أخبار عاجلة

العدوان الإسرائيلي يسقط الأقنعة الزائفة التي رفعتها أوروبا وأمريكا عن العدل والحريات وحقوق الإنسان

 بينما تقدمت جنوب افريقيا بشكوى لمحكمة العدل الدولية ضد إسرائيل بتهمة ارتكابها جرائم إبادة جماعية ضد الشعب الفلسطيني في غزة، وحددت المحكمة أولى جلساتها لمناقشة الدعوى يوم 11 يناير/كانون الثاني الحالي عقب إعلان قبولها، وأعلنت كل من ماليزيا وتركيا انضمامهما للدعوى، فيما جاء التجاهل العربي لدعم موقف جنوب افريقيا مخيبا لآمال المناصرين لفلسطين وشعبها، واولئك الذين تساءل الكثيرون منهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي عن سبب غياب الجامعة العربية، ومختلف العواصم العربية عن دعم ما يزيد على مليوني مواطن من أهالي القطاع الذين يتعرضون لحرب إبادة. وقال النائب محمود منصور عضو مجلس الشيوخ، إن لقاء الرئيس السيسي، مع وفد الكونغرس الأمريكي، لوقف إطلاق النار على قطاع غزة، يعد تأكيدا على مكانة ودور مصر الإقليمي وجهودها الدؤوبة لتعزيز الأمن والاستقرار والتنمية في المنطقة. وأكد عضو مجلس الشيوخ، أن موقف مصر ثابت في دعم القضية الفلسطينية من خلال العمل بجدية على التسوية العادلة والشاملة للقضية الفلسطينية، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وفقا للمرجعيات المعتمدة، وأشار إلى أن تهجير الفلسطينيين إلى سيناء أمر مرفوض تماما من قبل الدولة المصرية لمنع محاولات تصفية القضية الفلسطينية، بينما كشف اللواء سمير فرج المفكر الاستراتيجي، عن سبب رفض مصر الانضمام لتحالف «حارس الازدهار» بقيادة أمريكية؛ من أجل التصدي لهجمات الحوثيين في البحر الأحمر، وبرر خلال حوار متلفز، رفض مصر الانضمام لأي تحالفات عسكرية لأنه من الوارد دخول أي أسطول بحري تابع لدول هذا التحالف إلى الموانئ المصرية، وهو ما يمثل خطرا على الأمن القومي المصري. وشدد على أن مصر لا تشارك في مثل هذه التحالفات العسكرية، ولكنها مشاركة في القوة المشتركة (153) الموجودة في البحر الأحمر، لحماية الملاحة البحرية هناك، موضحا أنها قوة متعددة الجنسيات والقوات. وأشار إلى أن طهران أدخلت مدمرة إيرانية في البحر الأحمر، من باب استعراض قوتها العسكرية فقط، ولكن لن تستطيع ضرب أي هدف في ظل الوجود الأمريكي الأوروبي، منوها بأن عسكرة البحر الأحمر تعطي أمانا أكثر للسفن العابرة من خلاله. وتوقع أن تشهد الأوضاع في البحر الأحمر هدوءا خلال الفترة المقبلة، موضحا أن هجمات الحوثيين كان لها أثر واضح على العالم كله، خاصة أن 40٪ من حجم التجارة العالمية يمر عبر قناة السويس. ومن أخبار الحكومة: أكد الشحات الغتوري رئيس مصلحة الجمارك، أن الحساب الختامي لعام 22/23 استهدف تحقيق 46 مليار جنيه، وتم تحقيق 59 مليار جنيه، بزيادة بلغت 129٪ من المستهدف. وأشار الشحات الغتوري، إلى أنه في العام المالي 21/22 تم تحقيق نسبة 101٪ من المستهدف، وهناك مؤثرات إيجابية كان لها دور في زيادة ما تم تحقيقه، بداية من المنظومة الجديدة، والآليات والإجراءات، فعلى سبيل المثال ضريبة السجائر والتبغ بلغت العام المالي 22/23، 243 مليون جنيه، وفي ما يخص الغرامات بلغت 1.5 مليار جنيه.
دفن قبل الضحايا

