أكد وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن أن لدى كييف فرصة لاتخاذ القرار بشأن توقيت ومضمون مفاوضاتها مع الجانب الروسي.
وكانت السفيرة الأمريكية لدى “الناتو” جوليان سميث قد قالت، في وقت سابق، إن الولايات المتحدة “تأمل في بدء مفاوضات بشأن أوكرانيا في المستقبل”، مستذكرة تصريحات الرئيس الأمريكي جو بايدن بشأن أن القتال في أوكرانيا “يجب أن ينتهي بالتوصل إلى اتفاق”.
المدهش في الأمر هو ما يبدو من تلك التصريحات، وكأن روسيا تحارب أوكرانيا، دون الوضع في الاعتبار بأن روسيا إنما تقوم بعمليتها العسكرية الخاصة لاستعادة، وليس “احتلال”، أراضيها التاريخية إلى حضن الوطن الأم روسيا، ولحماية شعبها من سياسة التصفية العرقية التي اتبعها النظام في كييف على مدار 8 سنوات عقب انقلاب كييف الشهير، بدعم وتأييد من واشنطن والغرب.
اليوم، يمكننا القول بكل ثقة إن تلك العملية العسكرية حققت أهدافها بالكامل تقريبا، باستثناء بعض الإجراءات العسكرية والإدارية لتثبيت حدود الأراضي التي تم استعادتها وإنشاء هياكل المؤسسات الروسية في المناطق الجديدة وفقا للدستور الروسي كما هو متبع على كافة الأراضي الروسية، وما تبقى من الأهداف أصبح متاحا من خلال التفاوض.
إلا أن التفاوض لن يكون على أي من الأراضي الروسية تاريخيا، حيث سيكون الرد حاسما على أي محاولات للاعتداء على الأراضي الروسية، على أن قوات العملية العسكرية إلى جانب مئات الآلاف ممن انضموا مؤخراً إلى القوات المسلحة الروسية، ستحمل على عاتقها مهمة حماية الحدود الروسية الجديدة، والتي تبلغ تقريباً 1000 كيلومتر، ومحاربة العناصر القومية الأوكرانية المتطرفة، والمرتزقة، وغيرهم من الإرهابيين الذين ينتهجون التخريب ويستهدفون المدنيين العزل، وروسيا لا تتفاوض مع هؤلاء.
كان الأفضل لوزير الخارجية الأمريكي بلينكن أن يعلن عن فرص حوار بين واشنطن وموسكو لإنهاء الحرب التي تقودها واشنطن و”الناتو” ضد روسيا، على جبهات عدة عسكرياً واقتصادياً وإعلامياً، ذلك أنه الطريق الوحيد الذي يمكن أن يفضي إلى حل الأزمة الأوكرانية وإنقاذ ما تبقى من الدولة الأوكرانية، وحماية الشعب الأوكراني من حماقة الفئة الباغية التي تتحكم في مصيره.
فقط في هذه الحالة يمكن أن تقبل روسيا الجلوس إلى طاولة التفاوض، حيث يمكننا الآن القول إن روسيا أثبتت للعالم أجمع أنها انتصرت على كل الجبهات، وألحقت هزيمة نكراء بالغرب بأجمعه، والذي كان يراهن على انهيار الاقتصاد الروسي واندلاع خلافات واضطرابات حادة داخل المجتمع الروسي، إلا أن ما حدث كان العكس تماماً، فأصبح المجتمع الروسي أكثر تماسكاً، وأثبت بما لا يدع مجالاً للشك انتصاره على مستوى الجبهة الداخلية، وتماسك ولا يزال الاقتصاد الروسي متماسكاً على الرغم من أكبر وأطول عقوبات اقتصادية ضد دولة.
لقد راهن الغرب، من خلال حملته الإعلامية الموجهة، وحربه الهجينة، أن يحدث شرخاً داخل المجتمع الروسي، وأراد أن يصور الجيش الروسي والقيادة الروسية وكأنها قررت القيام بعمليتها العسكرية الخاصة دون أن تكون مستعدة على أتم الاستعداد، وأنها اتخذت قرار التعبئة الجزئية لما أسموه بـ “تفادي احتمال الهزيمة”، إلا أن هذا الاستهتار بإمكانيات القيادة الروسية لم يكن سوى غباءً محكماً من جانب الغرب، بينما أثبتت القيادة الروسية، على العكس تماماً، قدرة فائقة على إدارة الأزمة، ودقة شديدة لا تحتمل الخطأ في مراحل مصيرية تمر بها روسيا ويمر بها العالم، وكل الخطوات التي قامت بها القيادة السياسية مدروسة لمدى عشرة خطوات مقبلة.
