في ردّها على مراسلة خبراء أممين نشرت في حزيران/جوان الجاري، نفت السلطات الجزائرية إغفال إشعار الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان المُستقلة بوجود دعوى لمقاضاتها، وحرمان المنظمة الحقوقية من معارضة الحكم القضائي الذي صدر بعد فترة قصيرة من إطلاق المتابعات وإنهاء وجودها القانوني.
وعلى نقيض ما صرّحت به المنظمة بأنها لم تبلغ بمباشرة السلطات إجراءات إغلاقها إلّا بعد فوات آجال نقض الحكم القضائي، قالت الحكومة في مراسلة ردًا على ثلاثة خبراء أمميين نشرت في حزيران/جوان الجاري، أنها "استنفذت كل إجراءات الإخطار مع هيئات المنظمة."
ووفق التقرير فإنّه "قام محضر قضائي (ضابط عمومي) بمحاولة فاشلة للالتقاء برئيس الرابطة لتسليمه استدعاء للمثول أمام المحكمة بخصوص الدعوى التي رفعتها وزارة الداخلية لمنع نشاطها المؤرخ في الرابع أيار/ماي، وجرى إرسال ملف قضائي عبر البريد المضمون."
ومنه تبليغ نسخة من الاستدعاء في العاشر أيار/ماي 2022 يدويًا لمقرها الرسمي بـ 5 شارع بيار فيالا (الإخوة علاق) بسيدي محمد (وسط العاصمة)، وصولًا لنشر إخطار بذلك على لوح إعلانات المحكمة الإدارية في 17 أيار/ماي 2022 ومع ذلك فشلت المنظمة في تقديم دفاعها والرد على الاتهامات.
وقالت السلطات في ردّها على ماري لولور، المقررة الخاصة المعنية بحالة المدافعين عن حقوق الإنسان؛ إيرين خان، المقررة الخاصة المعنية بتعزيز وحماية الحق في حرية الرأي والتعبير؛ وكليمنت نيالتسوسي فول، المقرر الخاص المعني بالحق في حرية التجمع السلمي وتكوين الجمعيات مطلع العام 2023، أن قراري الإغلاق الذين سُلِّطا على الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان وتنظيم "تجمع-عمل- شبيبة" صدرا عن "سلطة قضائية تيقّنت من تورّط المعنيين في انتهاكات وتجاوزات، وعبر محاكمة توفرت فيها جميع الضمانات التي تتوافق مع مبادئ المعاهدات الدولية لحقوق الإنسان التي صادقت عليها الجزائر، ولا سيما شرط حضور الأطراف والحق في الدفاع والاستئناف".
لائحة اتهامات
وسردت الحكومة لائحة اتهامات طويلة في حق الرابطة تُجيز، حسبها، إغلاقها قانونًا، تتصدرها "عدم مطابقة قانونها الأساسي مع قانون الجمعيات الصادر عام 1990 والمعدل عام 2012".
ومن بين الاتهامات "النزاع بين القيادات بوجود أكثر من جناح" و"القيام بأنشطة غير قانونية منها أعمال تمسّ السيادة والأمن الوطنيين بمطالبة ممثلين لها في ولاية غرداية (وسط الصحراء) في 2013 بالحكم الذاتي على أسس عرقي وديني لمنطقة بني مزاب (أمازيغ يتبعون المذهب الإباضي) والسعي لتدويل المطلب لدى مختلف الهيئات والمنظمات الدولية".
وكذلك "إقامة ارتباطات مع منظمات حقوقية أجنبية دون الحصول على ترخيص من السلطات وانخراط أعضاء منها في مختلف الشبكات الدولية والمنظمات غير الحكومية، كالشبكة الأورومتوسطية لحقوق الإنسان، والفدرالية الدولية لحقوق الإنسان".
ولم يكن الرد الحكومي إلّا صيغة مختصرة عن نص الدعوى وحيثيات الحكم القضاء الصادر عن المحكمة الإدارية للجزائر العاصمة في 29 حزيران/جوان 2022 والقاضي بحلّ المنظمة التي تأسست في سنة 1986.
وكان الخبراء الأمميون عبروا في مراسلتهم المؤرخة في 16 شباط/فيفري عن مخاوفهم بشأن قرار حل الرابطة الصادر عن القضاء الإداري ونبّهوا إلى أنّه لم يتم إعلان الحكم إلا في كانون الثاني/جانفي 2023، ودون حضور أعضاء الرابطة الذين لم يُبلَّغوا بالإجراء المتخذ ضدها، وأن الرابطة لم تتلق أي تحذير أو إشعار رسمي مسبقًا بالمخالفات ضدها أو حلها، وأن المحكمة لم تحترم مبادئ الحق في محاكمة عادلة."
إصرار..
واستخدمت الحكومة مبرّر انتهاك قانون الجمعيات أيضا في تبرير حل منظمة "راج"، معيدة نفس المبررات التي تحججت بها في رد سابق لها (أيار/ماي 2022) على مراسلة المقررين الأممين.
وأفادت أنّ المادة 13 من قانون الجمعيات تحظر إقامة صِلات تنظيمية أو هيكلية مع الأحزاب السياسية أو تلقِّي أي إعانات أو تبرعات، فيما تنص المادة 23 على وإن يكون التعاون مع المنظمات الدولية والأجنبية "في ظلّ احترام القيم والثوابت الوطنية" و"يخضع إلى الموافقة المسبقة للسلطات المختصة".
ورأت الحكومة في ردّها أن القيود التي وضعتها في مجال إنشاء وحل الجمعيات منسجمة مع مبادئ العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية في مادته 22 (تعنى بحق إنشاء الجمعيات).
واعتبر الناشط عبد الوهاب فرساوي، رئيس جمعة راج المحظورة، في تصريح لـ"الترا جزائر" أنّ "ردّ الحكومة الذي تتحدث فيه عن احترامها للمواثيق الدولية هو للاستهلاك الخارجي ليس إلّا".
ووفق فرساوي فإنّ "حلّ الجمعية يُعدّ بيانًا صارخًا لتقييد الحريات الأساسية في الجزائر"، وعطفا على ما جاء في رد الحكومة بخصوص تمتع المنظمة بمحاكمة عادلة، جزم فرساوي، الذي سُجِن لستة أشهر أنّ وزارة الداخلية (صاحبة الدعوى) لم تقدم خلال المحاكمة التي جرت "دليلًا أو حجة دامغة تدين جمعيته بانتهاك قانون الجمعيات."
وهنا أشار إلى أنّ هيئة دفاع الجمعية "دحضت كل ما قدمته وزارة الداخلية شكلًا ومضمونًا"، متابعًا: "الردّ الجديد كسابقيه سطحي ويفتقد للدقة ولا يمكن الاعتداد به في أي محاكمة".
تعتبر الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان أكبر تنظيم حقوقي في البلاد، أسسها محامون وناشطون سياسيون بارزون منتصف ثمانينات القرن الماضي، وكانت لها مواقف معارضة للسلطة في قضايا الحريات والحقوق.
وجمعية "تجمع-عمل-شبيبة" المعروفة اختصارًا بـ"راج"، تأسست في آذار/مارس 1993، وهي إحدى أبرز الجمعيات المحسوبة على "التيار الديمقراطي"، وبرز اسمها بشكل لافت في الحراك الشعبي في 2019.
تعليقات الزوار
لا تعليقات