أعاد حادث تعرض أستاذة للطعن على مستوى الظهر بخنجر من طرف أحد التلاميذ بولاية باتنة، فتح النقاش من جديد حول تزايد العنف داخل الوسط التربوي مقارنة بسنوات سابقة.
وإن أعاد متابعون هذه الظاهرة، إلى سبب فشل الإجراءات المتبعة حاليًا في حماية الأستاذ والتلميذ على حدٍّ سواءً من العنف الصادر من داخل الجماعة التربوية، يُرجعها آخرون إلى المحيط الأسري والمجتمعي.
وما يبعث على الخوف في تزايد ظاهرة العنف داخل المدرسة الجزائرية، هو عدم تفكير الجهات المعنية في اتخاذ تدابير جديدة للحدّ منها، والتزامها الصمت حيال ما حدث، عدا إصدار بيانات عن فتحها تحقيقات في الحوادث الحاصلة أو إعلانها عن العقوبات المقرّرة في حق المتسببين فيها.
اعتداءات متكررة
قبل أيام، غصّت وسائل التواصل الاجتماعي بتداول صور مفزعة للأستاذة ريحانة بن شية التي تعرضت لطعنة خنجر من أحد تلاميذها بمتوسطة بمدينة تكسلانت بولاية باتنة شرقي الجزائر.
وأظهرت الصور إصابة الأستاذة بطعنة خنجر بقي مغروزًا في ظهرها، بعد طعنها من قبل التلميذ وسط فناء المؤسسة، لتنقل بعدها على جناح السرعة إلى المستشفى.
وبحسب بيان وكيل الجمهورية لمحكمة دائرة نقاوس، فإن الأستاذة الضحية كانت قد استدعت ولي أمر التلميذ بسبب سلوكه، وهو ما لم يستسغه، ليقدم خلال فترة الاستراحة على طعن أستاذته في ظهرها بواسطة خنجر، بعدما تقدم نحوها من الخلف داخل حرم المدرسة وأمام مكتب الإدارة، ليلوذ بعدها بالفرار، لكن تم توقيفه بعدها ليحال على مؤسّسة إعادة التربية للأحداث.
ولا تعد حادثة الأستاذة ريحانة الأولى في الوسط التربوي الجزائري، ففي شهر شباط/فبراير 2022 ، تعرض أستاذ ببن طلحة بالعاصمة الجزائر، لاعتداء من أحد طلابه السابقين، بعد أن ترصده في الشارع، وأبرحه ضربًا تسبب في فقدانه لوعيه جراء تسجيل كسر على مستوى الأنف وإصابة في العين اليمنى.
ومع كل اعتداء يمس الإطار التعليمي، تعود إلى الأذهان الحادثة الشنيعة التي وقعت في أيار/ماي 2021 ببرج باجي مختار، حينما تعرضت أستاذات في مسكنهن الوظيفي للاغتصاب من قبل أربعة أشخاص، وهي الحادثة التي تطرح عدّة أسئلة عن سبب الاعتداءات التي يتعرضون لها.
لكن هذا العنف يكون في حالات أخرى مصدره الأستاذ نفسه أو الطاقم التربوي بالمؤسسة التعليمية، إذ نقلت الصحافة الجزائرية في عدّة مرات تعرض تلاميذ لاعتداءات لفظية وجسدية من قبل أساتذة، منها تلك التي حدثت قبل سنوات بولاية الطارف، حيث تعرض التلميذ صهيب للتعنيف من قبل أستاذته بمتوسطة ببلدية القالة.
هنا، يعتبر علي شبيطة، أستاذ علم الاجتماع بجامعة سطيف 2، أن ما يحدث بالمؤسسات التربوية هو استمرار للعنف الذي تفشى في المجتمع بكيفيات ومستويات مختلفة.
وقال شبيطة في حديث إلى "الترا جزائر"، إن "المدرسة لا يمكنها أن تشذ عن مختلف المؤسسات الناظمة للمجتمع، لكن أن يبلغ العنف في المؤسسات التربوية هذا الحد، فهو ما يحتاج منا إلى دراسة وتمعن في أسباب الظاهرة ومقاربتها للخروج بحلول في مستوى تطلعات الفرد والمجتمع على حد سواء".