وعودة إلى تصريح وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، أقول إن أمام واشنطن فرصة ذهبية للاتفاق على توقيت المفاوضات مع روسيا، حفاظاً على ماء الوجه وإنقاذ الولايات المتحدة الأمريكية ودول “الناتو” من الهزائم اليومية التي يتعرضون لها عسكرياً واقتصادياً، بينما لا يبدو الزمن في صالحهم أبداً. وإذا كانت هزيمتهم اليوم على حساب ضحايا الجيش الأوكراني، فلربما تتطور الأحداث وتبدأ خسائرهم في المستقبل القريب على حساب ضحايا قوات حلف “الناتو”، ودمار بلدانه، والعسكريين في “البنتاغون”، وجميع الأطراف يدركون أن روسيا لا يمكن أن تهزم. ربما لهذا السبب بادر وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن بالاتصال بنظيره الروسي سيرغي شويغو، وبدأت وسائل الإعلام الغربية تروّج لذلك الاتصال بوصفه “اتصالات سرية أمريكية روسية” وإلى أنه “تم التوصل إلى اتفاق”، إلا أن ذلك ليس صحيحاً بالمرة، وروسيا إنما تعمل دائماً في العلن والوضوح. إلا أن مخططات الغرب للحرب على روسيا، والتحكم بجغرافيتها وثرواتها الطبيعية هي ما ينكشف يوماً بعد يوم.
أخاطب وزير الخارجية الأمريكي: لديكم فرصة للبدء بمفاوضات مع روسيا بدلاً من المأساة التي يتسع نطاق تأثيرها كل يوم، من أجل إنقاذ ما تبقى من أوكرانيا ومساعدة الشعب الأوكراني للخروج من هذه الأزمة.
أخيراً وليس آخراً، أود أن أخاطب جميع من لا يعي قدرة القيادة في روسيا والشعب الروسي وحجم وجاهزية الإمكانيات التي تتمتع بها روسيا، ممن وقعوا تحت تأثير الآلة الإعلامية الغربية، ويتوهمون أن روسيا تواجه “الناتو” دون أن تكون مستعدة لذلك، أو أنها اضطرت لتغيير قائد العملية العسكرية الخاصة بسبب خطأ في القيادة.
لقد تغير قائد العملية العسكرية الخاصة دون أن يكون ذلك مرتبط بعجز أو تقصير، فالجنرال ألكسندر لابين تمكن من استعادة جميع أراضي روسيا والمناطق التي جرى فيها الاستفتاء الشعبي للانضمام إلى روسيا في جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك الشعبيتين ومنطقتي زابوروجيه وخيرسون، ولكن تغيير القيادة كان بسبب بداية مرحلة جديدة، وهي كما ذكرت في البداية متعلقة بتغيير مهام العملية العسكرية الخاصة من تحرير واستعادة الأراضي الروسية بالإضافة إلى مكافحة الإرهاب الدولي في المناطق التي تمت استعادتها لحضن روسيا، وأكرر أنه ليس هناك أي تقصير أو أخطاء في سير العملية العسكرية الخاصة منذ أن تم التخطيط للقيام بها حتى الآن، وكما هو مخطط لها في المستقبل.
كذلك، وبهذا الصدد، أود التأكيد على أن ما جرى في خيرسون لم يكن انسحاباً للقوات الروسية أو ترك لهذه المناطق، وإنما هو إعادة تموضع للقوات الروسية. فلا يمكن أن تنسحب تلك القوات أو تترك أراضيها على هذا النحو، وإنما هو التكتيك العسكري، خاصة فيما يخص محاربة وتصفية الإرهابيين، وهو تكتيك له قواعده التي من أهمها تفادي وقوع الضحايا بين المدنيين، وضمان التعداد والإمدادات الخاصة المكلفة بهذه المهمة، وإضافة إلى ذلك فلا يمكن أن تتخذ إجراءات إعادة الانتشار أو التمركز إلا عندما تكون القيادة واثقة بنسبة 100% من تنفيذ المهام المكلفة بها من القيادة العليا، والقائد الأعلى للقوات المسلحة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وأركانه يعرفون تمام المعرفة كيف يحسمون هذه الحرب، وكيف يسيرون في الاتجاه الصحيح الذي يفضي في نهاية المطاف إلى النصر في الحرب، ضد من تقودهم الولايات المتحدة الأمريكية لإعاقة استمرار حركة عقارب الزمن، وانتقال العالم إلى التعددية القطبية وعلى كافة الجبهات.
تعليقات الزوار
لا تعليقات