هل هناك بالفعل ما يسمى بالضمير الإنساني؟ وإذا كان هذا الضمير موجودا، فما الذي حدث له، بحيث إنه يرى هذه المجازر المتتالية في قطاع غزة، ولا يجرؤ على اتخاذ خطوات فعالة وعملية لوقف جريمة الإبادة الجماعية، التي تتم تحت مسمع ومرأى الجميع، وبدعم كامل من واشنطن؟ طرح عماد الدين حسين رئيس تحرير “الشروق” هذا السؤال بعد أن أصبحنا نتابع عملية تدمير غزة وقتل وتشريد سكانها، باعتبارها مجرد عدد من الضحايا يتزايد كل يوم، وكأننا نتابع نتيجة مسابقة رياضية، وليس عملية إبادة شعب بالكامل. معظمنا كان يعتقد أن هناك ما يسمى بالمجتمع الدولي أو القانون الدولي، مضافا إليه صفة الإنساني، وأن قوانين ومدونات حقوق الإنسان تمنع أي دولة كائنة من كانت من التمادي في العدوان، وأن هناك حدودا ينبغي لأي دولة عدم تجاوزها مهما كانت قوتها وعنفوانها وبطشها. لكن العدوان الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة، يقول لنا إن كل ما كنا نعتقد أنه بديهيات لم يعد كذلك، وإن البطش الإسرائيلي مفتوح على مصراعيه ولا يمكن استبعاد استخدام إسرائيل للقنبلة النووية، إذا شعرت فعلا بأنها قد تهزم، أو لا تحقق الأهداف المستحيلة التي ترفعها منذ اليوم الأول للعدوان. من بين الدروس المستفادة الكثيرة من هذا العدوان، أنه أقنع الجميع أن القانون الدولي ذريعة تستخدمها الدول القوية حينما يناسبها فقط، وترميها في سلال المهملات، حينما يتعارض مع مصالحها وأهدافها وانحيازاتها. فإذا قتلت إسرائيل 22 ألف فلسطينى وأصابت 55 ألفا معظمهم من الأطفال والنساء، وهدمت نصف مساكن غزة، فهذا في عرف الدول الكبرى دفاع إسرائيلي عن النفس، رغم أنها الدول القائمة بالاحتلال للضفة والحصار لغزة. لكن إذا قامت أي قوة عربية بمساندة الشعب الفلسطيني، فهو انتهاك للقانون الدولي ينبغي تكوين تحالفات دولية للتصدي له.

ذريعة للقتل

من بين الدروس الأساسية التي استلهمها عماد الدين حسين أن قانون القوة أو الغابة هو السائد والبقاء للأقوى، أما الأخطر فإنه سيعطي حججا للتنظيمات العنيفة والمتطرفة العالمية للاحتكام للسلاح والعنف لتحقيق أهدافها. من الذي سيلوم أي فلسطيني من الانتقام من إسرائيل، أو أي دولة ساندتها في العدوان، خصوصا المواطن الذي رأى أسرته تقتل أمام عينيه تحت حطام بيته، أو داخل مسجد، أو مستشفى، أو كنيسة، أو مؤسسة دولية احتموا بها في غزة، هربا من القصف الإسرائيلي المستمر. سيكون من نتائج العدوان الإسرائيلي زيادة العمليات العنيفة والمتطرفة في كل مكان، ليس فقط في إسرائيل، ولكن في عموم المنطقة، بل وفي مدن عالمية كبرى انتقاما من «الهولوكست الإسرائيلي» بحق أبناء غزة. لا أحد بطبيعة الحال يقبل العنف والإرهاب أو يقره، لكن لا أحد يقبل أيضا هذه المجازر الصهيونية المتتالية، التي لن تؤدي إلا لمزيد من التطرف للانتقام والحصول على حق الشعب الفلسطيني في حريته وتقرير مصيره وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس. مات الضمير الإنسانى حينما بررت الدول الكبرى لإسرائيل أن تقتل الشعب الفلسطيني بلا هوادة أو رحمة أو منطق أو تناسب. مات هذا الضمير حينما استخدمت الولايات المتحدة حق الفيتو ثلاث مرات في مجلس الأمن لمنع وقف إطلاق النار، وبالتالي فهي شريك كامل ومتضامن في هذا العدوان الأكثر وحشية في التاريخ الإنساني المكتوب. مات الضمير الإنساني وسقطت الحضارة الغربية، حينما ثبت كذب كل ما تقوله عن الحريات وحقوق الإنسان والقوانين الدولية، وحينما منعت وعاقبت كل من حاول أن يعبر عن رأيه رفضا لجريمة إبادة سكان غزة وقمع سكان الضفة. العدوان الإسرائيلي، أسقط كل الأقنعة الزائفة التي رفعتها أوروبا وأمريكا عن العدل والحريات وحقوق الإنسان.