تعددت الأسباب
تختلف القراءات حول أسباب تكرر ظاهرة العنف بالمؤسسات التعليمية، حيث يقول بشأنها الأستاذ علي شبيطة المتخصص في الاجتماع الثقافي التربوي إنها "متعددة ومتشعبة يشترك فيها مختلف الفاعلين الاجتماعيين الناظمين لشؤون الفرد والمجتمع من أسرة بالدرجة الأولى؛ لأنها المؤسسة الأولى التي تحتضن الطفل في مرحلته الأولى، وهي المرحلة التي تبنى فيها طباعه وشخصيته ومزاجه النفسي والتربوي والاجتماعي".
وأضاف "من هذا المنطلق، فالأسرة تتحمل مسؤولية كبيرة في تنشئة الطفل وتشريبه ثقافة المجتمع الرفيعة، لكن تخلت عن دورها الحقيقي في بناء الفرد الذي هو محور التنمية والأمن والاستقرار الأسري والمجتمعي نتيجة تغير نمطها وتحولها من أسرة ممتدة إلى أسرة نووية، حيث أصبح التدخل في عملية التنشئة على الأب والأم فقط، واللذين ينشغلان في كثير من الأحيان بتلبية الحاجات المادية فقط دون الحاجات الأخرى المتمثلة في القيم الثقافة المجتمعية".
وحسب شبيطة، فإن بجب ألا ننكر أن "العنف ظاهرة متفشية أحيانًا داخل الأسرة ذاتها، وهو السلوك الذي يتنامى داخل وجدان الطفل ذاته، إضافة إلى التفكك الأسري الذي ينجر عنه شرود الأبناء، وكذا هشاشة البناء الأسري جراء انعدام الحوار بين أفراد العائلة الذين قل تواصلهم جراء المنطق الاتصالي الذي فرضته التكنولوجيات الحديثة للإعلام والاتصال".
في السياق نفسه، يعتقد الأستاذ، أن ضعف المؤسسة التعليمية في أداء وظيفة التنشئة والتربية هو من أسباب تزايد ظاهرة العنف بالمدرسة، مرجعًا هذا الضعف إلى عدم مراجعة المنهاج التربوي من التحولات العميقة التي حدثت على مستوى الأسرة والمجتمع سواءً من حيث تغير أنماط الحياة والنظر إلى الحياة المثلى بسبب الانفتاح الإعلامي والتكنولوجي الذي لم يتم الإعداد له من أجل التكيف والمحافظة على القيم النبيلة للمجتمع، وهو ما أنتج هذا "الاختلال أو اللامعيارية المجتمعية".
المسؤول عن العنف بالمؤسسات التربوية، حسب الأستاذ، ليس التلميذ على الإطلاق، وإنما تتحمله مختلف مؤسسات التنشئة من أسرة ونظام تربوي التي أصبحت عاجزة عن معالجة اختلالات اجتماعية ثقافية قيمية، وهو ما أنتج مجتمعا لامعياريا يصدر العنف بمختلف أشكاله.
من جهته، يعتبر المفتش السابق بوزارة التربية الوطنية، أوقلال زرداني، في منشور له على فيسبوك، أن القوانين التنظيمية المسيرة للمدرسة لا تواكب التغير المجتمعي.
ويوضح المفتش، أن المجتمع الجزائري منذ 1990، أي فترة العشرية السوداء، طرأت عليه "تغيرات مجتمعية مهمة نتيجة الصراع بين الشعب والسطلة على مشروعية الحكم، وكانت لهذا الصراعات نتائج وخيمة على الاقتصاد والسياسة والمجتمع، فأفرزت ظواهر عديدة منها ظاهرة العنف المجتمعي الذي تأثرت به المدرسة الجزائرية تأثرا كبيرًا".
وللحد من هذه الظاهرة، لم تتناول وزارة التربية، حسب زرداني، ظاهرة العنف المجتمعي بأية دراسة لأجل تفسيره، ووقاية المدرسة منها، رغم إطلاق عدة إصلاحات تربوية منذ سنة 1993، على حدّ قوله.
