أخبار عاجلة

روسيا متكتمة على دورها في الاشتباكات على الحدود الليبية

اشتعلت الجبهة التشادية بعد أقل من شهر على انقلاب النيجر، ونحو أربعة أشهر من اشتعال الحرب في السودان، فتحولت الحدود الجنوبية الليبية كاملة إلى شريط ملتهب، ولم تتخلف روسيا وفرنسا المتصارعتان على النفوذ عن تسجيل حضورهما في المنطقة.

وأطلق خليفة حفتر قائد الجيش الوطني الليبي، عملية عسكرية في الخامس والعشرين من أغسطس الماضي، لطرد الحركات التشادية المسلحة من البلدات الجنوبية، بعد أن تطايرت شظايا الاشتباكات بين الجيش التشادي وحركات التمرد إلى داخل الأراضي الليبية.

وطالت فرنسا الاتهامات بالوقوف وراء الغارات الجوية التي استهدفت قاعدة للمتمردين التشاديين داخل الأراضي الليبية، وتمركزها في قاعدة جوية بالجنوب الليبي وبدء تجهيزها بالقرب من المثلث الليبي التشادي النيجري، لكن باريس نفت ذلك.

أما روسيا، فأرسلت نائب وزير دفاعها يونس بك يفكوروف، إلى بنغازي (شرق) للقاء حفتر، بعد أيام قليلة من اشتعال الاشتباكات بين الجيش التشادي والمتمردين على طرفي الحدود مع ليبيا، وقبل يوم من مقتل زعيم فاغنر ييفغيني بريغوجين في سقوط طائرة خاصة داخل روسيا.

وكان ذلك كافيا لإرسال عدة تأويلات بشأن دعم قوات فاغنر الروسية للمتمردين التشاديين لإضعاف النفوذ الفرنسي في نجامينا، أو أنها شجعت حفتر للقيام بعملية عسكرية لطرد الحركات التشادية المسلحة من جنوبي البلاد، ما يجعل مصالح موسكو تتقاطع مع باريس ونجامينا.

لكن الجيش الليبي نفى هذه التأويلات، وقال في بيان أنه لن يسمح بأن تكون ليبيا منطلقا لأي جماعات أو تشكيلات مسلحة تشكل تهديدا لجيرانها، أو قاعدة انطلاق لأي أعمال غير قانونية، مؤكدا أن عملياته العسكرية دوافعها المصالح الليبية فقط.

وأضاف أن عملية تأمين الحدود تستند إلى تقارير ومعلومات متواترة لغرف القيادة والمعلومات لديه من نقاط السيطرة والمراقبة، بالإضافة إلى المعلومات الاستخباراتية والأمنية الدقيقة والواسعة، بخصوص الوضع في الجنوب.
وشدد التأكيد على المحافظة على مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الصديقة والشقيقة والجارة ومشاكلها السياسية.

وفي العاشر من أغسطس الماضي، وقبل يوم من الذكرى الـ63 لاستقلال تشاد عن فرنسا، تعرض الجيش التشادي لهجوم مسلح في ولاية تيبستي ذات الطبيعة الجبلية والصحراوية والغنية بالذهب، غير بعيد عن الحدود الليبية الجنوبية، على يد فصيل من المتمردين يدعى "مجلس القيادة العسكرية لإنقاذ الجمهورية".

وأعلن الفصيل المتمرد هجومه على قوات تشادية في منطقتي "وور" و"كوري" بولاية تيبستي (شمال) وقتل عدد من الجنود واحتجاز 23 آخرين، وتدمير 9 مدرعات والاستيلاء على أسلحة ومركبات.

ورد الجيش التشادي بشن غارة جوية بطائرات مسيرة على مركز لمتمردي جبهة التغيير والوفاق "فاكت" جنوب ليبيا، في 18 أغسطس، خلفت مقتل ثلاثة عناصر وجرح أربعة آخرين، وفق ما أعلنته الأخيرة في بيان.

ولم يكتف الجيش التشادي الحليف الرئيسي لفرنسا بمنطقة الساحل، بالغارة الجوية بل أرسل مئات العربات المسلحة إلى شمالي البلاد، لمطاردة عناصر الحركات المتمردة، التي اتهمها بالتوغل هناك انطلاقا من قواعدها الخلفية في جنوب ليبيا.

من جهته، أقر الجيش الوطني الليبي في إقليم فزان المحاذي للحدود مع النيجر وتشاد، بقصف الجيش التشادي بالطيران لآليات هاربة للمتمردين داخل الأراضي الليبية.

لكنه نفى توغل الجيش التشادي داخل الأراضي الليبية، حيث تدور الاشتباكات بالقرب من منطقة وادي الطلح شمالي تشاد، التي تبعد 60 كلم عن الحدود الليبية، وفق حديث تلفزيوني للمتحدث باسم الجيش أحمد المسماري.

