أخبار عاجلة

متى تشفى الجزائر من أمراض المُستعمِر القديم؟

«النشيد الوطني يزلزل باريس» «الراية الوطنية تخفق عالياً في فرنسا» «النشيد الوطني يعزف في عاصمة الأنوار» هكذا جاءت تعليقات بعض الصحف، في الجزائر، إبان الألعاب الأولمبية الأخيرة، بشكل يفصح عن علاقة مضطربة مع المُستعمِر القديم. كلما ظننا أن صفحة الماضي قد طويت، وأننا مضينا إلى الأمام، تعود العجلة إلى الوراء. كنا نعتقد أن الماضي لم يعد أكثر من ذكرى، وأننا لن نكرر تلك الأدبيات، التي تشعرنا بأن الصراع بين الجزائر وفرنسا لا يزال قائماً. ليس صراعاً من أجل مصالح راهنة، بل هو صراع أحادي الجانب، مستورد من كتب التاريخ. كان اهتمام بعض الصحف بعزف النشيد أو رفع الراية الوطنية أكثر من اهتمامها بالرياضيين الذين كسبوا ميداليات. لم يعد الفوز بالذهب سوى حدث عابر، في نظر تلك الصحف، مقارنة بالحدث الأكبر ـ في نظرهم ـ وهو أن يعزف النشيد الوطني في بلاد المُستعمِر القديم. هل هذا يعني أننا لم نشف من كوابيس الكولونيالية، وأننا نتوارث هذه المتلازمة جيلاً بعد الآخر؟
إن الذين فازوا بالميداليات لم يعيشوا زمن الاستعمار، والغالب أنهم سمعوا أو قرأوا عنه في كتب مدرسية لا أكثر، كما إنهم تدربوا واستفادوا من فرنسا، مع ذلك وجدوا أنفسهم محتجزين في هذا القفص الماضوي. كأن الماضي هو الذي يقود خطواتنا صوب المستقبل، وليس الحاضر. ننظر إلى فرنسا من زاوية الماضي لا الراهن. هناك دول عزف نشيدها، خلال الألعاب الأولمبية، عشرات المرات، لكنها لم تتعامل مع الوضع بوصفه مفخرة أو اعتزازاً، بل الاعتزاز كله بالميداليات التي كسبوها. هل عندما يعزف النشيد الوطني الهندي في لندن، فإن المواطن الهندي يضاعف من هرمونات المشاعر القومية، ويظن في الأمر انتصاراً؟ كلا، لأن تلك الشعوب تجاوزت ماضيها، وخرجت من علاقتها غير السوية مع المُستعمِر البريطاني، وأعادت بناء حاضرها وفق مصالحها مع المستعمرين القدامى. ولا تستنجد بالماضي من أجل مناقشة قضاياها.
يبدو أن كل جهود فرانز فانون من أجل تحرير المخيلة الجزائرية دونيتها إزاء المستعمرين السابقين لم تجد نفعاً. عندما يعزف النشيد الجزائري في ألمانيا أو هولندا، يصير الأمر عادياً، لكن إذا عزف في فرنسا، تستفيق أشباح الماضي. لا نزال ندور في الحلقة ذاتها، كأن فانون لم يكتب شيئاً أو أننا لم نقرأ له، أو قرأنا ولم نفهم ماذا كتب. بدل أن نعامل الماضي كأرض للنقاش الثقافي، من أجل حفظ الذاكرة لا أكثر، تحول هذا الماضي إلى خبز نقتات منه كل يوم. تحول إلى مسألة جماهيرية، وصار المواطن يرجو أن يرى الراية الوطنية ترفرف في باريس، أو يسمع النشيد الوطني يعزف فيها، بغض النظر عن السبب. المهم أن يرى علم بلاده في عاصمة فرنسا، وذلك الأمر يشعره كمن كسب معركة. لكنه مكسب عشوائي، لأن الفرنسي من جهته لا يهتم برايته أو نشيده في الجزائر، بل يتفاوض مع الجزائريين ضمن مقتضيات الراهن، وليس بالاستعانة بالماضي، الذي أفضى إلى استقلال الجزائر، إلى استقلال الأرض، في انتظار استقلال المخيلة كذلك.

