فيض من التبريكات والتهاني تلقاها الرئيس السيسي بمناسبة فوزه بولاية ثالثة لحكم البلاد، إذ هنأه العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز، وولي عهده الأمير محمد بن سلمان، بمناسبة إعادة انتخابه رئيسا للجمهورية، بعد إعلان الهيئة الوطنية للانتخابات، كما تلقى الرئيس السيسي تهاني مماثلة من الشيخ تميم أمير قطر والشيخ محمد بن زايد رئيس الإمارات المتحدة. ومعظم زعماء ورؤساء وملوك العالم، ومن بين المهنئين كذلك الرئيس الروسي بوتين.. واستقبل الرئيس السيسي، في قصر الاتحادية، المرشحين الذين خاضوا انتخابات رئاسة الجمهورية 2024، وهم: حازم عمر رئيس حزب الشعب الجمهوري، وفريد زهران رئيس الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي، وعبد السند يمامة رئيس حزب الوفد، وذلك بحضور المستشار محمود فوزي رئيس الحملة الانتخابية للرئيس.
وفي سياق مواز استعرض الرئيس السيسي الجهود المصرية للتوصل لوقف إطلاق النار في قطاع غزة، وإيصال المساعدات الإنسانية بلا عوائق، مشددا على أهمية حماية أهالي القطاع من الوضع الإنساني المأساوي الذي يعانون منه. وأشار الرئيس السيسي إلى أن النجاح الحقيقي لمصر كلها تمثل في مستويات المشاركة العالية وغير المسبوقة من المواطنين في الانتخابات، بما عكس وعي الشعب المصري العظيم بمسؤوليته الوطنية. كما استقبل الرئيس عبد الفتاح السيسي نيكولاوس ديندياس وزير دفاع اليونان، بحضور الفريق أول محمد زكي، القائد العام للقوات المسلحة وزير الدفاع والإنتاج الحربي، وسفير اليونان في القاهرة.. وتوجه وزير الخارجية سامح شكري إلى مدينة مراكش، للمشاركة في اجتماعات الدورة السادسة للمنتدى العربي – الروسي الذي تستضيفه المغرب.
ومن أخبار المؤسسة الدينية: أعلنت وزارة الأوقاف عن إطلاق مسابقة “المتحدث الفصيح” للأئمة والواعظات والإعلاميين والمعلمين والمعلمات وأعضاء هيئة التدريس ومعاونيهم وغيرهم. كما قررت وزارة الأوقاف وضع جوائز ومنها؛ الجوائز العامة “للنجوم” الفائز الأول بين المتسابقين على مستوى جميع الفروع، جائزة مالية قدرها 100 ألف جنيه بشرط الحصول على 90% فأكثر تحريريّا وشفويّا نظريّا وتطبيقيّا.
وقبيل أيام قليلة من فترة أعياد الميلاد (الكريسماس): تمكنت الأجهزة الأمنية في مديرية أمن الفيوم من ضبط سائق أثناء قيادته سيارة ربع نقل محملا عليها 60 كرتونة تحوى ألعابا نارية مختلفة الأشكال والأحجام وبعدد مليون ومئتي ألف صاروخ «لعب أطفال» .
غزة جائعة
“في منتصف الليل يطوق عزة كامل كما قالت في “المصري اليوم”، كابوس رهيب: لا أدري أين أنا، ولا أدرك الزمن، هل الوقت كان ليلا أم نهارا؟ وهل أنا في بيتي، أم في مكان آخر؟”. أدرك أنني بين الأنقاض والجثث، أتمهل وأتحسس جسدي بلهفة، هل صرت أنا أيضا جثة تتحرك؟ أتخبط وأتقلب، وتختلط عليّ الأشياء والأمور. هذه ليلة مكرورة لكابوس يطوق عنقي وروحي وقلبي، ويغوص بي في جوف الظلمة، أحاول أن أصحو من هذا الكابوس الفاجر، أضرب الهواء بيدي وقدمي، أحاول أن أنادي أحدا، فلا يخرج صوتي، يتحشرج في حنجرتي، أتهاوى في قاع بئر مهجورة وعميقة. تتراقص ظلال الأشباح والأجسام المبهمة حولي، أزحف نحو أي مساحة آمنة، ولا أدري إذا كنت أزحف على الأرض، أم على روحي؟ أسمع أنيني، الأنين العاجز عن الصحو، أحاول الخروج من نفسي المرعوبة إلى نفسي اليقظة، أتشرب أنفاسي، وأتجول في ذاكرتي، تستيقظ كل مشاهد الغدر والخيانة والهلع، أتمزق وأحاول أن أبحث عن طوق نجاتي، فلا أجد شيئا، تنخلع ساقي وتهوي أشلاء. منتصف الليل الموحش يتعالى فيه أنين النفس المكرور، ودقات القلب العاجز المعتل، ولا أرى إلا نظرة الوحوش المحملقة النهمة الكريهة، والجوع والعطش ونثار الدم وسط لجة الرعب والهلاك، أصبح ليلي موغلا في وحشته، يلفظني إلى فراغ العدم، عندما أستيقظ مبكرا، يكون استيقاظي أشد سوادا من الكابوس، الصباح يرشح دما، والشمس الباكية تغيب عن مفارق الطرق، والسماء تضن بمائها، وغزة تكون جائعة، وأهلها عطشى، وأبناؤها تفرقت خطاهم نحو الموت وهم مطعونون بالعذاب، لم ترفعهم قبة السماء، ولم تفتح لهم الأبواب، أو ستائرها المسدلة، ويرحلون بعد أن يدفنوا أسرارهم في باطن الأرض مع أجدادهم، ويكون الموت قد مد ظله البغيض على الأفق، وانسابت الصرخات جداول وأنهارا، حتى الشجر يموت بعد أن سقطت أوراقه القديمة وغادرته قلوب الأطفال المجنحة وهي تبحث عن الأمان تحت ظلاله، الأطفال الذين كبروا خارج الزمان، والذين حملتهم غيمة سوداء إلى المجهول، وهم يسكبون دموعهم على عالم يموج بالعار والخذلان والخيانة، وانكسرت قوادم أحلامهم، وهم يبحثون في كل الحنايا عن أمهاتهم وبيوتهم. أحاول أن أُلملم أشلائي، لا أدري ماذا أفعل؟ هل أصرخ أم أبكي لعجزي شبه الكامل، وقلة حيلتي في نهاية عمري؟ حين فقدنا جوهر العدل صار الشيطان ملاكا، والجلاد ضحية، والظلم رضا، والكذب حقيقة مؤكدة، والجثث التي أَبْكَتْنا وعصرتنا آلاما وأنينا ووحشة وحزنا.
أي الروايتين؟
ستبقى خطةُ الهجوم العسكري الذي شنته المقاومة الفلسطينية وفاجأت إسرائيل، موضعا للنقاش حول جوانبها المختلفة، خاصة كيفية الإعداد لهذا الهجوم المُتقن. وتُثار في هذا النقاش، وما يتخلله من جدالات، وفق ما يراه الدكتور وحيد عبد المجيد في “الأهرام” أسئلةُ عدة لعل من أهمها السؤال عما إذا كان الهجوم حدث استباقا لعدوانٍ إسرائيلي كان قيد الإعداد، أم سعيا إلى إعادة قضية فلسطين إلى صدارة الاهتمام العالمي، بعد أن صارت نسيا منسيا أو كادت. وعندما نتأمل المشهد عشية ذلك الهجوم، نجد أن رواية الهجوم الاستباقي تفتقر إلى شواهد كافية. طبيعة الهجوم ودقته تفيدان بأن الإعداد له استغرق فترة طويلة، وأن قيادة حركة حماس استفادت من خبرة حرب 1973، واعتمدت خطة للخداع فوجهت رسائل متعددة ومتنوعة أفادت بأنها معنيةُ بتحسين الأوضاع في القطاع، وليس خوض مواجهة جديدة. وكان السماح بزيادة عدد العمال الغزيين في إسرائيل إلى نحو 18 ألفا مؤشرا إلى ابتلاع الطُعم. ولكن الرسالة الأكثر تأثيرا كانت امتناع كتائب القسام عن الانضمام إلى سرايا القدس في معركة الأيام الخمسة في مايو/أيار الماضي التي بدأت بضربةٍ صاروخية ضد إسرائيل ردا على استهداف بعض قادة حركة الجهاد في الضفة الغربية. فقد اكتفت حركة حماس بمشاركةٍ شكلية من خلال الغرفة المشتركة لفصائل المقاومة الفلسطينية. وكثيرةُ الدلائل على أن خطة الخداع حقَّقت نجاحا كبيرا، وأتاحت فرصة للإعداد للهجوم في هدوء، وجمع معلومات دقيقة عن القواعد العسكرية في منطقة غلاف غزة، ومباغتة القوات الموجودة فيها، وهي في حالة استرخاء، بعد أن قللت قيادة جيش الاحتلال أهمية معلومات استخباراتية عن رصد تحركات في القطاع قبيل الهجوم، واعتبرتها أعمالا روتينية. والأرجح أن هدف الهجوم كان «محض عسكري»، وأنه استهدف فرقة غزة العسكرية (الفرقة 143 فاير فوكس)، والوحدة 8200 (أدريم) المتخصصة في شؤون التجسس بما في ذلك تجنيد عملاء في غزة، إلى جانب مقر جهاز الأمن الداخلي شاباك في قاعدة نتسريم العسكرية. ولكن ربما كان إنجاز الأهداف العسكرية المُحدَّدة بسهولةٍ وسرعةٍ لم تكونا متوقعتين هو ما دفع المقاومين المُهاجمين إلى دخول المستوطنات، والسيطرة على بعضها وأسر مدنيين منها.