وهذه العملية العسكرية، التي انطلقت في 25 أغسطس، تحظى بموافقة من الحكومة الليبية برئاسة عبد الحميد الدبيبة، حسبما أكده وزير داخليته عماد الطرابلسي، في رده على سؤال صحفي.

لكن نشطاء ليبيين لم يخفوا قلقهم من توتر الوضع الأمني على حدودهم الجنوبية مع تشاد، واحتمال انفجار الوضع في النيجر إذا تدخلت قوات المجموعة الاقتصادية لغرب إفريقيا "إيكواس" عسكريا لإعادة الوضع الدستوري إلى البلاد، فضلا عن امتداد شرارة القتال من العاصمة السودانية الخرطوم، إلى إقليم دارفور الحدودي مع ليبيا وتشاد.

وبالنسبة للعديد من الناشطين الليبيين على شبكات التواصل الاجتماعي فإن ما يجري على طول الصحراء الكبرى من مالي إلى السودان، ليس سوى انعكاس للصراع الروسي الفرنسي، الذي من شأنه إشعال حروب إفريقية تمتد نيرانها شمالا وجنوبا، لتطول شظاياها بالتأكيد بلادهم.

لكن باريس، نفت عبر تغريدة لسفارتها في طرابلس ما سمته "المعلومات الزائفة التي تداولتها بعض وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي بشأن تورط فرنسا في عمليات عسكرية في ليبيا".
أما روسيا فلم تقم بتوضيح أي دور لها في الاشتباكات بين الأطراف التشادية على الحدود الليبية.

ورغم الصراع الروسي الفرنسي على النفوذ في الساحل، فإن المفارقة أنهما يدعمان عسكريا وفي مجلس الأمن الجيش الليبي، رغم صراعهما المحتد في تشاد. إذ اتهمت واشنطن علانية شركة فاغنر الروسية بالوقوف وراء هجوم المتمردين التشاديين في 2021، وزحفهم نحو نجامينا، بعد أن أسقطوا عدة مدن وبلدات في ولاية تيبستي وما جاورها.

ففاغنر تحاصر تشاد من أكثر من بلد، فهي متواجدة في ليبيا شمالا، وفي جمهورية إفريقيا الوسطى جنوبا، وفي السودان شرقا، وتحاول استغلال انقلاب النيجر لإكمال تطويقها لنظام ديبي غربا.

لكن فاغنر، تواجه صدمة قوية بعد مقتل زعيمها بريغوجين، في 23 أغسطس، بعد يوم واحد فقط من زيارة نائب وزير الدفاع الروسي إلى بنغازي، والتي نقلت رويترز عن مسؤول ليبي، أنه أبلغ حفتر بتغيير قائد فاغنر، ولكن مقاتليها سيبقون في البلاد تحت سيطرة موسكو.

فإصرار روسيا على البقاء في ليبيا حتى بعد رحيل زعيم فاغنر، واستعداد فرنسا للقتال من أجل عدم سقوط حلفائها في تشاد والنيجر، من شأنه تصعيد الوضع في المنطقة أكثر، حتى وإن تقاطعت المصالح هذه المرة في محاربة الحركات التشادية المتمردة، التي تريد خلط الأوراق في التوقيت غير المناسب.

وليست هذه المواجهات الأولى من نوعها منذ اتفاق وقف إطلاق النار في 2021، ففي 31 مايو الماضي، أعلن الجيش التشادي أنه هاجم "‏‏طابورا" ‏‏من المتمردين من "جبهة الأمة من أجل الديمقراطية والعدالة في تشاد"، و"مجلس القيادة العسكرية لإنقاذ الجمهورية" في منطقة كوري بوغودي.‏

واستمرت الاشتباكات حينها أكثر من أسبوع قال الجيش إنه قتل 23 متمردا، بينما زعم المتمردون مقتل 15 جنديا.

وفي 20 أغسطس، زار رئيس المجلس العسكري الحاكم محمد ديبي، قواته في منطقة كوري بوغودي بولاية تيبستي، وأعلن تحديه للمتمردين ووجه تحذيرات لهم، رغم أن والده الرئيس إدريس ديبي قتل في الجبهة في 20 أبريل 2021، خلال قيادته لعمليات التصدي لزحف عسكري عنيف لحركات المعارضة المسلحة بقيادة "فاكت"، التي توغلت جنوبا حتى لم يعد يفصلها عن العاصمة نجامينا سوى 200 كلم.

بينما اتهمت "فاكت" المجلس العسكري الحاكم في تشاد، بالإعداد للتوغل في الأراضي الليبية، لمهاجمة قواعدهم الخلفية، وهو ما نفاه الأخير.

وبناء على هذه التطورات أعلنت كل من "فاكت" كبرى الفصائل التشادية المسلحة، وفصيل "مجلس القيادة العسكرية لإنقاذ الجمهورية"، إنهاء اتفاق وقف إطلاق النار المتفق عليه 2021.

اضف تعليق

شارك

تعليقات الزوار

لا تعليقات