احتمالات مخيفة

تتزايد يوما بعد آخر وتيرة الاستهدافات الإسرائيلية لقادة حماس في غزة، أو ضاحية بيروت (صالح العاروري)، أو سوريا كما الاستهداف المنظم لقادة مؤثرين إيرانيين (رضا موسوي)، وبعد الخراب الكبير الذي أحدثته إسرائيل في غزة، فإنها كما أوضح أسامة سرايا في “الأهرام” تتحدث عن تهجير أهلها (مليوني فلسطيني) من أراضيهم إلى كل العالم، وإعادة احتلال القطاع (في أخطر ترانسفير في الأراضي المحتلة)، بل الوقوف على حافة النار في كل نقاط التماس الإسرائيلية – العربية، ولعل أهمها خط التماس رفح، وخط فيلادلفيا في غزة، تلك المنطقة الحساسة في الخطط العسكرية الإسرائيلية، التي تبدو للمصريين مقلقة لمستقبل المنطقة. لكن مع إدراكنا عدم قدرة إسرائيل على التهجير الطوعي، أو القسري للفلسطينيين، وتمسكهم بأراضيهم، ورفض المجتمع الدولي ذلك – فإن المنطقة يجب أن تتحرك لحماية مصالحها، ونحن نرى، وما زلنا، استحالة أن يشعر الإسرائيليون بعد كل هذا الخراب والتدمير، بالأمان، وأن تل أبيب لا تستطيع طرد السكان بالشكل النهائي، وهو هدفها الذي نكاد نراه، وليس هناك هدف آخر، وأمام تعقيد الموقف فإن التحرك السياسي المصري خلف ورقة التفاوض (المبادرة الأخيرة) قد يكون الورقة الوحيدة الموجودة على الساحة، أو الخطوة «المفتاح» للخروج من المأزق الحاد على كل الأجنحة. إن ورقة التفاوض المصرية تكشف عمليا عن قدرتها على التحرك نحو التهدئة، أو وقف هذه الحرب المجنونة التي تخطف الشرق الأوسط بعيدا عن الاستقرار، وأن التداعيات العسكرية، والسياسية أصبحت مفتوحة على الكثير من الاحتمالات المخيفة التي لا يمكن السيطرة عليها. التساؤل الآن هو: هل يكون هناك تحرك دولي يستوعب ما يحدث، وتقابله تحركات عربية، وفلسطينية لاحتواء حماس داخل منظمة التحرير الفلسطينية، ووضعها على مسار مختلف، وأن نرى من السلطة الفلسطينية تحركات مبدعة لاختيار حكومة، ورئيس جديد لها يفتح الباب لمفاوضات جديدة على أسس مختلفة، بمشاركة دولية، وإقليمية، جديدة ومؤثرة؟ أرى أن القاهرة، الممسكة بالكثير من المعلومات الحساسة عبر تاريخ الصراع في غزة، والمنطقة – تتحرك بأسلوب مميز، ولا تتوقف، ولكن يتعين على الجميع المشاركة بشكل أكبر، ولا يتركون الأمور تتداعى إلى داخل أكثر خطورة في حالة تركها على ما هي عليه.

بين حربين

سيفعل نتنياهو وشركاؤه في الحكم وفي حرب الإبادة المستحيل لكي تطول الحرب وتتوسع في المنطقة، لأن نهاية الحرب لا تعني إلا السقوط الحتمي لهم. وفي هذا الإطار تجيء جريمة اغتيال صلاح العاروري نائب رئيس حركة حماس وستة من رفاقه في مقر الحركة في بيروت. وكان العاروري وفق ما يرى جلال عارف في “الأخبار” واحدا من بضعة أسماء حددتها القيادات الإسرائيلية كهدف لعمليات اغتيال قالت إنها ستنفذها داخل الأراضي الفلسطينية، أو خارجها في قطر وتركيا وبعض الدول الآسيوية مثل ماليزيا وإندونيسيا. وفى اليوم السابق لاغتيال العاروري، أعلنت تركيا بالفعل عن القبض على أكثر من ثلاثين عميلا لإسرائيل واتهمتهم بالتجسس والتخطيط لعمليات اغتيالات على أرضها، ما يعني أن اغتيال العاروري أو غيره من زعماء المقاومة الفلسطينية أمر وارد، لكن المفاجأة هنا في توقيت الاغتيال، وفي حدوثه في قلب العاصمة اللبنانية، بل وفي منطقة حزب الله في الضاحية الجنوبية، بكل ما يفجره ذلك من تحديات في صراع يهدد باشتعال المنطقة كلها. تتزامن عملية الاغتيال مع انسحاب حاملة الطائرات الأمريكية “فورد”، من المنطقة من ناحية، ومع تزايد التركيز الإسرائيلي على الحدود مع لبنان وسحب بعض القوات من غزة ونشرها بالقرب من الحدود اللبنانية. ما تزامن مع تصريحات متوالية للقيادات السياسية والعسكرية الإسرائيلية بأن الهدف التالي بعد غزة هو لبنان.. أي أننا هنا أمام عملية إرهابية لا تعني فقط بداية حرب الاغتيالات بين إسرائيل والمقاومة الفلسطينية، وإنما أيضا نحن أمام مخطط إسرائيلي لانتهاز فرصة الدعم الأمريكي بالذات لنقل الحرب إلى لبنان. وربما إلى إيران أيضا، وهو ما لا تريده الولايات المتحدة الآن، وإن كان هذا لا يعني المساس بدعمها الكامل لإسرائيل، التي ما زالت وستظل الحليف الأساسى لواشنطن في المنطقة. وفي قضية اغتيال العاروري بالذات لن يكون الخلاف كبيرا بين إسرائيل وأمريكا، التي كانت قد وضعته في قوائم الإرهاب ورصدت مكافأة مالية كبيرة لمن يمدها بمعلومات عنه “الخلاف الحقيقي قد يكون حول توسيع الحرب وحول محاولة إسرائيل إثارة الفوضى في المنطقة كلها، وحول ما يسعى له نتنياهو وشركاؤه في الحكم وفي حرب الإبادة من تصعيد جنوني يعوض فشلهم أمام صمود شعب فلسطين ويضمن تأجيل سقوطهم الحتمي. بالتأكيد.. سيرد حزب الله الصاع صاعين، وسترد فصائل المقاومة الفلسطينية، لكن ماذا بعد؟ هل سيترك العالم إرهاب إسرائيل يتمدد في المنطقة ويهدد سلام العالم؟ وهل سيظل الدعم الأمريكي لإسرائيل كما هو حتى وهي تنشر الفوضى في المنطقة، وحتى وهو يتحول إلى مشاركة في كل جرائم إسرائيل، وإلى دعم نتنياهو وشركائه من مجرمي الحرب الذين أصبحوا عبئا على العالم كله؟