حقائق تكشفت
المجازر اليومية التي يرتكبها الصهاينة في غزة والضفة تكشف من وجهة نظر أحمد عادل السيد عددا من الحقائق أوردها في “المشهد”: أولها: أن المجتمع الإسرائيلي كله عنصري، لا يتردد في ذبح الإنسانية، وإلقاء “ضميرها” في وجوه العرب والمجتمع الدولي، ما يؤكد أن الدولة العبرية لا يجدي السلام معها، وإذا ما تم، فبشروطها، وتحت سقف الإذعان. ثانيا: ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة”.. حتى لو انكسرت حماس (لا قدر الله)، لن تتبدل الحقيقة، ولن ينتزع الفلسطينيون حقوقهم المشروعة إلا بالقوة، أمام تنظيم عسكري إرهابي، يتخفى وراء دولة، يرى قاطنوها أن العرب حيوانات بشرية تستحق الذبح. ثالثا: نجاح أمريكي باهر في تحييد العرب، ولملمة أوراق قوتهم، ورقة ورقة، ما منح إسرائيل بمشاركة واشنطن السيطرة على “مساحة شاسعة” من المجال الاستراتيجي العربي، يتحركان فيها كيفما يشاءان، ويسعيان إلى ترسيم حدود جديدة لإسرائيل، تعيد تقسيم “تركة” مستر سايكس ومسيو بيكو، على قاعدة استبدال “دول الطوق” التي شكلت يوما ما، المصدر الرئيس للخطر، بدوائر من مجتمعات دينية وإثنية وعرقية، تنشغل في ما بينها بماضيها كما تشاء، وتترك لها الحاضر ترتع فيه كما يحلو لها.. خريطة سياسية جديدة، تضمن لإسرائيل الهيمنة.. وهو ما يجري بانتظام ودقة، سوريا تم تدميرها، وتقاوم فكرة تقسيمها إلى سنة وعلويين ودروز وغيرها من مسمياتهم، العراق يحكمه دستور طائفي، لبنان سنة وشيعة وموارنة، السودان الذي فقد جنوبه بالتقسيم يفقد الآن دارفور، التي أصبحت تتمتع بالحكم الذاتي تقريبا، ليبيا مهددة بالقبلية والتقسيم بين شرقها وغربها.. اليمن مشروع قديم يتجدد للتقسيم وفصل شماله عن جنوبه، خلاصة الموقف: الأبواب مغلقة، تشتعل فيها النيران.
المأزق المصري
الأوراق المكشوفة، كما أشار أحمد عادل السيد، وضعت مصر في مأزق أخلاقي وسياسي صعب.. “الإنسانية” كلها في المأزق ذاته، لا توجد قوة على الأرض تستطيع إيقاف جرائم القتل والإبادة الجماعية التي يرتكبها الجيش الإسرائيلي في أفظع مجزرة إنسانية عبر التاريخ، حتى المساعدة الإنسانية، في أقل مستوياتها، تعجز البشرية عن مد يد العون لها.. كوكب الأرض كله ينكشف في أزمة المناخ، ويتعرى في أزمة الأخلاق. في مصر، ورغم أن غالبية المصريين الكاسحة (من أكبر رأس إلى أصغر رأس) يختمون صلاوتهم في المساجد والكنائس بـ”الدعاء على اسرائيل”، إلا أن ذلك لا يلغي كون القاهرة في اختبار أخلاقي صعب، أمام نفسها وتاريخها وموضعها، قبل أن يكون أمام الغضب الشعبي العارم، من الإجرام الصهيوني في غزة والضفة، وأمام أشقائها العرب الذين تعهدت لهم، بالوصول لنجدتهم في غضون الزمن الذي تقطعه (مسافة السكة). المأزق سببه “قلة الحيلة” المصرية أمام المجازر الإسرائيلية، ربما بسبب الحشد الهائل للسلاح الأمريكي في الإقليم، وربما بسبب التواطؤ الأوروبي، أو لهشاشة الدور العربي في ملف الأمن الإقليمي، وربما للموقف الاستراتيجي العام، الذي يقيد حركتنا ويجعلنا “محلك سر” من الجنوب والغرب والشرق.. حتى البحر في الشمال، الذي بدا وكأنه يموج علينا بالخير، فإذا بإسرائيل تضع أصبعها في “الأنبوب”. مصر لا تمتلك غير أوراقها في الأزمة الحالية، ويجب أن لا تراهن أبدا على الوعود الأمريكية، أو العهود الإسرائيلية، إذا ما كانت تسعى إلى صد ورد الهجمة الصهيونية على سيناء بالسلاح والسياسة. مصر تكاد تكون وحيدة، لا تستطيع الاستعانة بالجمهور، ولن ينجدها الاتصال بصديق، وأمامها اختياران لا ثالث لهما، إما الانصراف بعيدا، مع ضمان حرية “التسول”، أو الحضور المؤثر في ترتيبات ما بعد الحرب، بما يزيح عن كاهلها أعباء لا حصر لها، أقلها الابتزاز بمياه النيل. ليس أمامنا سوى المقاومة الفلسطينية، لتقوية أوراقنا الدفاعية في صد الهجمة، ليس بالسلاح إنما بالسياسة.. إعلان مصر موقفا قاطعا، بحق الشعب الفلسطيني في مقاومة الاحتلال الإسرائيلي اتساقا مع المواثيق الدولية، يمهد الطريق أمام مصر لاستحضار المقاومة في ترتيبات ما بعد الحرب.
