بعد أقل بقليل من شهر على انعقاد القمة العربيّة في الجزائر، يتبيّن كم أنّ تلك القمّة كانت فاشلة، خصوصا في غياب القدرة لدى البلد المضيف على تسمية الأشياء بأسمائها... أو التغطية على انحيازه لمحور الممانعة الذي تقوده ايران حيث نظام مرفوض من شعبه. لا يدلّ على ذلك أكثر من المناورات العسكرية الجزائرية – الروسيّة في منطقة قريبة من الحدود المغربيّة. تبدو هذه المناورات، التي أجريت مباشرة بعد انعقاد القمة العربيّة، من النوع المضحك المبكي، في مرحلة لم يعد فيها سرّا مدى قوة العلاقة الروسية - الإيرانية. ظهرت قوة هذه العلاقة وطبيعتها مع تزويد ايران الجيش الروسي مسيّرات وخبراء كي يتتابع حربه التدميريّة على أوكرانيا وشعبها.
تدعو هذه المناورات إلى الضحك بعدما كشفت الحرب الأوكرانيّة حقيقة القوة العسكرية الروسية ونوعية السلاح الروسي في الوقت ذاته. مثل هذا السلاح يصلح لقتل شعب مثل الشعب السوري المجرّد من أي سلاح لا اكثر. عندما يتعلّق الأمر بجيش مدرّب يمتلك بعض الأسلحة الحديثة مثل الجيش الأوكراني، تصير الأمور مختلفة. يتبيّن أن الجيش الروسي لا يصلح لحروب خارج ارضه ولا يستطيع خوض مثل هذه الحروب. سبق للاتحاد السوفياتي أن فشل فشلا ذريعا في أفغانستان، لكنه اظهر فاعليّة كبيرة عندما تعلّق الأمر بمواجهة مدنيين مسالمين. استطاع السيطرة على بودابست في العام 1956 وقمع "ربيع براغ" في العام 1968.
أمّا الجانب المبكي في المناورات الروسيّة - الجزائريّة، فهو عائد إلى استعداد النظام الجزائري لتبديد مليارات الدولارات (نحو عشرين مليارا) من أجل شراء أسلحة روسيّة لا فائدة تذكر منها، اللهمّ إلّا اذا كان الأمر يتعلّق بتنفيعات ما ومصالح شخصيّة وتأكيد لإنتماء الجزائر إلى فكر ما قبل انتهاء الحرب الباردة.
في الواقع، كان مفيدا صرف هذه الأموال على الإستثمار في إقامة بنية تحتية افضل وتوفير فرص عمل للشبان وبعض الرفاه للشعب الجزائري، كي لا تتكرر تجربة "سنوات الجمر" بين 1988 و1999. كذلك، كان يمكن استثمار كلّ هذه المليارات التي، مصدرها ارتفاع النفط والغاز، من اجل تحسين المستوى التعليمي في المدارس والجامعات الجزائريّة بدل استمرار البحث عن عدو وهمي هو المغرب الذي لا يكنّ للجزائر وشعبها سوى الخير. من يتذكّر أن الملك الحسن الثاني، رحمه الله، كان أول من وجّه بارسال مساعدات غذائية وغير غذائية إلى الشعب الجزائري في اعقاب الإنتفاضة الشعبيّة في تشرين الأوّل – أكتوبر 1988، وهي انتفاضة عبّرت عن مدى كره الشعب الجزائري للنظام العسكري القائم منذ الإنقلاب الذي نفذه العقيد هواري بومدين في العام 1965.
