يرفض الحوثيين التوقيع على خارطة طريق مقترحة للسلام في اليمن دون وجود السعودية كطرف أساسي فيها وليس وسيطا، بينما تسعى الرياض إلى المضي قدما في خطة السلام للخروج من الحرب، رغم إدراكها أن هذا الأمر يعزز من نفوذ الحوثيين الذين يتصرفون في البحر الأحمر وهم يدركون أن ممارساتهم لن تكون لها أي عواقب على محادثات السلام مهما تفاقم الوضع.
وتفاءل مبعوث الأمم المتحدة الخاص لليمن هانس غروندبرغ، في أن يبشر عام 2024 ببدء فصل جديد لليمن قائلا "ثلاثون مليون يمني يراقبون وينتظرون أن تقود هذه الفرصة الجديدة لتحقيق نتائج ملموسة وللتقدم نحو سلام دائم. لقد اتخذت الأطراف خطوة هامة."
ويستند غروندبرغ في تفاؤله إلى مسار المفاوضات بين السعودية والحوثيين ومجلس القيادة الرئاسي والرامية إلى الوصول إلى اتفاق شامل يؤدي إلى وقف إطلاق النار دائم وتحسين ظروف معيشية اليمنيين بما يمهد الطريق أمام إنهاء الحرب.
وأفاد مصدر دبلوماسي يمني الأسبوع الماضي، أن "التوقيع على خارطة الطريق لتحقيق السلام في اليمن، سيتم في مدينة مكة السعودية مطلع الشهر المقبل". وأضاف إن "الأمم المتحدة والسعودية وسلطنة عُمان، تجري ترتيبات مكثفة للتوقيع على الاتفاق في مكة، في الموعد المحدد، مطلع يناير/ كانون الثاني المقبل".
ولفت إلى أن "السعودية تكفلت بدفع رواتب عام كامل لجميع الموظفين الحكوميين في كافة مناطق اليمن، وفقاً لكشوفات عام 2014، يتم خلالها استئناف تصدير النفط والغاز اليمني ليستعيد الاقتصاد أنفاسه، ويتم تغطية بند الرواتب من الصادرات النفطية".
كما أعلن وزير الخارجية الايراني حسين أمير عبداللهيان، خلال لقائه مع المتحدث باسم أنصار الله محمد عبد السلام، الاثنين في طهران أن بلاده تدعم دائما إرادة الشعب اليمني. معربا عن ارتياحه لمسيرة المفاوضات الماضية الى الامام قدما بين اليمن والسعودية.
وتسيطر جماعة "أنصار الله" الحوثي منذ سبتمبر/ أيلول 2014، على غالبية المحافظات وسط وشمالي اليمن بينها العاصمة صنعاء، فيما أطلق تحالف عربي بقيادة السعودية في 26 آذار/ مارس 2015، عمليات عسكرية دعمًا للجيش اليمني لاستعادة تلك المناطق من قبضة الجماعة. وأودت الحرب الدائرة في اليمن بحياة الآلاف، كما ألحقت بالاقتصاد اليمني خسائر تراكمية تقدر بـ 126 مليار دولار، في حين بات 80 بالمئة من الشعب اليمني بحاجة إلى مساعدات إنسانية، حسب الأمم المتحدة.
وأعربت وزارة الخارجية السعودية، عن ترحيبها بالبيان الذي أصدره المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى اليمن، بشأن التوصل إلى خارطة طريق لدعم مسار السلام". ورغم الترحيب الإقليمي والدولي ببدء التفاوض بين الرياض وجماعة أنصار الله الحوثية، إلا أن بعض المراقبين أبدوا حماسا أقل.
وقال توماس جونو الأستاذ المشارك في جامعة أوتاوا الكندية، في مقابلة مع دويتشه فيله الألمانية، إن الأمر لا يتعلق بـ"عملية سلام ولن يجلب سلاما وتنمية واستقرارا إلى اليمن، تمثل المحادثات الأخيرة عملية سياسية يتفاوض من خلالها الحوثيون والسعودية على انسحابها النهائي من اليمن".
ويسيطر الحوثيون في الوقت الراهن على أجزاء كبيرة من شمال اليمن وغربه فضلا عن قدرتهم على تعطيل الملاحة البحرية الدولية في عرض البحر الأحمر إذ تمكنوا من استهداف إسرائيل التي تبعد حوالي ألفي كيلومتر عن اليمن بصواريخ ومسيرات اعترضها الجيش الإسرائيلي.
وبعد تسع سنوات من القتال، تغيرت سياسة السعودية بشأن اليمن إذ تحدث ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان صراحة عن رغبته في خروج بلاده من هذه الحرب المكلفة، وتزامنت المفاوضات بين السعودية والحوثيين مع بدء فصل جديد من التقارب بين الرياض وطهران.