لو يسمعون
ينصح الدكتور محمد حسن البنا في “الأخبار”، الإدارة الأمريكية بالتحول من صناعة الإرهاب والصراعات وإشعال الفتن في العالم إلى مبادرات السلام، وحماية حقوق الإنسان. من السهل أن تكون وراء تدمير العالم، وهو ما يقوم به الإرهابيون، أما النتيجة فهي دمار للبشرية. صحيح السلام صعب المنال، بسبب الأطماع المتعددة التي تصيب قيادات بعض الدول، وعلى رأسها أمريكا وإسرائيل. اليوم الحكومة الإسرائيلية التي يقودها السفاح نتنياهو دخلت، بدعم أمريكي، معارك مع لبنان وسوريا، إضافة إلى تدمير شامل لقطاع غزة وقتل ما يزيد على 25 ألف فلسطيني، أغلبهم أطفال ونساء وشيوخ، وهدفها القضاء على الدولة الفلسطينية نهائيا، حتى إن الرئيس الأمريكي جو بايدن في حفل لليهود في البيت الأبيض تغزل فيهم وقال: “الدفء والتواصل الذي أشعر به مع الجالية اليهودية لا يتزعزع”. «لقد وقعت في مشاكل وانتقادات عندما قلت قبل بضع سنوات إنه ليس عليك أن تكون يهوديا لتكون صهيونيا، وأنا صهيوني». “سنواصل تقديم المساعدة العسكرية لإسرائيل حتى تتخلص من حماس». هكذا تشعل أمريكا الحروب في العالم. وهذا تصريح لضابط المخابرات العسكرية الأمريكية السابق سكوت ريتر حول فشل الرئيس الأوكراني زيلينسكي في مواجهة روسيا، ما يدفع لاتخاذ قرار حول قتله لأنه بات غير ضروري. قال ريتر في مقابلة مع المدون دينى هايفن: «كان الموسم الأول جيدا بالنسبة لزيلينسكي.. لكن الأمور في الموسم الثاني لا تسير على ما يرام. هل تعرف ما الذي يحدث مع اقتراب نهاية الموسم الثاني؟ تموت عدة شخصيات، لا بد من إراقة الدماء. وأعتقد أن زيلينسكي سيقتل قريبا. وربما بالمعنى الحرفي، لكنه على الأقل سيختفي قريبا، وسيحضرون شخصا آخر، لأن هذا كله مسرح بشع وسخيف». رغم أن الفشل الأكبر ارتكبته وكالة المخابرات الأمريكية التي كتبت «السيناريو» لمسيرته المهنية. فمثلا قامت بإعلان الهجوم الأوكراني المضاد للقوات الأوكرانية في وسائل الإعلام كلها، وكان قرارا فاشلا للغاية لأنه تم بهذه الصورة إبلاغ روسيا بالمكان الذي كانت القوات الأوكرانية تنوي التقدم فيه وبأي وسيلة.
