أخبار عاجلة

جرائم قتل الأطفال أصبح كابوس يؤرق العائلات الجزائرية

عاد مؤشر الخوف والقلق على حياة أبنائهم إلى الصعود من جديد عند العائلات الجزائرية، بعد تسجيل حوادث جديدة خلال الأيام القليلة الماضية تتعلق باختطاف الأطفال وقتلهم، لتعود هذه الظاهرة المرعبة مرة أخرى وهي التي كانت في أشهر وسنوات ماضية قضية رأي عام، كون الحالات المسجلة خلقت حالة ذعر عامة.

رغم القوانين المشددة التي أقرها المشرع الجزائري ضد قاتلي الأطفال والمعتدين عليهم، إلا أن ظاهرة الاعتداء على البراءة ما تزال متفشية في المجتمع، وتظهر في كل مرة بأساليب مختلفة، الأمر الذي يتطلب التحرك لإيقاف هذه الوحشية التي تستهدف جيل المستقبل.

 جرائم جديدة

في يوم الـ 22 من تموز/جويلية الجاري، استيقظت مدينة بوسعادة والجزائر على فاجعة تتمثل في العثور على الطفل جود ذي السنوات الأربع مقتولًا في أحد المنازل غير البعيدة عن بيته، وهو مجرد من ثيابه كاملة، ومكبل اليدين، إضافة إلى علامات تظهر تعرضه للخنق بواسطة قميصه.

وأشارت تقارير إعلامية إلى القبض على شاب ثلاثيني مسبوق قضائية يشتبه بأنه مرتكب جريمة القتل في حق الطفل جود.

وشهدت ولاية وهرن غربي الجزائر قبل ذلك، جريمة مشابهة، بعد العثور على الطفل توفيق (9 سنوات)  ميتًا داخل خزانة بالعمارة التي يسكن بها، وهو غارق في الدماء إثر تعرضه لعدة طعنات، وكان اختفى بعد بضع دقائق عن أنظار والديه حين ذهب لمل مجاور لبيتهم لشراء الحليب.

وبولاية برج بوعريريج شرقي الجزائر، لا تزال الطفلة مريم البالغة 3 سنوات في عداد المفقودين منذ  بداية الشهر الجاري، بعد أن قدمت مع العائلة من بلدية أولاد دراج بالمسيلة، إلى أقاربهم في قرية بوقطن التابعة لإقليم بلدية ثنية النصر بولاية برج بوعريريج، واختفت في حدود منتصف النهار، ولم يظهر لها أثر، وفق ما صرح والدها لصحيفة الشروق، مضيفًا بأنه وصلتهم أخبار بتواجد الطفلة في حي بومرقد بعاصمة الولاية برج بوعريريج، وتنقلوا للمكان حيث تعرف الأب على صورة ابنته خلال كاميرات مراقبة لأحد المحلات، كانت برفقة امرأة محجبة وطفل معاق.

 وتم البحث عن الطفلة مريم بالتنسيق مع مصالح الأمن والدرك الوطني خصوصًا بعد الحصول على صورة السيدة التي كانت برفقتها والتي اختفت نهائيًا عن الأنظار.

ورغم مصادقة الجزائر على المواثيق الدولية الخاصة بحماية حقوق الطفل وحمايته، إلا أن البراءة تظلّ تتعرض لاعتداءات وانتهاك لحقوقها.

ونهاية شهر أيار/ماي الماضي، قالت المفوضة الوطنية لحماية الطفولة مريم شرفي في تصريح للإذاعة الجزائرية الحكومية إن مصالحها تتلقى 10 آلاف مكالمة يوميًا على الرقم المجاني 1111  المخصص للإخطار عن سوء معالمة الطفل.

وسجلت المفوضية في 2021 أكثر من  ألفي حالة اعتداء على الأطفال، وفق ما صرحت به مريم شرفي كانون الأول/ديسمبر 2021.

