أخبار عاجلة

هل ينجح أعضاء «الترويكا» في إعادة قطار الانتخابات في ليبيا إلى السكة؟

حض الاتحاد الأوروبي الفرقاء الليبيين على التفاعل الإيجابي مع دعوة الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة لدى ليبيا عبد الله باتيلي إلى مباشرة تنفيذ «الإصلاحات الضرورية للمحافظة على الاستقرار. ولاشك بأن الاتحاد الأوروبي يأمل، من خلال الرسالة التي نقلها سفراؤه، تذليل العقبات التي ما زالت تحول دون إرجاع الشرعية إلى المؤسسات. ويتضافر هذا النداء، الذي أتى في شكل بيان أصدره سفراء الاتحاد الأوروبي وبعثة الاتحاد لدى ليبيا، لمناسبة حلول شهر رمضان، مع الموقف الأمريكي، إذ يستعجل الأمريكيون تحقيق مصالحة بين الأطراف الليبية، تمهيدا لإجراء الانتخابات الرئاسية والنيابية في أواخر العام الجاري.
تركز الدبلوماسية الدولية لتسوية الصراع في ليبيا على الضغط من أجل إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية لتحل محل المؤسسات السياسية المؤقتة، ومنها مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة وحكومة الوحدة الوطنية والمفوضية العليا للانتخابات. وفيما دعا جميع اللاعبين السياسيين الرئيسيين في البلد إلى إجراء الانتخابات، يشكك كثير من المواطنين الليبيين في نوايا هؤلاء الساسة، الذين لا يسعون حقاً إلى إجراء انتخابات، لأنها ربما تُفضي إلى إبعادهم عن السلطة. وأتى الرد على تلك الشكوك من الترويكا، إذ قال ثلاثة من الزعماء الليبيين إنهم اتفقوا على ضرورة تشكيل حكومة موحدة جديدة تشرف على الانتخابات التي طال انتظارها، كما اتفقوا على توحيد المناصب السيادية. لكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو التالي: هل يتعلق الأمر بحكومة تكنوقراط لتصريف شؤون الدولة، من دون ألوان سياسية، أو ولاءات حزبية، أم بحكومة تتولى الإشراف على العملية الانتخابية في جميع مراحلها؟ يبدو أن السيناريو الأول (التكنوقراط) هو الأكثر منطقية ومقبولية، فهذه الحكومة ستبقى في منأى عن العملية الانتخابية، أو هكذا يُفترض، لأن المؤسسة المؤهلة للقيام بهذا الدور، هي المفوضية العليا للانتخابات، التي ما انفك القائمون عليها يؤكدون صباح مساء أنهم جاهزون لتنظيم انتخابات حرة ونزيهة وشفافة وذات مصداقية، أسوة بالانتخابات التي أجريت في 2012 و2014.
لكن للزعماء الليبيين رأيا آخر، في أعقاب اجتماع عقدوه في القاهرة، فقد دعوا إلى تشكيل حكومة موحدة جديدة تشرف على الانتخابات. وأتت الدعوة على لسان كل من رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي ورئيس المجلس الأعلى للدولة محمد تكالة، ومقرهما في طرابلس، وعقيلة صالح رئيس مجلس النواب المقيم في بنغازي. ولئن كان توافق الرؤساء الثلاثة خطوة مهمة للاقتراب من الزمن الانتخابي، فإن هذا الثلاثي الرئاسي لا يمثل جميع ألوان الطيف. وعليه، ستكون هناك احتجاجات واعتراضات من «المُغيبين» عن اجتماع القاهرة، بما لا يسمح لقطار الانتخابات بالانطلاق في خطى ثابتة. ومن الخطوات التي اقترحها السفراء الأوروبيون في بيانهم، والتي من شأنها المساهمة في بناء الثقة بين الأطراف، إطلاقُ جميع المعتقلين تعسُفا، كبادرة حسن نوايا.
لكن، مرة أخرى، لا يعترف أي طرف بوجود رهائن أو معتقلين لديه، وبالتالي حتى لو تم التوافق، فلن يُذعن اللواء المتقاعد حفتر، ولا الميليشيات المنتشرة في طرابلس، والمنطقة الغربية عموما، لهذا الضغط الأوروبي، مثلما فعلوا عديد المرات في الماضي. ومن الناحية العملية، اتفق الرؤساء الثلاثة على تشكيل «لجنة فنية» للنظر في التعديلات المناسبة، لتوسيع قاعدة التوافق، ومن ثم «حسم الأمور العالقة حول النقاط الخلافية». لكن من غير المؤكد أن الأمور يمكن أن تتقدم بسلاسة، عند العودة إلى مناقشة النقاط الخلافية.
على هذه الخلفية المُعقدة تتحرك عواصم القرار الإقليمي والدولي، المتداخلة في الصراع الليبي، لزيادة نفوذها السياسي والعسكري وكسب مواقع جديدة على حساب المنافسين. وتأتي روسيا في مقدم القوى الحائزة على مواقع اقتصادية وسياسية وعسكرية مهمة، في ليبيا منذ العام 2015 بفضل تحالفها مع حفتر. لكنها تواجه منافسة قوية من أمريكا وتركيا. وحسب مركز «صوفان» الأمريكي، ما زالت روسيا تنشر حوالي 800 مقاتل في ليبيا، يُديرون ثلاث قواعد جوية في كل من سرت والجفرة وبراك الشاطئ. ورأى المركز أن وجود المقاتلين الروس في ليبيا، عزز نفوذ حفتر العسكري، الذي يمكن أن يستخدمه في مواجهة خصومه في طرابلس.
ويُركز الأمريكيون اهتمامهم على مكافحة تهريب السلاح وملاحقة الجماعات الإرهابية في ليبيا. وتطرق أخيرا تقرير أمريكي إلى ليبيا باعتبارها محطة رئيسية على مسارات تهريب السلاح إلى مالي، وتحديدا لبنادق كلاشنكوف متطورة، مصدرها روسيا. ويقول مكتب الأمم المتحدة لمكافحة الأسلحة إنها متوافرة لمن أرادها في الأسواق السوداء، في شمال مالي.