انهيار إسرائيل
ليست المرة الأولى التي يتحدث فيها الدكتور محمد سيد أحمد في “فيتو” عن الانهيار المعنوي للعدو الصهيوني، فخلال العامين الماضيين تعرض كيان الاحتلال لهزات داخلية عنيفة، جعلت المتابعين والمراقبين والمحللين يرصدون العديد من مظاهر الانهيار المعنوي للمستوطنين الصهاينة. فقد تزايدت التظاهرات الداخلية في وجه سياسات حكومة اليمين المتطرف، التي يقودها بنيامين نتنياهو منذ صعوده للحكم مجددا في نهاية العام الماضي، وتعود حالة الانهيار المعنوي لتنامي الفعل المقاوم داخل الأراضي المحتلة، حيث يشعر المستوطنون الصهاينة بحالة من فقدان الأمن والأمان، نتيجة للعمليات التي نفذها الشباب الفلسطيني الذي يعيش في الضفة الغربية والقدس من عرب 1948 والذين يحملون الجنسية الإسرائيلية. وكان العدو الصهيوني يعتقد أن هؤلاء الشباب الذين ولدوا وتربوا وعاشوا داخل الأراضي المحتلة وتعلموا في مدارسها وجامعاتها وعملوا داخل مؤسساتها المختلفة، وتحت الحكم الصهيوني، وفي ظل سيطرة القيم والثقافة الصهيونية سوف يكون انتماؤهم لهذا الكيان اللقيط.. لكن الحراك المقاوم للشباب الفلسطيني صدم المستوطنين الصهاينة، وجعلهم موقنين من أن هذا الشباب لن تتزحزح عقيدته، وأن أمهاتهم قد أرضعنهم حب الوطن وحتمية الدفاع عنه وتحريره، وأنه لن يكون هناك أمن وأمان واستقرار في هذه الأرض.. وأمام هذه الحالة من الانهيار المعنوي قرر آلاف المستوطنين حمل حقائب سفرهم والعودة إلى البلدان التي كانوا يعيشون فيها قبل هجرتهم واحتلالهم لأرض فلسطين. لقد اكتشف المستوطنون الصهاينة حجم المؤامرة التي وقعوا فريسة لها، وزيف الادعاءات التي خدع بها قادتهم أجدادهم وآباءهم بداية من هيرتزل مرورا ببن غوريون وصولا لنتنياهو.. فوهم أرض الميعاد تلك الأرض التي وعد بها الرب الشعب اليهودي المشتت في أنحاء العالم، والتي يزعمون أنها أرض فلسطين وجوارها الواقع بين النيل والفرات، والتي يسعون إلى تحريرها عبر قنوات متعددة بقوة السلاح مرة وبالتفاوض والسلام المزعوم مرة ثانية، وبالتطبيع مرة ثالثة، وبالإبادة مرة رابعة وهكذا، لكن المشهد الأخير وحالة فقدان الأمن والأمان والاستقرار جعلت المستوطنين الصهاينة يراجعون حساباتهم، ويكفرون بأفكار قاداتهم ويسعون للخلاص من الجحيم والعودة من حيث أتوا.
رصيده نفد
يعرف نتنياهو أنه سقط سياسيا في 7 أكتوبر/تشرين الأول، لكنه كما أشار إلى ذلك جلال عارف في “الأخبار”، يهدد الآن بأنه لن يغادر المسرح إلا بعد أن يفجر المنطقة كلها. أعطاه الرئيس الأمريكي جو بايدن (وأعطى لنفسه أيضا) فرصة الإفلات من المأزق الحالي الذي لا يهدد مصير إسرائيل وحدها، بل ينهي ما تبقى من قيمة أخلاقية لأمريكا.. وهو، على كل حال، أصبح أقل من القليل، بعد أن تحولت الدولة العظمى إلى شريكة في المجزرة النازية التي تقوم بها إسرائيل ضد شعب فلسطين. نتنياهو الآن يطيح بالفرصة التي منحها له بايدن حين طالبه بالتخلص من رموز التطرف الأكبر في حكومته (بن غفير وسيموتريتش) ليكون ذلك بداية للنزول من أعلى الشجرة، واستعادة شيء من تعاطف الغرب، الذي انتهى مع كشف حقيقة حرب الإبادة التي تشنها إسرائيل. لكن نتنياهو يطيح بكل ذلك، ويضع بايدن في ورطة ممتدة مع اقتراب شهور حسم الانتخابات الأمريكية، ويعلن أنه ماض في الحرب حتى النهاية، على الرغم من الضغوط الخارجية. ثم يكشف للعالم كله أنه ليس أقل تطرفا من بن غفير أو سيموتريتش كما كان يدعي.. بل يقف بكل وقاحة ليقول، إنه هو الذي قتل اتفاق أوسلو، وأنه لن يسمح بأي عودة لطريقه الذي يعتبره الخطر الأكبر على إسرائيل، وأنه لا مكان مطلقا – في سياسته – لدولة فلسطينية ولو أيدها العالم كله.
