حملت نقابة الصحافيين التونسيين السلطات المسؤولية عن سلامة الصحافيين المحتجزين شذى الحاج مبارك ومحمد بوغلاب، في وقت حذرت فيه جمعية حقوقية من استخدام تهمة “المس من الأخلاق” كذريعة لانتهاك حقوق الإنسان في البلاد، كما استنكرت أيضا ما سمته حملات “التشويه” و”التشهير” ضد النساء، وخاصة صانعات المحتوى.
وقالت، في بيان مساء الخميس: “تتابع النقابة باهتمام دخول الصحفية شذى الحاج مبارك في إضراب عن الطعام منذ يوم الأحد 3 تشرين الثاني/نوفمبر الجاري في سجنها بمدينة المسعدين (تابعة لولاية سوسة). وتأتي هذه الخطوة احتجاجا على استهتار المصالح السجنية بتعقد وضعها الصحي. وقد تعذر على فريق الدفاع عن الزميلة التواصل معها وأخذ أذون الزيارات إثر قرار استجلاب الملف بداية شهر نوفمبر الجاري من محكمة سوسة إلى محكمة تونس، دون تعيين دائرة وتاريخ للنظر فيه”.
وأضاف البيان: “وفي السياق نفسه، تعقدت الوضعية الصحية للصحافي محمد بو غلاب الذي يعاني من التهاب حاد في الجلد نتيجة تأثيرات إقامته في السجن، إضافة إلى ظروف تلقيه العلاج غير المنصفة والتي لا تراعي احتياجاته الضرورية. وعليه، تحمل النقابة الوطنية للصحافيين التونسيين وزارة العدل والإدارة العامة للسجون مسؤولية أي مضاعفات يمكن أن تطالهما، وتحذر من أن تكون هذه الممارسات في إطار سياسة تنكيلية ممنهجة تصب في خانة العقوبات التكميلية”. كما حثت النقابة الهيئات القضائية على “تعيين دائرة للنظر في ملف الصحافية شذى الحاج مبارك حتى يتسنى للدفاع القيام بالزيارات الضرورية ومتابعة الملف”.
وعبرت عن مساندتها للصحافيين شذى الحاج مبارك المسجونة منذ تموز/يوليو 2023، ومحمد بو غلاب المسجون منذ آذار/مارس 2024، وطالبت بتوفير الرعاية الصحية الضرورية لهما في ظل التدهور الخطير لحالتهما الصحية.
كما طالبت النقابة بـ”الإطلاق الفوري لسراح كل من مراد الزغيدي وبرهان بسيس وسنية الدهماني ومحمد بوغلاب وشذى الحاج مبارك”، مشدداً على أن “الآراء والمواقف التي عبروا عنها في وسائل الإعلام وفي الفضاء الرقمي، تأتي في إطار ممارسة حقهم الدستوري في التعبير ولا تستوجب الإيقاف ولا المحاكمة”.
ومنذ إعلان الرئيس قيس سعيد عن “تدابيره الاستثنائية” عام 2021، تم اعتقال عشرات السياسيين والحقوقيين والإعلاميين في إطار قضية “التآمر” والمرسوم 54 المتعلق بالجرائم الإلكترونية، ما دفع المعارضة لاتهام سعيد بتصفية خصومه السياسيين وكتم الأصوات المعارضة لحكمه، وهو ما نفاه سعيد في مناسبات عدة، مؤكدا أنه لا يتدخل في عمل القضاء وملتزم بحماية حرية التعبير في البلاد.
من جانب آخر، استنكرت جمعية حقوقية تونسية محاكمة صُنّاع محتوى بتهمة “المس من الأخلاق الحميدة”، معتبرة أن ذلك يفتح الباب لانتهاك حقوق الإنسان في البلاد.
واعتبرت جمعية “تقاطع للحقوق والحريات” موجة الاعتقالات والملاحقات القضائية ضد صناع محتوى يتابعهم الآلاف على مواقع التواصل “ما أدى إلى تعرضهم لشتى أنواع الانتهاكات، أولها حملات التشهير والتحريض ضدهم، خاصة النساء وأفراد مجتمع الميم (المثليين) ومقاضاتهم طبقًا لنصوص قمعية، أبرزها الفصل 226 والفصل 226 مكرر”.
وأضافت، في بيان الخميس: “لا هدف من ذلك سوى مواصلة سلطة الحكم الحالية فرض هيمنتها والمضي في تضييق الخناق على جميع الفضاءات العاملة من خلال هذه الممارسات التي تعكس ملامح النظام الأبوي الذي يقيم الأخلاق حسب المعايير التي يضبطها أهواء من في السلطة، ويحاكم المواطنين والمواطنات على إثرها، مسلّطًا عقوبات سجنية مجحفة تتراوح بين سنة ونصف وأربع سنوات ونصف على أساس الفصول المذكورة آنفاً وغيرها، مثل الفصل 234 من المجلة الجزائية والفصل 86 من مجلة الاتصالات المتعلق بالإساءة للغير عبر الشبكات العمومية للاتصال، والتي بدورها لا تتناسب حتى مع الأفعال المرتكبة وتكرّس المقاربة السجنية التي تنتهجها الدولة التونسية في التعاطي مع جميع القضايا الحقوقية والمجتمعية”.
ونددت الجمعية بما اعتبرته “انتهاكات حقوق الإنسان المرتكبة من قبل السلطة وسعيها إلى القضاء على حرية الرأي والتعبير في الفضاء الرقمي. فضلاً عن حملات التشويه والتشهير التي تطال النساء المستهدفات وتضعهن في حالة خطر، في ظل صمت الدولة أمام موجات العنف ضدهن”.
كما عبرت عن “استنكارها الشديد لهذه الأحكام القمعية التي تهدف إلى ترهيب المواطنين وتنذر بعودة الرقابة المسبقة”، مطالبة بـ”حماية النساء وأفراد مجتمع الميم المستهدفين من هذه الحملة، وتحمل الدولة مسؤولية سلامتهم”.
كما طالبت بـ”إلغاء مثل هذه القوانين التي تحمل معايير فضفاضة من شأنها أن تحد من الحريات وتصبح أداة للقمع يستغلها من في السلطة، وإطلاق سراح جميع المساجين في قضايا تتعلق بحرية التعبير وإسقاط الملاحقات ضدهم”.
وكانت السلطات التونسية اعتقلت خمسة من صناع المحتوى على مواقع التواصل، قبل أن يصدر القضاء بحقهم أحكاماً بالسجن تتراوح بين عام ونصف وأربعة أعوام، بتهم تتعلق بـ”المس من الأخلاق الحميدة” و”التجاهر عمداً بالفحش”، وهو ما أثار جدلاً واسعاً في البلاد.
تعليقات الزوار
لا تعليقات