فريسة شبكات التهريب

وحذر الأكاديمي الليبي الدكتور يوسف الفارسي، في تصريحات صحافية، من أن دول الساحل باتت تمثل خطرا أمنيا متزايدا مع تفشي نسب البطالة وفوضى التهريب والعمليات الإرهابية. ويلجأ الشباب المالي إلى الهجرة غير النظامية عبر ليبيا أو تونس، أملا في الوصول إلى أوروبا. ويغدو أولئك الشباب فريسة للجماعات المسلحة التي تنتدبهم للقتال في صفوفها برواتب بخسة. وتقدر نسبة البطالة في صفوف الشباب المالي بـ32 في المئة. وهي تتفاقم مع مرور الزمن وغياب آفاق حقيقية للحصول على فرصة عمل.
وأظهر تقرير سنوي صادر عن المعهد الدولي للاقتصاد والسلام، أن ليبيا سجلت «أكبر تحسن» في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا على مؤشر الإرهاب، إذ لم تقع حوادث ولا وفيات بسبب الإرهاب للمرة الأولى منذ العام 2010 فيما انخفضت حالات الوفيات إلى 30 حالة فقط خلال السنوات الخمس الماضية، مقارنة بـ537 حالة في السنوات الخمس السابقة على العام 2019.
في مقابل هذا التحسن النوعي، لوحظ أن مركز الإرهاب انتقل من منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا إلى أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى. وتُسجلُ اليوم في هذه المنطقة ما يقرب من نصف الوفيات، الناجمة عن الإرهاب على المستوى العالمي. كما أفادت إحدى إصدارات القيادة المركزية الأمريكية لأفريقيا «أفريكوم» أن طريق تهريب الأسلحة يمر عبر ليبيا والجزائر والنيجر وميناكا في شرق مالي. وبالاضافة إلى الكلاشنكوف، عُثر على مدافع هاون من عيار 81 ملم، فرنسية الصنع وأخرى من صنع بلجيكا.
وحسب تقرير أمريكي صادر في مجلة «منبر الدفاع الأفريقي» التابع لـ«أفريكوم» يمر مسار تهريب الأسلحة عبر ليبيا، ويصل إلى باماكو. وكشف مكتب الأمم المتحدة أن تلك الأسلحة متوافرة لمن أرادها في الأسواق السوداء في شمال مالي.