غضب لا يكفي
“الفأر المذعور” الذي كان عليه نتنياهو في 7 أكتوبر/تشرين الأول، لم يعد كذلك بعد أن منحته أمريكا دعمها غير المسبوق عسكريا وسياسيا واقتصاديا. ورغم الفشل المتوالي حتى الآن في تحقيق أي هدف في حرب الإبادة، التي جر أمريكا لتشاركه فيها، إلا أنه وفق ما أوضح جلال عارف يراهن من جانبه على استمرار الدعم الأمريكي في كل الأحوال، ولا يرى غير استمرار الحرب وسيلة لاستمراره بعيدا عن السجن، وعن خطر المحاكمة كمجرم حرب، حتى لو جر المنطقة كلها إلى الانفجار، يريد نتنياهو أن يبقى قطاع غزة تحت سيطرة إسرائيل الأمنية، مع تقليص مساحته لإحاطته بمناطق عازلة، ومع استمرار جعل الحياة مستحيلة بالمجازر الوحشية اليومية ضد الفلسطينيين، وبالاعتماد – حتى الآن – على مدد السلاح الأمريكي الذي لا ينقطع، و«الفيتو» الأمريكي الجاهز دوما لحماية إسرائيل من العقاب الدولي على جرائمها في حق شعب فلسطين، وفي حق الإنسانية. ماذا ستفعل أمريكا؟ وهل ستظل – كما كان الأمر لسنوات – تتحدث عن حل الدولتين وتترك نتنياهو وعصابته التي تحكم إسرائيل تقتل كل احتمال لقيام الدولة الفلسطينية؟ الأمر يختلف الآن بكل تأكيد.. هناك «حرب إبادة» لشعب فلسطين بسلاح أمريكي ودعم سياسي واقتصادي من أمريكا لجريمة حرب مستمرة ومتصاعدة. وهناك اعتراف من الرئيس الأمريكي نفسه بأن ثمن ذلك هو السقوط الأخلاقي لأمريكا عند العالم كله. وهناك مصالح أمريكية تتهدد من الشعوب الغاضبة قبل الحكومات، وهناك عالم بأكمله يطالب بوقف الحرب وإنهاء الإبادة الجماعية.. وعلى الجانب الآخر تقف إسرائيل تواصل جرائمها، ومعها أمريكا تقدم لها النصائح والسلاح.. هل هناك طريقة أسوأ لسقوط الدول العظمى؟
أمريكي في الأساس
قد يكون الأكثر دقة على حد رأي عماد الدين حسين في “الشروق”، أن نقول «العدوان الأمريكي على قطاع غزة، بدلا من أن نتعامل مع الأمر على أنه عدوان إسرائيلي فقط». وإذا كان الأمر كذلك فإنه يكون من العبث الشديد التعامل مع الولايات المتحدة باعتبارها وسيطا نزيها. النتيجة السابقة يمكن لأي متابع استخلاصها بكل سهولة منذ بداية العدوان عصر يوم السبت السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وحتى هذه اللحظة. هي خلاصة ليست ناتجة عن موقف سياسي ضد الولايات المتحدة، بل هي مجرد رصد لوقائع على الأرض وأقوال واضحة لغالبية المسؤولين الأمريكيين. في الأيام الأولى للعدوان، أرسلت الولايات المتحدة حاملتي الطائرات أيزنهاور وفورد، وسفنا نووية للسواحل الإسرائيلية لتقديم كل أنواع الدعم والحماية أولا، ولمنع أي أطراف أخرى من الانضمام للحرب ضد إسرائيل، خصوصا إيران وحزب الله اللبناني. ويوم الاثنين الماضي نشرت صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية تقريرا مهما يقول، إن الجيش الإسرائيلي ألقى 22 ألف قنبلة على قطاع غزة، زودته بها الولايات المتحدة. كما أرسل قنابل تزن الواحدة 900 كيلوجرام مخصصة لاختراق التحصينات، وأرسل أكثر من 50 ألف قذيفة مدفعية، كما وافق على إرسال قذائف مخصصة لدبابات ميركافا الإسرائيلية علما بأن إسرائيل تحصل على 3.8 مليار دولار مساعدات عسكرية من أمريكا سنويا. وقد لا يعرف كثيرون أن أحد أسباب الدمار الواسع لمباني ومساكن ومنشآت قطاع غزة وآلاف الشهداء الذين سقطوا في العدوان، كان بسبب هذه الأسلحة الأمريكية. إسرائيل توسعت خلال عدوانها في استخدام صواريخ «GBU» الأمريكية لهدم المباني والتحصينات الخرسانية، بحثا عن أنفاق حركة حماس وفصائل المقاومة.