اعتراف متأخر

منذ هجوم حماس المفاجئ على إسرائيل في السابع من أكتوبر/تشرين الأول تركز اهتمام العالم الغربي على القضية الفلسطينية، بعد أن كان منصرفا تماما عنها غير مكترث بمحنة الفلسطينيين. فها هي ذي تتصدر عناوين الأخبار في الإعلام الغربي ولا يكاد يمضي يوم واحد، كما أوضح الدكتور عصام عبد الفتاح في “المصري اليوم”، دون أن نشاهد تحليلات غربية حول مصائب غزة وإصرار نتنياهو على المضي قدما في سياسة التدمير الكلي للمدينة لتصفية القضية الفلسطينية من الوجود. وقد حملت مآسي الفلسطينيين عددا لا بأس به من الغربيين المختصين بالأوضاع الجيوبوليتيكية للشرق الأدنى، إلى إعادة قراءة مأساة احتلال فلسطين منذ صدور وعد بلفور وملابساته التاريخية، وما تلاه من حروب ومجازر إسرائيلية تخللتها مساعٍ للسلام باءت كلها بالفشل الذريع. أولى ملاحظاتهم كانت في صيغة وعد بلفور ذاته، وبالتحديد في نصه الأصلي قبل أن يجري عليه تعديل بعد ذلك، تحت إلحاح قادة الحركة الصهيونية. ففي النص الأصلي تصادفنا عبارة تقول «إعادة إحياء فلسطين دولة يهودية ومأوى قوميا للشعب اليهودي»، هذه العبارة أثارت بشدة مخاوف قادة الحركة الصهيونية، إذ رأوا أنها سابقة لأوانها، وأنها ستؤلب عليهم وعلى مشروعهم الصهيوني العالم المسيحي قبل العالم الإسلامي. ومما يؤكد ذلك أن وزير الخارجية الأمريكي في ذلك الوقت، روبرت لانسيج، بعث برسالة عاجلة إلى الرئيس ويلسون في 13 ديسمبر/كانون الأول 1917 يحذره من خطورة التصديق على التصريح بهذه الصيغة المثيرة قائلا: «ستثير غضب الطوائف المسيحية كلها لأنها لن ترضى أن تؤول الأرض المقدسة إلى سلطة أحادية لشعب متهم بقتل المسيح». مما يثير الدهشة أن بريطانيا في ذلك الوقت لم يكن لها أي نفوذ أو سيادة على فلسطين، لأن الانتداب البريطاني عليها لم يتقرر إلا بمقتضى معاهدة سان ريمو في أبريل/نيسان 1920 أي بعد ثلاثة أعوام من صدور وعد بلفور، وكأن الأمر قد جرى كما يرى البعض لتصحيح وضع كانت العربة فيه أمام الحصان، ولزم وضع الحصان أمامها. وحينما خرجت حملة مضادة تطعن في مشروعية وعد بلفور هبّ هذا الأخير للرد عليها في بيان أصدره في أغسطس/آب 1919 يقول فيه: «لقد أجمعت الدول العظمى الأربع على الانحياز إلى الصهيونية. لأن الصهيونية، سواء أكانت صحيحة أم زائفة، متجذرة في تقاليد عريقة وفى حاجات راهنة ملحة وآمال مستقبلية، لذلك فإن أهميتها لدينا أشد وأعمق بكثير من رغبات وإحباطات 700.000 عربي يعيشون في هذه الأرض العتيقة». ومن يتأمل الموقف الأوروبي المؤيد لوعد بلفور في ذلك الوقت، يتعجب أمام مفارقة غريبة وهي: كيف استساغت الدول الأوروبية ـ وكانت في ذلك الوقت في غمرة تحولها المتسارع نحو العلمنة ـ الحاجة الدينية الميثولوجية للصهيونية، لكي تؤسس توطنها في فلسطين؟ يرى غالبية المؤلفين أن السبب الأساسي يكمن في «عقدة الذنب» التي يكتوي بها الأوروبيون نحو اليهود، عندما تخلوا عنهم وتركوهم «لمشواة هتلر»، وهي العقدة التي لا تنفك تلاحقهم في نومهم ويقظتهم، وهم يكفرون عنها بتأييدهم الأعمى لهم. بيد أن هذا الرأي على صحته في تفسير الموقف الأوروبي الراهن نحو إسرائيل لا يفسر تأييد الدول الكبرى للصهيونية قبل نشوب الحرب العالمية الثانية. والواقع أن السبب الحقيقي يرجع إلى أن قادة الحركة الصهيونية اليهود كانوا ذوي نفوذ اقتصادي هائل في أوروبا، وعلى الأخص في بريطانيا المستفيدة الأكبر من تمويلاتهم المالية لها في حروبها. إن اجتماع المصلحة وعقدة الذنب لدى الأوروبيين يفسر، إلى حد كبير، تأييد الدول الغربية اللامشروط لإسرائيل، وخوفها من مجرد نقدها كما يفسر تعاطفها الأكبر مع الرهائن الإسرائيليين، مقارنة بتأثرها بمصرع آلاف الفلسطينيين تحت القنابل الإسرائيلية. يعلق باسكال بونيفاس أستاذ الدراسات الجيوبوليتيكية، في كتابه «هل من المسموح نقد إسرائيل؟»، قائلا: «بات من المحال في أوروبا المساس بحكومة إسرائيل بأي نقد أو لوم دون التعرض لأبشع الاتهامات والإجراءات الانتقامية، في ما يشكل إرهابا فكريا مرعبا». والسؤال الأهم هنا: هل سيشعر الأوروبيون ذات يوم بعقدة الذنب نحو الفلسطينيين فيكفرون عنها مثلما يفعلون اليوم مع اليهود؟

