أخبار عاجلة

لا شيء في تونس يشي بأن الأمور ستسير سهلة كما أرادها قيس لخلافة نفسه

لا شيء في تونس يشي بأن الأمور ستسير سهلة كما أرادها قيس سعيّد الراغب بشراسة في خلافة نفسه في منصب رئيس الجمهورية يوم السادس من أكتوبر المقبل.
يتجلى ذلك في عدد من المؤشرات المرشّحة لمزيد التصعيد:
أولا: العودة إلى الشارع في مظاهرات ضد سعيّد واستفراده بالحكم وسعيه المحموم إلى انتخابات لا رائحة للتنافس فيها. مظاهرات بحضور جماهيري لا بأس به ومختلف عن الحضور المحدود في وقفات احتجاجية سابقة مع رفع شعارات واضحة الرفض لحكم سعيّد واستمراره، بل ورفع الصوت عاليا لرحيله والدعوة إلى إسقاط النظام. والمهم للغاية أن هذه المظاهرات التي لم تدع إليها أحزاب بعينها، وإنما عدد من الجمعيات، شهدت حضورا سياسيا متعددا دون إقصاء لأي تيار عكس ما راج في أوقات سابقة.
ثانيا: كثافة ما بات ينشر من مواقف موثّقة بالصوت والصورة لضرب مصداقية سعيّد عبر ترويج واسع لفيديوهات له (قبل الرئاسة) يقول فيها: «قضاء مستقل خير من ألف دستور» ومقارنة ذلك بما أقدم عليه رئيس من عزل تعسفي لقضاة ورفض إنصافهم حتى بعد أن نقضت قراراته قضائيا، وغضبه من أحكام المحكمة الإدارية التي أمرت بإرجاع ثلاثة مرشحين للسباق الرئاسي ولو مع تعديل لرزنامة الانتخابات، ولسعيّد (قبل الرئاسة) ضد تنقيح القانون الانتخابي خلال عام انتخابي ومقارنة ذلك بتحرك نواب برلمانيين موالين له لتنقيحه الآن على عجل قبل أسابيع قليلة من الانتخابات الرئاسية لسحب صلاحية البت في الانتخابات من هذه المحكمة الإدارية وتحويلها إلى محكمة الاستئناف..وغير هذا الكثير من التناقضات الصارخة.
مجرد هذا التداول الواسع مؤشر عميق الدلالة على مدى الضرر الكبير الذي لحق بمصداقية الرجل الذي بات يفعل عكس ما كان يقوله دون أدنى حرج. وإذا كان من عادة الرؤساء التخلي عن كثير من وعودهم لكن ليس في المواقف من قضايا مؤسساتية جوهرية بهذه الخطورة.

ثالثا: موجة استهزاء كبيرة من الحصيلة الصفرية للسنوات الخمس من حكمه، ليس فقط على مستوى الديمقراطية والحريات وإنما أيضا على الصعيد الاجتماعي والاقتصادي، فكم من مشروع صحي ضخم وعد به ولم ير النور على الإطلاق مثل المدينة الصحية المتكاملة في مدينة القيراون التي لم يوضع لها سوى بوابة حديدية على قطعة أرض قاحلة، أو إطلاق قطار سريع من شمال البلاد إلى جنوبها، مع ترويج إلى أن الصين مثلا مستعدة لتمويله حتى خرج السفير الصيني ينفي ذلك بكل حرج وحذر.
رابعا: اتساع سقف التجرؤ على الرئيس شخصيا عبر انتشار عدد من الأغاني الساخرة بكلمات قاسية للغاية من خلال «كليبات» معبّرة وبمشاهد تمثيلية لاذعة، وكذلك انتشار عدد من القصائد يلقيها شعراء في فيديوهات بوجوه مكشوفة وأسماء معروفة دون خوف، رغم ما يعرف من اعتقالات واسعة لكل من يتجرأ على ذلك في مواقع التواصل وفقا لمرسوم سيئ الصيت يعرف بالمرسوم 54 اعتقل بموجبه العشرات لمجرد كلمة أو كاريكاتور أو رسم «غرافيتي» على أحد الجدران.
خامسا: موجة من الانتقاد والتشهير لعودة الإذاعة والتلفزيون إلى اللغة الخشبية وسياسة التطبيل للحاكم وتشويه معارضيه على غرار السنوات الخوالي في عهدي الرئيسين الراحلين بورقيبة وبن علي بعد أن ظن التونسيون أن ثورة 2011 قد خلّصتهم إلى الأبد من هذا الخطاب المتخلف والمتكلّس، وأن هذا الإعلام صار عموميا بعد أن ظل لعقود حكوميا رسميا. لم يكتف هذا الإعلام بمنع أي برامج سياسية تعددية تستضيف شخصيات معارضة، والاكتفاء بوجوه محدودة من المتزلفين المهترئين، وإنما بات يتجاهل في نشرات أخباره لأي حراك ضد الرئيس، حتى ولو كان مظاهرة في قلب الشارع الرئيسي للعاصمة.
سادسا: الانتقاد الواسع للطريقة التي يدير بها المرشح قيس سعيّد حملته الانتخابية، ففي الوقت الذي يٌعرف فيه أعضاء حملة كل مرشح ورئيسها بالاسم فإن لا أحد يعلم من هو رئيس حملة سعيّد ومن معه. لم تقف الأمور عند هذا الحد بل إن سعيّد واصل استعمال الصفحة الرسمية لرئاسة الجمهورية وكأنها صفحة دعاية له وأصبحت كل تحركاته وكلماته، بصفته رئيسا للجمهورية، هي حملته الانتخابية التي يقودها بموارد الدولة وأجهزتها وبتغطية إعلامية مضمونة من الإعلام العمومي الذي عاد لبيت الطاعة في مخالفة لكل الأعراف وشروط التنافس النزيه بين المرشحين، دون أن تحرك هيئة الانتخابات ساكنا. كما أن الرئيس رفض أن تجرى له أية مناظرة تلفزيونية مباشرة مع المرشحيْن الآخريْن (أحدهما في السجن). وحتى في هذا السياق لم تغب السخرية اللاذعة من بعض أنصار الرئيس الذين رفع بعضهم صوره وهم على ظهر الحمير، في لقطة انتخابية مبتكرة ونادرة!!
أما سيكون قاسيا للغاية بعد كل ما سبق هو أن يسقط مشروع تعديل القانون الانتخابي الذي رفعه بعض النواب ليتضح وقتها أنه حتى من يُحسبون على الرئيس باتوا أعجز من أن يسايروه في كل ما يريد لأن السيل قد بلغ الزبى وأن التغيير بات حتميا.

محمد كريشان

اضف تعليق

شارك

تعليقات الزوار

لا تعليقات