في أسبوع واحد
إن طائرات أف 16 الأمريكية الصنع ظهرت مرارا وتكرارا في سماء غزة خلال العدوان، وهي تحمل كما أخبرنا عماد الدين حسين هذه القذائف التي طورتها شركة لوكهيد الأمريكية، وهي التي تسببت في صنع حفر عميقة في الأرض والشوارع والمناطق السكنية. هناك أيضا قنابلGBU 28 وتسمى مدمرة الملاجئ، وهي نوع خاص من القنابل الخارقة للأرض، وقد تم تجريبها قبل ذلك في 5 حروب، خصوصا في أفغانستان والعراق وكوسوفو، وتكلفة الصاروخ 45 ألف دولار. وعلى ذمة “واشنطن بوست” فإن إسرائيل أسقطت في أسبوع واحد 6 آلاف قنبلة على غزة، في حين أسقطت أمريكا على أفغانستان 7423 قنبلة خلال عام كامل، علما بأن قطاع غزة صغير جدا من حيث المساحة والأعلى كثافة سكانية في العالم. واستخدمت إسرائيل قذائف صاروخية بأكثر من عشرة آلاف صاروخ في أسبوع واحد. ونتذكر أنه بمجرد بدء العدوان جاء الرئيس الأمريكي جو بايدن لزيارة إسرائيل، وهي المرة الأولى التي يزور فيها رئيس أمريكا إسرائيل أثناء الحرب، ليقول لهم نحن معكم وندافع عنكم، ومن يومها بدأ يتبنى كل الأكاذيب الإسرائيلية. وبعده جاء وزير الدفاع لويد أوستن ليقول إن مخازن الجيش الأمريكي مفتوحة أمام إسرائيل لتأخذ منها ما تشاء، وجاء وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن ست مرات منذ بدء العدوان، وكان الأكثر وضوحا حينما قال: «جئت إلى هنا باعتباري يهوديا قبل أن أكون وزيرا للخارجية الأمريكية»، وآخر تصريح له قبل أيام قليلة أن الحرب سوف تتوقف حينما تعلن المقاومة الفلسطينية استسلامها. الدعم الأمريكي الشامل لم يكن عسكريا فقط، أو حتى سياسيا وإعلاميا، بل كان دبلوماسيا أيضا. واشنطن استخدمت سلاح الفيتو ثلاث مرات في مجلس الأمن الدولي لمنع صدور قرار لوقف إطلاق النار، الأول كان روسياً، والثاني برازيلياً والثالث إماراتياً في الأسبوع الماضي. صار واضحا أنه من دون الدعم الأمريكي السافر والصارخ ما كان يمكن لإسرائيل أن تبدأ أولا في عدوانها، وما كان للعدوان أن يستمر من دون هذا الدعم المفتوح.
سيارة الأمين
حال الجامعة العربية التي يطلق عليها “بيت العرب” لا يسر الناطقين بها، إذ يتلاشى أي تأثير لها حتى في زمن الكوارث التي تمر بها الأمة، ومن بين الغاضبين لمآلات الجامعة سليمان جودة في “المصري اليوم”، خلال السنوات الخمس التي قضاها أمينا عامّا على رأس جامعة الدول العربية، كان الدكتور نبيل العربي يتندر ويقول إنه كمَن يستقل سيارة موديل 1945، ثم يتحرك بها في القرن الحادي والعشرين.. وكان المعنى الذي يقصده أن ميثاق الجامعة الذي جرى وضعه في تلك السنة لا يمكن أن تعمل به جامعة الدول، بعد أن مضت عليه عقود من الزمان، وأن الضرورة تدعو إلى ميثاق آخر يأخذ الجامعة إلى العصر الذي نعيش فيه. وليس سرّا كما أخبرنا جودة، أن الجامعة تواجه الكثير من الانتقادات، وهي انتقادات تغار في غالبيتها على هذا البيت العربي الواحد، وتريده أن يكون في أفضل حالاته، وتتمنى لو أن السفير أحمد أبوالغيط، الأمين العام الحالي، قد أخذ بزمام المبادرة إلى وضع ميثاق مختلف عما نشأت عليه الجامعة، قبل أكثر من سبعة عقود. وإذا كانت جامعة الدول هي المنظمة الإقليمية الأهم في المنطقة، فإننا نرى ونتابع حال منظمة الأمم المتحدة في مواجهة الحرب الإسرائيلية الوحشية على غزة، ويستوقفنا عجزها عن فعل شيء، لأن الفيتو اللعين يكبلها ويجمد حركتها، وهذا ما جعل أنطونيو غوتيريش، أمينها العام، يتحرك كشخص بمفرده، ويتخذ من المواقف ما لا تستطيع منظمته اتخاذها، رغم أنها المنظمة الدولية الأم في العالم.