الحلم الإثيوبي

“تغريدة أثارت الجدل” تلك التي نشرها رئيس الوزراء آبي أحمد بصورة له عبر حسابه على منصة “إكس”، وهو يصافح المسؤول في إقليم ما يسمى بـ”أرض الصومال” أو “صوماليلاند”، معلنا توقيعه على “مذكرة تفاهم تمهد الطريق لتحقيق تطلعات إثيوبيا في تأمين الوصول إلى البحر وتنويع وصولها إلى الموانئ البحرية، ولتعزز الشراكة الأمنية والاقتصادية والسياسية بين الجانبين”. وتطورت الأحداث التي تابعها محمود الحضري في “المشهد” سريعا، لتضع علاقات إثيوبيا مع جارتها جمهورية الصومال في مهب الريح، حيث خرج الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود، في خطاب إلى شعبه، معلنا أن توقيع إثيوبيا مذكرة تفاهم مع إقليم أرض الصومال (صوماليلاند)، يعد “انتهاكا صارخا ضد القوانين الدولية ولا يمكن تنفيذه بأي حال من الأحوال”، مضيفا، “هذه الخطوة التي اتخذتها إثيوبيا ربما ستعزز من تأثير الأفكار المتطرفة، وتجرها للاستغلال بشكل خاطئ”. ونظرا لأن إثيوبيا دولة حبيسة، وليس لها منفذ بحري أو أراض على بحور أو محيطات، تسعى منذ تولى آبي أحمد رئاسة الوزراء، للحصول على منافذ بحرية، من خلال توقيع العديد من الاتفاقيات من جاراتها المختلفة، إلا أن النزاعات التي تشهدها منطقة القرن الافريقي، والخلافات بين أديس أبابا وإريتريا وغيرها أفشل غالبية هذه الاتفاقيات. وتطورت الأمور سريعا بين الصومال وإثيوبيا، بإعلان الحكومة الصومالية إلغاء مذكرة التفاهم الموقعة بين إثيوبيا وإدارة إقليم أرض الصومال، واستدعاء سفير الصومال لدى أديس أبابا، للتشاور بشأن ما سمته “انتهاك السيادة الصومالية”، كما وصفت مذكرة التفاهم بأنها “غير مشروعة”. ودعت الحكومة الصومالية الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي والاتحاد الأوروبي إلى عقد اجتماع طارئ لبحث التدخل الإثيوبي ضد الصومال.
رئة لإثيوبيا