عالم متحضر وآخر متوحش

دام استعمار الجزائر 132 سنة، وانقسم المجتمع حينها، كما يخبرنا فرانز فانون، إلى جماعتين، المتحضرين (المعمرين) من جهة، وفي الجهة المقابلة من يطلق عليهم غير المتحضرين (الأهالي). وعندما بلغ البلد الاستقلال، وبدل أن نعيد تعريف علاقتنا مع المستعمِر، ونؤسس صلة جديدة معه، حصل ما كان يخشاه فرانز فانون، أي أن الناس صاروا يريدون التشبه بالمعمرين. بات الجزائري ينظر إلى صورته حسبما تمليه عليه المخيلة الفرنسية. ينظر إلى نفسه في مرآة الفرنسي. لم يفكر في خصوصية له، بل ودّ أن يستمد خصوصيته من تقبل الفرنسي له. نجد ذلك ممثلاً في معايير الجمال في الذهنية الجزائرية، حيث إن البشرة الفاتحة أو البيضاء معيار جمال مقارنة ببشرة سمراء أو ملونة. ينكر الجزائري عن نفسه هويته، ويتماثل مع المعايير التي تلقاها من المُستعمِر القديم. فالتنكر للذات ساد في السنوات الأولى التي تلت الاستقلال. لم يرض الجزائري بخصوصيته، إلا إذا رأى فيها تماثلاً مع خصوصية الآخر. يريد التشبه بالآخر لا الانفراد عنه. لذلك فإن اللغة الفرنسية لغة طاغية في البلاد، لأن الفرنسية شكل من أشكال التشبه بالآخر، هي وسيلة من أجل الاقتراب منه، في إسماع صوتنا إليه. يريد الناس أن يحادثوا المستعمِر القديم بلغته، ولا يكلفونه مشقة في تعلم لغتهم. والتنكر للذات هو ما يجعل الكثير من الجزائريين يظنون أن كل شخص من ذوي البشرة الملونة، يسير في شوارع البلاد، لا بد أن يكون مهاجراً من دول الساحل. لا يفكرون أن ذلك الشخص جزائري مثلهم، يحمل بطاقة هوية مثلهم، لأن تعريف الجزائري في نظرهم، لا بد أن يكون ذا بشرة فاتحة، متشبها بالآخر، بالفرنسي. وإذا كنا قد حررنا الأرض، فلا يزال الطريق طويلاً قصد تحرير المخيلة. لأن الجزائريين منقسمين إلى اثنين، فئة تريد التشبه بالمستعمِر القديم والاندماج معه، بينما فئة ثانية عجزت في ذلك المسعى فتقوم بشيطنته.
أجيال جديدة لم تعرف سنين حرب التحرير لكنهم يدخلون، من حين لآخر، في حرب كلامية ضد فرنسا، لأنهم ببساطة لم يعثروا على طريقة في التماهي معها. هذا الوضع يطيل من عمر الأزمة الهوياتية، ويلهينا في التفكير في هوية جزائرية، بعيداً عن الصدامات الماضوية.

المُستعمِر وأشباحه

بعد خروج الاستعمار عام 1962، وبلوغ الاستقلال، ساد اعتقاد أن 132 سنة من الكولونيالية قد انقضت، لكن حصل العكس. المُستعمِر غادر، لكن أشباحه لم تغادر مخيلة الجزائريين. وجد الناس أنفسهم يعيشون بذاكرة موشومة، كلما تقدموا إلى الأمام، أعادهم الماضي إلى الوراء. لا يزال الجرح الكولونيالي لم يبرأ، ولا نزال في نكران الذات، في السعي إلى التشبه بالآخر، لذلك كلما ارتفعت راية وطنية أو عزف النشيد الوطني في باريس، يشعر البعض كمن كسب معركة مؤجلة من الماضي. لم نكسب معركة من الحاضر، بل نحن نريد تدارك سنين خلت. نفكر في حاضرنا بما يمليه علينا التاريخ القديم وعلاقتنا الصدامية مع الاستعمار، الذي يفترض أنه قد انتهى، لكننا لا نزال نقيم فيه.

سعيد خطيبي

اضف تعليق

شارك

تعليقات الزوار

بوجمعة

الإستقلال الكادب

الجزائر الحالية هي صنعت من طرف فرنسا ولا زالت لم تأخد استقلالها بل هي تحت الحكم الدانتي, الحدود الحالية مهدد من طرف ليبيا و مالي و النيجر التي تريد استرجاع الأراضي المنهوبة الجزائر مهددة فعلا بالزوال إن لم تتصالح مع المخرب,

عبد

العسكر

العسكر هو سبب المشكلة مع المستعمر الفرنسي سياسة لي إلهاء الشعب بي موضوع إنتهى 1962 العسكر يستغل الشعب المغلوب ويسرق أموال الغاز