أسير الميثاق
لا يفعل غوتيريش ما يفعله، ولا يبارز إسرائيل بنفسه كما قال سليمان جودة على مرأى من الدنيا، إلا لأن ميثاق الأمم المتحدة يخذله، وهو يخذله لأنه يضع المنظمة كلها في يد الدول الخمس أصحاب العضوية الدائمة في مجلس الأمن، فلا تستطيع الأمم المتحدة أن تتحرك شمالا ولا يمينا بوصة واحدة، إلا بإقرار وموافقة ومباركة من الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا والصين وبريطانيا وفرنسا.. فإذا خالفت واحدة ورأت رأيا آخر أصابت المنظمة بالشلل. الأمر نفسه تقريبا قائم في حالة جامعة الدول العربية لأن موضوع الإجماع الذي يحكم خطواتها يكبلها بالتأكيد، ويجعل أمينها العام أسيرا للميثاق، ويجعل هذا البيت العربي الكبير غير قادر على الإقدام على خطوات يتمنى لو يتخذها، بما يحقق صالح العرب في العموم. والمؤكد أن نبيل العربي لم يتحدث عن سيارته العتيقة إلا عن تجربة، وإلا على أساس ما وجده وما رآه في مقر جامعته على شاطئ النهر الخالد، وإلا لأنه قد أراد أشياء وهو في موقع الأمين العام، ثم لم يسعفه الميثاق ولا أعطاه المساحة الواجبة للحركة. إننا نعرف أن القمة العربية الأولى دعا إليها الملك فاروق، وأنها كانت في أنشاص عام 1946، وأنها كانت بحضور الدول العربية السبع المؤسسة للجامعة، وأن قضيتها الأولى كانت فلسطين.. ولأن قضية فلسطين قد عادت لتكون الأولى، فسوف يقدم الأمين العام أبوالغيط خدمة جليلة للقضية وللميثاق معا، لو أنه دعا إلى قمة في أنشاص أيضا.. قمة تتعرض للميثاق بجد وبشكل حقيقي هذه المرة.. قمة تنتصر لفلسطين كما انتصرت لها القمة الأولى.
من سينتصر؟
حربان تجريان في الوقت نفسه؛ يهتم بهما الدكتور عبد المنعم سعيد في “الأهرام” أولاهما جرت منذ قرابة عامين بين روسيا وأوكرانيا، وثانيتهما تعدت الشهرين بين إسرائيل وحماس. وكلتاهما أذهلت الدنيا في نقطة البداية، والآن لا يعرف أحد من المنتصر ومن المهزوم. معايير النصر والهزيمة ليست واحدة للفرقاء، فالطرف الأضعف دائما يكفيه «ألا يهزم» ويظل واقفا على قدميه ساعة سكوت المدافع، ساعتها سوف يعلن النصر، لأن هدف العدو كان إزالته، أما ولم يحدث ذلك، فإن النصر حليفه. الطرف الأقوى عادة ما ترتفع سقوف نصره، فالبداية لدى روسيا كانت الاستيلاء على أوكرانيا، وإسقاط نظام الحكم، وعندما تراجعت الحظوظ، فإن أجزاء واسعة من أوكرانيا في الجنوب والشرق باتت ضرورية لتأمين شبه جزيرة القرم، وحتى ميناء أوديسا على البحر الأسود دخل الموازين الروسية. لم يكن التراجع عن أوديسا والحفاظ على 20% من الأراضي الأوكرانية نصرا كافيا؛ ولكن عندما رفعت أوكرانيا أسقفها مع «الهجوم المضاد» في بداية الصيف وبات ممكنا اختراق بعض الخطوط الروسية، فإنه ثبت أن روسيا عند الدفاع كانت قدراتها القتالية أعلى، وظهر أن نسبة خمسة إلى واحد في المجندين تعطي روسيا تفوقا ملحوظا. أوكرانيا الآن تدرك أن اعتمادها على الولايات المتحدة يجعل محافظتها على 80% من أراضيها رهنا بقدرة الرئيس بايدن على تمرير قرار من الكونغرس باعتماد عون قدره 68 مليار دولار. في حرب غزة، فإن حماس تعتبر نصرا ساعة توقف القتال مهما تكن أحوال الفلسطينيين في غزة، طالما أنه سوف يكون لديها عدد من الصواريخ «ترشق بها إسرائيل»، وهذه الأخيرة تعلم جيدا أن الضرب الجوي لم ينجح كما حدث في الكثير من الحروب الجوية، ودخول الانفاق وتدميرها، البالغ طولها 311 ميلا، ليس في متناول اليد إلا بعد حرب طويلة. هذا ما لا يطيقه العالم، ولا الولايات المتحدة، ومن ثم تجعل إسرائيل نصرها صنو القتل لحماس والمجازر للفلسطينيين على احتلال غزة يعطيها نصرا لم يتحقق.
حسام عبد البصير
تعليقات الزوار
لا تعليقات