كانت قمّة الجزائر فرصة كي يثبت النظام الجزائري قدرته على التطور والتخلص من اسر عقد الماضي. لكنّه أضاع الفرصة التي سنحت له. كشفت القمّة حقيقة هذا النظام الذي يسيطر عليه العسكر سيطرة تامة. في هذا المجال، أوضحت مصادر على علم بدقائق ما جرى في القمة وخلالها، أن الرئيس عبدالمجيد تبّون كان يتطلع إلى مجيء الملك محمد السادس إلى الجزائر، خصوصا أن مثل هذه الخطوة ستوفّر قيمة للقمة العربيّة وتعطي معنى لها. فقد استضافت الجزائر القمة بعد اضطرار النظام إلى التراجع نهائيا عن فكرة دعوة بشّار الأسد إلى الجزائر... لكن التعليمات التي صدرت من المجموعة العسكريّة إلى تبون منعته من السعي إلى الترحيب بحضور العاهل المغربي القمّة. فوق ذلك، لجأ العسكر، مستخدمين الأجهزة الأمنيّة، إلى مضايقة الوفد المغربي الذي كان موجودا في الجزائر تحضيرا للقمّة. لم يكن التركيز على وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة ومساعديه فحسب، بل شملت المضايقات أيضا الوفد الإعلامي المغربي... إضافة إلى اعلاميين عرب وأجانب سعوا إلى الحصول على وجهة النظر المغربيّة.
كانت الطريقة التي تعاملت بها الأجهزة الجزائريّة مع الوفد المغربي سابقة في تاريخ الإجتماعات العربيّة. لكنّه كان، لطريقة التعامل هذه، جانب إيجابي واحد نظرا إلى أنّها كشفت طبيعة هذا النظام ومدى معاناته من العقدة المغربيّة. كذلك كشفت إلى أي حد يبدو مستعدا للذهاب عندما يتعلّق باظهار العداء للمغرب بغية تنفيس الإحتقان الداخلي.
بعد فترة قصيرة من انعقاد القمّة، انصرفت كلّ دولة عربيّة إلى الاهتمام بشؤونها الداخلية وكيفية حماية نفسها من المخاطر التي يشهدها العالم، خصوصا في ضوء الحرب الأوكرانية. على العالم العربي، أو العوالم العربيّة، الاهتمام بما تشهده ايران من تطورات داخلية في غاية الخطورة. من الواضح أنه بات على كل دولة عربيّة، تحترم نفسها، التعاطي مع نظام لا همّ لديه غير المضي في مشروعه التوسّعي الذي في أساسه تدمير المؤسسات في هذه الدولة العربيّة أو تلك. ليس لبنان الذي انهار كلّيا سوى مثال على ما يستطيع المشروع التوسّعي الإيراني عمله.
نجح النظام الجزائري في امر واحد. نجح في جعل اللغة الخشبية تسيطر على اعمال القمّة التي اكتفت بـ"ادانة كل انواع التدخل في الشؤون العربيّة". لم تسمّ القمة في البيان الصادر عنها ايران وميليشياتها المنتشرة في أماكن مختلفة من بينها العراق وسوريا ولبنان واليمن.
هل ينجح النظام الجزائري في جعل القمّة التي استضافها نموذجا لما على العرب تفاديه في المستقبل؟ يبدو أن ما حصل خلال القمة وبعدها يوفر جوابا عن هذا السؤال الذي يجعل بلدا مثل المغرب، صاحب حسابات خاصة به تقوم على الدفاع عن نفسه وعن مصالح شعبه، خصوصا بعدما وقف العرب الشرفاء إلى جانبه ودعموا وحدته الترابية وطرحه في ما يخصّ أقاليمه الصحراويّة.
من حسنات مرحلة ما بعد قمّة الجزائر أنّ هذه القمّة كشفت وجود عرب المنطق وعرب اللامنطق... عرب القرن الواحد والعشرين وحقائقه وعرب الأوهام الذين يرفضون الإستفادة حتّى من تجربة التعاطي مع الإتحاد السوفياتي ثم مع روسيا فلاديمير بوتين التي يتبيّن يوميا إلى أي درجة صارت مرتمية في الحضن الإيراني.
الجزائر تايمز خير الله خير الله
تعليقات الزوار
. إتقوا الله في أنفسكم يا عرب
كثيرا ما دعا ملك المغرب الجائر للحوار لكنها رفضت . ماذا جنت الجزائر من دفاعها عن البوليزاريو؟ الرابح الأكبر هي الدول الغربية التي تستغل الوضع لبيع أسلحتها لهدين البلدين الجارين . وشعوبها في أمس الحاجة لتلك الأموال التي تصرف في شراء هذه الأسلحة. إتقوا الله في أنفسكم يا عرب