وجددت الوزارة السعودية في بيان لها "التأكيد على استمرار وقوف المملكة مع اليمن وشعبه الشقيق، وحرصها الدائم على تشجيع الأطراف اليمنية للجلوس على طاولة الحوار، للتوصل إلى حل سياسي شامل ودائم برعاية الأمم المتحدة، والانتقال باليمن إلى نهضة شاملة وتنمية مستدامة تحقق تطلعات شعبه الشقيق". وأضاف البيان "سيعمل المبعوث الأممي مع الأطراف في المرحلة الراهنة لوضع خارطة طريق تحت رعاية الأمم المتحدة تتضمن هذه الالتزامات وتدعم تنفيذها".
وقال سامي حمدي، المدير الإداري لشركة "إنترناشيونال إنترست" للاستشارات الدولية ومقرها لندن، إن "السعودية تستخدم الحكومة (اليمنية) المعترف بها دوليا كمظلة للتفاوض بهدف إبرام اتفاق ثنائي حصري يوقف الحوثيون بموجبه هجماتهم الصاروخية عليها".
ومع بدء مفاوضات مع الحوثيين وطهران، شرعت الرياض في مسار يرمي في نهاية المطاف إلى تطبيع العلاقات مع إسرائيل، لكن عقب هجوم حماس في السابع من أكتوبر / تشرين الأول الماضي والحرب في غزة قررت السعودية تجميد مفاوضات التطبيع. وعلق حمدي "باتت السعودية في موقف حرج حيث تسعى إلى تدشين علاقات أكثر دفئا مع إسرائيل على أمل أن يساعد ذلك في إقناع الولايات المتحدة بتقديم اتفاقية أمنية على غرار الناتو تستطيع من خلالها السعودية مقاومة إيران ووكلائها في العراق، لكن الرياض في الوقت نفسه تحاول تفادي أن يُنظر إليها على أنها مرتبطة بشكل وثيق بإسرائيل".
ويقول المراقبون إن الموقف السعودي بات يتسم بالحساسية وهو ما ظهر جليا في ديسمبر/ كانون الأول الماضي مع إعلان الولايات المتحدة تدشين تحالف بحري، حمل اسم "حارس الازدهار"، من أجل حماية سفن الشحن في البحر الأحمر من هجمات الحوثيين وسط عزوف السعودية إلى الانضمام اليه رغم علاقاتها الوثيقة مع واشنطن وكونها في الجوار اليمني.
وفي تعليقه، قال سيباستيان سونز كبير الباحثين في مركز البحوث التطبيقية بالشراكة مع الشرق إن "السعودية لا ترغب في التخلي عن عملية التفاوض مع الحوثيين ولا تعريض أمن الحدود المشتركة مع اليمن للخطر".
وأضاف سونز، مؤلف كتاب (الحكام الجدد للخليج)، إنه يتعين النظر إلى "عزوف السعودية في الانضمام إلى التحالف البحري الذي تقوده الولايات المتحدة في البحر الأحمر في هذا السياق".
بيد أنّ الخبير العسكري في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية فابيان هينز، اعتبر إن دور السعودية في عملية "حارس الازدهار" لم يكن ليغير قواعد اللعبة من المنظور العسكري. وأضاف "الأنظمة التي نشرها الأميركيون بشكل خاص مصممة للتعامل مع الصواريخ المضادة للسفن والصواريخ الباليستية التي يستخدمها الحوثيون. يكمن التهديد الحقيقي في الحرب غير المتكافئة التي يشنها الحوثيون في البحر الأحمر، حيث يمارسون ضغوطا أكبر بكثير على إسرائيل والدول الغربية من خلال التعطيل (الملاحة الدولية) بدلا من هزيمة قوات بحرية غربية".
وقبل أيام، نشرت مجموعات محسوبة على الحوثيين عبر تطبيق تلغرام خرائط لكابلات الإنترنت البحرية التي تمر في البحر الأحمر، الأمر الذي عده البعض تهديدا لخطوط الشبكة العالمية. ويرى توماس جونو إن اليمن من المرجح أنه مقبل على "مرحلة جديدة في الحرب سيكون فيها الحوثيون أكثر قوة وسيسعون فيها إلى بسط حكمهم داخل البلاد وخارجها. من الواضح في الوقت الراهن أنهم يطمحون في أن يصبحوا قوة إقليمية مشاكسة".
وأضاف أن العلاقة المباشرة بين العملية السياسية الراهنة والمتمثلة بالتفاوض بين الحوثيين والسعودية من جهة والأجندة التوسعية للحوثيين في البحر الأحمر والمعادية لإسرائيل من جهة أخرى باتت أكثر وضوحا الشهر الماضي، قائلا "القاسم المشترك في الأمرين يشير إلى أن الحوثيين انتصروا في الحرب في اليمن".
تعليقات الزوار
لا تعليقات