انعطاف روسي

في خطوة تشكل انعطافا في الوجود العسكري الروسي في القارة الأفريقية، استبدلت موسكو مجموعة «فاغنر» بإنشاء «الفيلق الأفريقي الجديد» في خمسة بلدان أفريقية، من بينها ليبيا. وبدأ تشكيل «الفيلق الأفريقي» في آب/اغسطس 2023 من وحدات «فاغنر» السابقة والمقاتلين الذين تركوا المجموعة بعد وفاة مؤسسها ورئيسها الأول بريغوجين. وتقدر مصادر غربية أعداد مرتزقة فاغنر بما بين 1500 و 2000 عنصر، فيما ذكر تقرير لخبراء أمميين أن ألفي مقاتل بقوا في ليبيا، مع أنظمة دفاع مضادة للطائرات ومقاتلات وقاذفات تكتيكية.
في السياق توصلت ورقة بحثية، نشرها المعهد الألماني للدراسات الدولية والأمنية، إلى نتائج تفيد بأن المجموعات المسلحة باتت «تستحوذ» على الدولة، وهي تمر حاليًا بمرحلة إضفاء الطابع المؤسسي على وجودها؛ إذ ارتقى ممثلوها إلى مستويات رفيعة في الجيش والأجهزة الأمنية وحتى الحكومة المدنية، وبالتالي فإن مستقبل العملية السياسية يبقى مرتهنا لتلك القوى. وتشير الورقة البحثية، التي أعدها الخبير الألماني في الشؤون الليبية ولفرام لاخر، إلى أن تلك التشكيلات المسلحة تمارس نفوذًا كبيرًا على القادة والمسؤولين، بالإضافة إلى التحكم في كيفية إدارة وتوزيع الثروات الوطنية.
من جهة أخرى أفاد الباحث في مؤسسة «غلوبال إنيشاتيف» جلال حرشاوي أن عدد الجنود الروس النظاميين يتزايد ببطء في ليبيا، بينما سيظل معظم المرتزقة الروس سريين، أي أن طريقة عمل «فاغنر» بما في ذلك تورط المجموعة في الأنشطة غير المشروعة، لن تتغير. وفي المقابل وسعت تركيا من نفوذها في المنطقة الغربية.
كل ذلك ووطأة المصاعب الاقتصادية تضغط أكثر فأكثر على المعيش اليومي للمواطن الليبي، الذي يعاني معاناة شديدة من أزمة السيولة بالمصارف، وتأخر رواتب الموظفين، وزيادة أسعار صرف الدولار في الأسواق الموازية، وارتفاع أسعار السلع الاستهلاكية في غالبية المدن، وهي ضغوط لا قبل لحكومة الدبيبة بإيجاد حلول ناجعة لها. ومع أن حاكم مصرف ليبيا المركزي الصديق الكبير، طلب من البرلمان الأسبوع الماضي الموافقة على حكومة موحدة جديدة وموازنة وطنية موحدة، فإن التجاوب مع دعوته كان خافتا، ولم يتعزز بدعوة مماثلة ومؤيدة من فرقاء الصراع الرئيسيين. يؤكد هذا أنه لزامٌ على القادة السياسيين والاقتصاديين اتخاذ تدابير فعالة، للتعامل مع تلك التحديات الاجتماعية الحارقة، التي تسببت باندلاع حركات احتجاج عنيفة، في بلدان الجوار، وإيجاد حلول مستدامة من أجل تعزيز الاستقرار الاقتصادي، ورفع الأعباء التي يئنُ بحملها عامة المواطنين.

بحثا عن العافية الاقتصادية

من هذه الزاوية يمكننا فهم مناشدة الاتحاد الأوروبي للقادة الليبيين، الوصول إلى اتفاق بشكل عاجل، على الإصلاحات اللازمة للحفاظ على الاستقرار والعافية الاقتصادية، وحتى يتمكن الليبيون من الاحتفال برمضان ثم بالعيد، من دون خوف أو منغصات. وباب الأمل لم يُغلق، فبيان الاتحاد الأوروبي دعا القادة الليبيين إلى قبول دعوة الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة للاجتماع من دون مزيد من التأخير، ربما خلال الشهر الجاري، لمناقشة جميع الخلافات العالقة، التي تحول دون إعادة الشرعية إلى المؤسسات، من خلال انتخابات وطنية شفافة. ومن المهم البناء في قادم الأيام على مخرجات اجتماع القاهرة، الذي خرج بتوافقات مهمة تقدم حلولا للأزمة السياسية في ليبيا، وتمهد الطريق لإجراء الانتخابات. وللتذكير تضمنت بنود الاتفاق التأكيد على سيادة ليبيا واستقلالها ووحدة أراضيها، ورفض أية تداخلات خارجية في العملية السياسية الليبية. ألا يكفي هذا؟

اضف تعليق

شارك

تعليقات الزوار

لا تعليقات