السؤال المهم الذي اهتم محمود الحضري بالإجابة عليه: ما هو غرض إثيوبيا من هذه الاتفاقية مع إقيلم غير معترف به، خصوصا أن من بين نصوص مذكرة التفاهم “استئجار إثيوبيا منفذا بحريا لأغراض عسكرية وتجارية في ميناء بربرة، مقابل حصول أرض الصومال على حصة من شركة الطيران الإثيوبية، في أعقاب إعلان أديس أبابا إعادة تشكيل قواتها البحرية في ظل كونها دولة حبيسة منذ الاستقلال في عام 1993. والسؤال الأكثر أهمية يتعلق بمصر، حيث المنطقة التي تريد أديس أبابا، أن تطل بها على البحر الأحمر هي الممر إلى قناة السويس، في وقت تشهد فيه العلاقات المصرية الإثيوبية لحظة فارقة بسبب فشل مفاوضات سد النهضة. وهناك سؤال آخر يتعلق بعلاقة إثيوبيا بإسرائيل، وإبرام اتفاق في ظل العدوان الصهيوني على قطاع غزة، ما يفسره البعض بأنه اتفاق سيدعم إسرائيل من خلال إثيوبيا وبما ترتبطان به من علاقات، خصوصا أن كلا من أديس أبابا وتل أبيب يتفقان في الأطماع المشتركة في المنطقة البحرية لمدخل البحر الأحمر، امتدادا لقناة السويس، مع أطماع أوسع في منطقة الربط بين المحيط الهندي والبحر الأحمر، في مسعى إثيوبي، تشترك فيه إسرائيل من أجل تحركات وأنشطة القوات البحرية. وتمثل مذكرة التفاهم مع إقليم غير معترف به، ويعتبر جزءا من جمهورية الصومال رسالة تفتيت لسيادة دولة، وإشعال لمنطقة افريقية استراتيجية، ويضيف لمعاناة هذه المنطقة المزيد من التوترات، وهو الأمر الذي حذرت منه مصر سريعا. ويبدو أن أديس أبابا تلعب بالنار في منطقة من السهل جدا اشتعالها، دون إدراك لمخاطر مصالحها الضيقة.

للتفاؤل مبرراته

لا يكف الدكتور هاني سري الدين في “الوفد” عن الحديث دائما بلغة المتفائل كما بين ذلك: أتطلع للمستقبل دائما بأمل، مُسلحا بخبرات علمية وحياتية مُلخصها هو، أنه لا توجد مشكلات أبدا بلا حلول، وبأن كل أمل يُمكن تحقيقه، بشرط السعي والبحث والإخلاص في الأداء. لذا، فخلافا لتصورات البعض بأن عام 2024 سيكون صعبا ومُضنيا على المستوى الاقتصادي، أتصور أنه سيكون عاما لتصحيح المسارات، ولاستعادة آمال التنمية المستدامة. أتصور أننا عانينا اقتصاديّا بصورة غير مسبوقة في العامين الماضيين، نتيجة توابع جائحة كوفيد، ثم الحرب الروسية الأوكرانية، ومؤخرا كانت للعدوان الإسرائيلي الغاشم على غزة آثار شديدة السلبية، وبشكل عام دفع المواطن البسيط فاتورة باهظة للانكماش الاقتصادي، والتخضم العالمي، وتراجع الاستثمارات. لكن رُب ضارة نافعة، كما يقولون، فالأزمات هي التي تدفع الدول للبحث والتقييم والمراجعة، وطرح التساؤلات عما تحقق، وإن كان في الإمكان تحقيق ما هو أفضل أم لا. وقطعا فإنه لا توجد خسارة نهائية في تاريخ الأمم، وكبرى الدول تتعلم من تجاربها مثلما يتعلم البشر. من هنا أقول لكم إن الصعاب التي تلوح في الأفق تحفزنا لمراجعة السياسات السابقة، التي لا شك لم تعد ملائمة لما نواجهه من تحديات. نحن في حاجة لخطة اقتصادية واضحة المعالم، محددة الأهداف، يطرحها وينفذها رجال أكفاء لديهم علم وخبرات، ويمتلكون الجرأة والقدرة على وضع السياسات غير التقليدية، لتجاوز الأزمات الصعبة، وتحقيق الاستقرار المنشود.