وفي تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، قالت رئيسة مكتب حماية الأشخاص الهشة بالشرطة القضائية للمديرية العامة للأمن الوطني، محافظ الشرطة خواص ياسمينة إنه خلال الأشهر التسعة الأولى من السنة الماضية تم تسجيل 4992 قضية وقع ضحيتها أطفال مقابل 5641 قضية خلال الفترة  نفسها من 2021 ", مشيرة إلى أن القضايا تتعلق بالضرب والجرح العمدي والاعتداءات الجنسية وسوء المعاملة والإبعاد والاختطاف والضرب والجرح العمدي المؤدي الى الوفاة والقتل العمدي وغيرها.

عدة أسباب

إلى هنا، يرجع  الباحث في علم الاجتماع توفيق عبيدي عن ظاهرة الاعتداء  على الأطفال إلى مجموعة من الأسباب، منها الاجتماعية والنفسية والاقتصادية وغيرهم، مبينًا أن من  بينها سبب مادي، حيث لاحظنا في حالات كثيرة أن العديد من المنحرفين و المجرمين يلجؤون إلى اختطاف الأطفال للحصول على الأموال، فيطلبون فدية من أهل الطفل وإذا لم تُلب مطالبهم يتخلصون من الطفل بالقتل حتى لا ينكشف أمرهم، وهذا الدافع لا ينحصر في الجزائر فقط، فهو منتشر عمومًا في البلدان التي ينتشر فيها الفقر والبطالة.

وأضاف أن "السبب الثاني فهو الانتقام، وقد لاحظنا كذلك تسجيل العديد من حالات اختطاف وقتل الأطفال من محيط الضحية، سواءً أقارب أو جيران، يستغلون براءة الطفل الذي يستأنس عادة لمن يعرفهم فيقومون بخطفه وقتله بهدف الانتقام من العائلة بسبب خلافات شخصية أو مادية.. و غيرها، يذهب ضحيتها الطفل".

ويلفت توفيق عبيدي أن من بين الأسباب دوافع جنسية، فقد تبين أن " أغلب حالات اختطاف وقتل الأطفال كانت بغرض الاعتداء الجنسي، حيث يلجأ المختطف لهذه الفئة لممارسة شذوذه الجنسي باعتبار الأطفال هم الحلقة المستضعفة وليست لديهم القدرة على المقاومة والدفاع على أنفسهم، إضافة إلى قلة وعيهم وسهولة استدراجهم".

ومن بين الأسباب أيضًاـ حسب المتحدث، الاختطاف والقتل بهدف ممارسة طقوس السحر والشعوذة، وهو ما أثبتته العديد من التحقيقات الميدانية والدراسات العلمية، خاصة وأن مجتمعنا للأسف يعرف انتشارًا لحد الآن للأفكار الخرافية البالية، والتي لا صلة لها بديننا الإسلامي ولا بأخلاقنا وتقاليدنا الاجتماعية، وفق ما قاله الباحث في علم الاجتماع، حيث لم يستبعد أن تكون لبعض حالات الاختطاف علاقة بشبكات "المتاجرة بالأعضاء".

اهتمام مؤقت

رغم معرفة الجميع بالأسباب التي تقف وراء ظاهرة اختطاف الأطفال، إلا أن المجتمع ككل من أسرة وسلطة لم يستطيعوا إيقاف استهداف البراءة والرعب الذي تخلفه.

 يعتقد الباحث في علم الاجتماع توفيقي عبيدي  أن هذا الوضع يرجع إلى "عدم معالجة الأسباب سالفة الذكر، لذلك يبقى تسجيل هذه الجرائم في كل مرة تحصيل حاصل، كما أن هذه الظاهرة الخطيرة لم تأخذ الحيز الكافي من الاهتمام الرسمي رغم الاهتمام المجتمعي، وهذا أراه من الأسباب الرئيسية التي أدت إلى الفشل في التصدي لها رغم تشديد العقوبات إلى حد السجن المؤبد".

