكن مطروحاً في السنين الأولى من الاستقلال، بات الآن يتصدر الواجهة. فمثلاً الرئيس الأسبق هواري بومدين، الذي عرفت عنه مواقف حادة تجاه الفرنسيين، لم يجرؤ على أن يطالب باعتذار أو تعويضات، مقتنعاً أن مبتغى الشعب كان الاستقلال، وقد نال مبتغاه، محافظاً على صلة معتدلة مع باريس، وهو صاحب المقولة الشهيرة: «أفضل أكل التراب على أن تطأ قدمي فرنسا»، وكذلك الحال مع الرئيسين اللذين جاءا من بعده، فالشاذلي بن جديد، على سبيل المثال، أدى زيارة رسمية إلى باريس، واستمر الحال في هدوء عند وصول بوتفليقة، لكن لم تمض خمس سنوات عن توليه الحكم، حتى اندلعت «قضية الذاكرة»، وصارت العلاقة بين العاصمتين تشوبها خلافات، من حين لآخر، وسوء فهم فيما يتعلق بالتاريخ الفرنسي في الجزائر. يبدو أن الأمور لا توحي بانفراج، رغم إقرار الفرنسيين بمقتل العربي بن مهيدي، فإلى أين سوف تصل هذه العلاقة المضطربة بين الجزائر وفرنسا في شأن الذاكرة وميراث حرب التحرير؟
ماضٍ لا يريد أن يمضي
فرنسا لم تخسر مكانتها كشريك أول في الاقتصاد، والحديث عن مراجعة الذاكرة كذلك لم يتراجع، ومشروع كتاب تاريخ مشترك بين الجزائر وفرنسا تعذر الوصول إليه، بحكم أن كل طرف له رواية مختلفة عما حصل بين عامي 1954 و1962. بينما في الجزائر نسميها «حرب تحرير» أو «ثورة»، ففي الجانب الفرنسي شاعت تسمية أخرى، وهي: أحداث الجزائر. عدم الاتفاق في تسمية الأشياء بمسمياتها يضاعف من سوء الفهم، وبين البلدين كذلك تضاعفت الإصدارت في شأن ما حصل بين 1954 و1962، بينما الجزائر تركز في أطروحتها على الجانب العنيف من الاستعمار، فإن فرنسا تتعاطى معه في سياقه السياسي آنذاك. وكلما عادت المطالبة من أجل اعتذار المُستعمِر عن ماضيه، يأتي الرد الفرنسي، أن «اتفاقيات إيفيان» التي أفضت إلى الاستقلال، لم تتضمن في بنودها لا اعتذاراً ولا تعويضاً. فكيف بدأت الشرارة في قضية الذاكرة بين البلدين؟
الأمر يعود إلى مطلع الألفية الجديدة، بينما البلاد تخرج من عشرية سوداء، شهدت الموت والتطرف، وزهق الأرواح باسم الدين. انتهت العشرية السوداء لكن تبعاتها لم تنته. من المحتمل أن السلطة السياسية لها دوافعها في مسألة الذاكرة مع فرنسا، لكن بين الأفراد العاديين، وفي أعماق المجتمع فإن العلاقة مع فرنسا صارت تحكمها خطابات مستوحاة من أدبيات أحزاب دينية. لاسيما من حزب الجبهة الإسلامية للإنقاذ. هذا الحزب وفي سباقه نحو الحكم، مطلع التسعينيات، قرر أن فرنسا تدعم السلطة في البلاد، ولا بد من إزاحتها كي يتسنى له بلوغ الكرسي. زعماء الحزب كانوا يعلمون أن ليس هناك قانون يلزم الفرنسيين بالاعتذار عن ماضيهم في الجزائر، مع ذلك غامروا بشيطنة فرنسا، وشيطنة الغرب ككل، كذلك دأبت الأحزاب المتطرفة، تظن الغرب عدواً لها، ويغمضون أعينهم عن أن الإسلام هو الديانة الثانية في فرنسا، وأن المساجد مفتوحة لمن شاء الصلاة فيها. هذه المغامرة في شيطنة فرنسا، كانت تتغطى بموضوع المطالبة بالاعتذار، وبحكم أن المنتسبين إلى الأحزاب الدينية نجدهم في المدارس مثلما نجدهم في الأسواق، شاعت فكرة المطالبة بمراجعة الماضي، والغاية منها ليس اعتذار فرنسا، بل شيطنة الغرب من ورائها.
10 كيلومترات من الوثائق والأسطوانات
عندما غادرت فرنسا الجزائر، نقلت معها كذلك الأرشيف، ما يقدر بعشر كيلومترات من الوثائق والأسطوانات حسب جريدة «لوموند». في وقت لاحق، جرت إعادة جزء من هذا الأرشيف إلى الجزائر، وهناك أجزء أخرى منه لا تزال في خانة «السري»، ولا يزال من المتعذر الوصول إليها. هناك من يقول إن هذا الأرشيف من شأنه الإضرار بأشخاص على قيد الحياة، في حال الإفراج عنه، على الرغم من مرور ما يزيد على ستين عاماً من الاستقلال. وبينما تجري مطالبات باعتذار فرنسا عن ماضيها، لم نسمع أحد يطالب بفتح الأرشيف ومعرفة الحقائق الغائبة. وهناك رأي آخر يقول إن تيار الذاكرة، في الجزائر، شرع في النشاط، ليست تأثراً بخطاب أحزاب دينية، وإنما بدأ الأمر عقب ارتفاع أسعار البترول، مطلع الألفية الجديدة، ما جعل البعض يعتقد أن الجزائر سيصير بوسعها التخلص من علاقتها التجارية مع فرنسا، وبالتالي تفك الارتباط بها. انطلقت طلبات الاعتذار، لكن أسعار البترول سرعان ما هوت. ومن جانبهم، فإن الفرنسيين لم يغلقوا الباب كاملاً أمام الإصغاء إلى من يطالبها بالاعتذار، لكن لها شروطها أيضاً في هذا الموضوع، حيث يطالبون الجزائر بإعادة النظر في نقاط وردت في «اتفاقيات إيفيان» ولم يتم الالتزام بها، من بينها فتح تحقيق في مصرع الأقدام السوداء في ربيع 1962 (وهم أوروبيون ولدوا في الجزائر). وهو أمر لا يبدو أن الجزائر مستعدة للنظر فيه، على الأقل في الوقت الراهن. هكذا تظل الأسطوانة تتكرر، بين شيطنة الماضي، ومطالبة فرنسا بالاعتذار، وفي الأثناء نشاهد الأجيال الجديدة من الشباب الجزائريين وهم يغامرون في البحر صوب إسبانيا، ثم فرنسا، يرغبون في العيش فيها، غير معنيين بما يدور من حرب ذاكرة.
سعيد خطيبي
تعليقات الزوار
Le mauvais divorce
la plupart des anciennes colonies Britanniques, espagnoles et françaises , vivent leur indépendance et se se développement avec le maintien d’un niveau de collaboration qui assure l’autonomie. L’Algérie est le seul pays qui vit l’indépendance comme un douloureux divorce, avec les fils de la maman France tiraillée pour un ☝️ oui ou un non sans observer la souveraineté, les caporaux et le président illégitime doivent comprendre que malgré le divorce déchirant , l’avenir serait meilleur avec les nouvelles générations qui mettraient fin au polizario, aux mauvaises relations avec les voisins et entretenir des relations saines les pays pourvoyeurs de moyens pour le développement.