فرص مهدرة

واصل هاني سري الدين طرح المزيد من أسباب تفاؤله: مصر تمتلك ـ رغم كل ما يطرحه البعض ـ مقومات نمو اقتصادي، أبرزها الاستقرار السياسي، وجاهزية البنية التحتية، والموقع الجغرافي المتميز، والسوق الاستهلاكي الكبير والمتنوع، فضلا عن انخفاض كلفة التشغيل. وأتصور أن هناك فرصا عظيمة في مجالات الاستثمار، والتجارة، والتنمية، لم يتم استغلالها بعد بشكل مثالي، وهناك دول عديدة في العالم نجحت في التحول إلى دول متطورة صناعيّا وتكنولوجيّا، بفضل سياسات إصلاحية نفذتها حكومات قوية بعد فترات تراجع وتدهور اقتصادي. ولا شك في أن عودة القطاع الخاص لممارسة دوره الرائد في مسيرة التنمية يمثل ضرورة حتمية، خاصة أن الجهات الحكومية مهما زادت مشروعاتها واتسعت حصصها الاستثمارية في الأسواق، فلا يُمكنها وحدها أن توفر ما يقارب المليون فرصة عمل، وهي ما نحتاج لتوفيره كل عام، حسب الإحصاءات المتاحة. إننا في حاجة لتيسيرات عديدة تُجدد فرص الاستثمار وتُحفز أصحاب رؤوس الأموال للقدوم إلى مصر لتحقيق أرباح حقيقية، وخلق قيمة مضافة تعود إيجابيّا على الاقتصاد الوطني. ونحتاج لتحقيق حالة من التناغم بين سياسات الإصلاح الاقتصادي المُنتظرة، والسياسات النقدية، وهو ما كنا نفتقده في بعض الأحيان خلال السنوات الأخيرة. تفاؤلنا بالعام الجديد ليس مجرد كلام مُطلق، وإنما هو طرح قائم على إيمان بأن مصر قادرة على عبور التحديات الصعبة، ويقين بأن قيادة الدولة تبذل كل ما يُمكن لتحقيق التنمية ورفع مستوى معيشة المصريين.
الدولارات وحدها لا تكفي

على ما يبدو، فإن الدولارات وحدها لا تكفي وهو ما يصر عليه بلال الدوي في “الوطن”: نعم.. الدولارات وحدها لا تكفي لحماية أمن الدول وتأمين مستقبلها، بالدولارات من الممكن أن تشتري أي شيء وكل شبء؛ تشترب دبابات وطيارات وحاملات طائرات وفرقاطات وغواصات، تشترب قوات للحماية والتأمين، تشترب المتعة والفرحة والسعادة، تجعلك تلهو وتلعب وتسافر وترى مجتمعات جديدة، تجعلك تفعل الكثير، باختصار الدولارات ستجعلك تنام الليل وأنت مطمئن بنسبة كبيرة. لكن في حقيقة الأمر، لن تستطيع الدولارات شراء الأمن والأمان والاستقرار لهذه الدول، فعلى الرغم من أن بعض الدول لديها القدرة على شراء السلاح الحديث، لكنها لا تعيش في أمان، دول تمتلك مليارات الدولارات، لكنها دول مأزومة، أي تعيش في أزمات مستمرة، وهشة وغير قادرة على حماية أراضيها ضد أي خطر محتمل، دول أرصدتها بمليارات الدولارات، ولها صناديق سيادية تشتري شركات في الدول الكبرى في العالم، لكنها لا تعيش في استقرار ولا يعرف مواطنوها طعم النوم جرَّاء اضطرابات بسيطة تقع على حدودها أو مشاغبات مصطنعة بالقرب من مياهها الإقليمية. بالتأكيد، وبالفم المليان، أقول: إن القوة العسكرية هي الوحيدة التي تجعل الدولة – أي دولة – يشعر مواطنوها بالأمن والأمان، امتلاك الدولة للقوة العسكرية هو الذي يحميها ويمنع عنها أي مخاطر ويجعلها تواجه التحديات بكل جسارة، القوة العسكرية التي تضم رجالا أقوياء أشداء مخلصين لوطنهم، ولديهم عقيدة قتالية للدفاع عن تراب وطنهم هي التي تجعل الدول محمية ومصونة وشعبها مطمئنا ويشعر بالأمل في مستقبل مشرق له وللأجيال القادمة. ماذا لو حدث أي مكروه للدول التي تمتلك الدولارات؟ وماذا لو طمع فيها الطامعون – وهم كثر – وأرادوا الاعتداء عليها ونهب ثرواتها وخيراتها ودولاراتها؟ سيقول أحد المتفلسفين: من الممكن أن تشتري قوات لحمايتها واستدعاء قوات من دولة أخرى مقابل دفع أموال باهظة، فهذه وجهة نظر منقوصة، فالعقيدة القتالية ثابتة في قلوب من يقاتل ويحارب للدفاع عن دولته، لكن القوات المدفوعة الأجر انتماؤها لمن يدفع لها ومن السهل اختراقها. بالتأكيد، فإن دول العالم كلها تبحث عن الأمن، فالأمن – في هذا العصر- هو رقم واحد واثنين وثلاثة ويأتي خلفه أي شىء آخر.. وهذا يتطلب قوة تحقق هذا الأمن وإرادة وانتماء وفداء ودولارات أيضا للإنفاق.. لكن الدولارات وحدها لا تكفي.