مشروع قانون جديد
للحد من ظاهرة الاعتداء على السلك التربوي، اقترح نواب من المجلس الشعبي الوطني مشروع قانون يجرّم الاعتداء على هذه الفئة داخل الحرم المدرسي وخارجه للحد من ظاهرة العنف المدرسي التي أخذت أبعادًا خطيرة خلال السنوات الأخيرة.
ويتضمن مشروع القانون المقترح من طرف نواب المجلس الشعبي الوطني عقوبة بالسجن النافذ لمدة سنة واحدة وغرامة تتراوح قيمتها ما بين 5 آلاف دينار و50 ألف دينار في حق من يقتحم مؤسّسة تربوية من دون وجه حق.
ويقترح مشروع القانون عقوبة بالسجن النافذ لمدة ثلاث سنوات وغرامة مالية تصل إلى 500 مائة ألف دينار، لكل شخص يقوم بتهديد أو إهانة أو شتم أو قذف أو الاعتداء على أستاذ أو مدير مؤسسة تربوية أو موظف في القطاع أثناء تأدية مهامه داخل الحرم المدرسي.
ويتضمن مشروع القانون أيضًا عقوبات صارمة ضد كل من يستغل وسائل التواصل الاجتماعي للتشهير بعمال القطاع أو تهديدهم، ويعاقب هؤلاء بالسجن مدة ثلاث سنوات وغرامة مالية تتراوح بين 300 ألف دينار و500 ألف دينار جزائري.
وبالنسبة لحماية التلاميذ من العنف داخل المؤسسات التربوية، فالقوانين موجودة، وتذكر بها وزارة التربية في كل مرة منها المادة 21 من القانون التوجيهي للتربية التي تنص على "منع العقاب البدني وكل أشكال العنف المعنوي والإساءة في المؤسسات التربوية، ويتعرّض مخالفو أحكام هذه المادة لعقوبات إدارية دون الإخلال بالمتابعات القضائية".
وجاء في المادة 29 من القرار الوزاري رقم 65 أن "للتلاميذ الحق في حسن الاستقبال وعدم التعرض إلى أي نوع من التمييز، مع الحماية من كل لفظ أو تصرف مهين، إذ يجب احترام كرامتهم وخصوصياتهم كأطفال".
وتوضح المادة 30 من القرار الوزاري سالف الذكر أنه "يستوجب احترام التلاميذ وحمايتهم من التعرض لأي عنف جسدي ولفظي ومعنوي".
مهمة الجميع
من المؤكّد أن النصوص القانونية حاجة ضرورية لتحديد المسؤوليات في أي حادثة اعتداء أو عنف يحدث داخل المؤسسات التربية مهما كانت طبيعة الجاني والضحية، إلا أن التجربة أثبتت في عديد المجالات أن التشريعات لا تكفي لوحدها للحد من السلوك غير السوي حتى ولو تكفلت بتطبيقها الحكومة نفسها.
وقال أستاذ علم الاجتماع على طبيشة لـ" الترا جزائر" إن "السلطة وحدها لا يمكنها الحد من ظاهرة العنف ومختلف الظواهر الأخرى، ما يتطلب تضافر مختلف مؤسسات المجتمع المدني لبناء إنسان متوازن نفسيًا واجتماعيًا وثقافيًا، بالإضافة إلى تعزيزه وحمايته فكريًا، لأننا أصبحنا اليوم في عالم مفتوح على مختلف ثقافات العالم، ما يحتم علينا الوقوف مع ذاتنا ومراجعة مختلف أنظمة مؤسسات التنشئة الاجتماعية حتى نتجاوز الاختلالات الموجودة".
ويقترح شبيطة في هذا السياق تفعيل دور المجتمع المدني وإشراكه بفاعلية في عملية التنشئة الاجتماعية على مستوى الأسرة والمدرسة والإعلام والمؤسسات الدينية، وخاصة جمعية أولياء التلاميذ التي لا يزال دورها هزيلًا جدًا في العملية التربوية، إضافة إلى مراجعة المناهج التربوية بهدف جعلها تساهم في تحقيق التوازن النفسي والاجتماعي والتربوي ومن ثم القضاء على مختلف الظواهر المشينة في المجتمع وتعزيز بناءه على مختلف الأصعدة.
تعليقات الزوار
لا تعليقات