 وأضاف عبيدي " فعكس البلدان الغربية التي تتحرك فيها حكومات بأكملها لمثل هذه القضايا، تبقى هذه الجرائم في بلادنا محل اهتمام ظرفي ومؤقت، صحيح أن الظاهرة غير معممة، ولكنها تبقى موجودة وتفرض نفسها بقوة ووجب التصدي لها دولة ومجتمعًا، من خلال تغليظ العقوبات أكثر، وكذلك جعلها قضية مركزية لأن الحد من انتشارها يتطلب تكاثف جهود الجميع من  الأسرة إلى المدرسة والمسجد ووسائل الإعلام والمجتمع المدني.. وغيرهم، فهي قضية دولة ومجتمع".

ويبين عبيدي أن الأسرة تضطلع بدور أساسي في توعية الأبناء بخطورة الظاهرة باعتبارها المؤسسة الأولى للتنشئة الاجتماعية للطفل، إضافة إلى ضرورة تربيتهم على الثقة المتبادلة مع أوليائهم وتعويدهم على المصارحة وضرورة إخبارهم بكافة ما يحصل لهم، حتى تكون الأسرة على دراية بكل ما يجري في محيط الأبناء، ومنه حمايتهم، وكذلك التعامل بعقلانية مع مصارحة الأبناء لأن ردة الفعل العنيفة والعدوانية تدفع بالطفل إلى الكتمان والتستر، مما يجعله عرضة لاعتداءات قد لا يعلمها الأولياء، مبينًا أنه من الجيد كذلك تعليم الطفل بعض الاجراءات الضرورية  عند وقوعه في مثل هذه المحن، مثل كيفية تشغيل واستخدام الهاتف، وأن يكون على دراية بالأرقام الخضراء حتى يتصل بالجهات المختصة لما يكون في حالة تعرضه للخطر.

عقوبة الإعدام

بعثت جرائم اختطاف الأطفال وقتلهم  المطالبة من جديد بتطبيق القصاص على مرتكبي هذه الافعال المشينة، فقد أطلق رواد مواقع التواصل الاجتماعي حملة بعنوان "إعدام القاتل مطلب شعبي".

هنا، تقول روزا زموري في تغريدة " يجب أن ننمي ثقافة التبليغ طبعًا مع زيادة الضغط لتنفيذ القصاص العادل وأيضًا إلغاء قرارات العفو الرئاسي، فلا فائدة إن كنت ستبلغ عن جارك المجرم أو المشعوذ، فيحاكم ويسجن ثم يخرج بعد أول عفو رئاسي لينتقم منك ومن المجتمع كله".

وتصدر وسم #القصاص_لخاطفي_الأطفال أكثر المواضيع تداولا بالجزائر في الأيام الأخيرة أيضا، حيث يرى ناشطون أن تنفيذ حكم الاعدام سيكون رادعا ضد ضد مرتكبي الجرائم ضد الأطفال، ومعلوم أن السلطات الجزائرية لا تنفذ حكم الإعدام منذ التسعينات رغم نطق المحاكم به في عدة قضايا.

ويؤيد الباحث في علم الاجتماع توفيق عبيدي هذا المطلب، قائلًا في هذا الإطار لـ"الترا جزائر" تنفيذ القصاص من الحلول الناجعة، بل الضرورية للحد من انتشار هذه الظاهرة المفزعة، فعقوبة الإعدام تجد مصدرها من الشريعة الإسلامية وكذلك من قانون العقوبات، إذ يعتبر المشرع الجزائري بأنها جناية من العقوبات الأصلية أي أنها تأتي في أعلى هرم العقوبات، بالإضافة إلى أنها مطلب شعبي، ومنه لا يوجد أي مانع شرعي أو قانوني أو عذر لعدم تطبيقها".

وتابع " عقوبة الإعدام من أكثر العقوبات تحقيقًا لردع المجرمين من جهة وجبر أهل الضحية من جهة أخرى، فلا توجد جريمة أبشع من خطف طفل وقتله مهما كان الدافع والسبب، لذا لا فائدة من إبقاء عقوبة الإعدام نظرية بل لا بد من إعادة تفعيلها و تطبيقها للحد من انتشار هذه الظاهرة التي تزايدت بشكل مخيف في الفترة الأخيرة".

اضف تعليق

شارك

تعليقات الزوار

لا تعليقات