ضاعت هيبة صاحبة الجلالة

أثار صبري الموجي الكثير من المواجع بالنسبة للمهنة التي ينتسب إليها في “المشهد”: رسخَ في وجدان الناس خاصة العوام، أن الصحافة باعتبارها سلطة رابعة، تُتيح لمن ينتمي لبلاط صاحبة الجلالة، أن يقضي مصالح الناس مع الهيئات والوزارات، بل اعتبر البعضُ أن الصحافي (سوبرمان)، يستطيع ردَّ المطلقة، وجلب الحبيب، وربما طالبه البعضُ بأن يحضر له لبن العصفور، أو أن يخبره أين أخفى القردُ صغيره؟ كما لو كان يستعينُ بعفريت من الجن، يأتيه بما يريد قبل أن يقومَ من مقامه، أو يرتدَّ إليه طرفه. والحقيقة أن الواقع يُكذب ذلك، ولو سلمنا بأنه كانت للصحافي سلطة سابقا، فإنها تلاشت مؤخرا، وربما انعدمت. وبعدما كانت أبواب الوزارات والمصالح، تفتح للصحافي على مصراعيها، صار لا يُلتفت إليه، ولا يلقى اهتماما حتى من سكرتارية أي مسؤول، وهو ما يجعلني كغيري من الصحافيين، وبكل أسف، أتحسر على زمن فات، وأبدا لا أُطالب هنا بأن يكون الصحافي فوق القانون، أو أن تبدرَ عنه تجاوزات أو اختراقات للقواعد واللوائح، ولكنني أطالب بأن تتوافر له مزايا توفر وقته وجهده؛ ليستثمره في صبِّ فكر، يخاطب العقل ويرتقي بالوجدان، وتساعده هذه المزايا أيضا في تنبيه المسؤولين إلى أوجه الخلل، بل المساعدة في حل المشكلات من خلال كلمته المقروءة، التي لو خرجت من قلبه، فسيكون لها أثرُها في الإصلاح والتنمية.

صحافة بلا أنياب

باستقراء حال أصحاب الأعمدة الصحافية السابقين الذين أحصاهم صبري الموجي أمثال، التابعي، وأحمد بهاء الدين، ومصطفي وعلي أمين، ومحمد حسنين هيكل، مرورا بإبراهيم نافع، وسلامة أحمد سلامة، وصلاح حافظ، وإبراهيم سعدة، وسمير رجب، وفهمي هويدي، وأنيس منصور وصلاح منتصر، وفاروق جويدة، وغيرهم الكثير والكثير، اكتشف أن الصحافة لم تكن تقل أبدا عن الجهات التشريعية والتنفيذية، بل هي التي كانت توجه مسارها للوصول للرأي الصائب والحكم الرشيد، وكم أفشلتْ أعمدةُ الصحافيين مخططات تخريب، وزجت بفاسدين إلى غياهب السجون. لكن اليوم، لم تعد للصحافة شوكة، ولم يعد لها ظهرٌ قوي، فصار الصحافي يُضرب على بطنه ورأسه وربما تحت الحزام.. أما وإن واقع الصحافة وصلَ إلى هذ الحد المتردي، وأصبح لا يسر (عدوا ولا حبيبا)، بعدما غلبَ الجنيه (الأبونيه)، ولم تعد لكارنيه نقابة الصحافيين حصانة، فإنني أطالب بأن يعذرني ذوو المطالب التي لا تنتهي، إن أخفقتُ في تلبية مصالحهم وقضاء حوائجهم، فلم أعد أملك تلك العصا السحرية، التي كثيرا ما فتحت الأبواب المُغلقة. وليعذُرني أخيرا كلُّ مسؤول طرقتُ بابه لقضاء مصلحة لشخص مُحتاج، أو مريض يتألم، فوالله ما أردتُ إلا الخير، ولم تكن لي منفعةٌ من وراء ذلك أو غرض، أو أنني أنوي الترشح لمجلس النواب أو الشيوخ، وأُقدمُ السبت لأجد الأحد.

حسام عبد البصير

اضف تعليق

شارك

تعليقات الزوار

لا تعليقات