قال تبون وهو يجيب على سؤال حول معتقلي الرأي، في حواره التلفزيوني الاخير، أن الجزائر « لن ترتكب أفعالا تستدعي التدخل الأجنبي »… ا
هذه الجملة وحدها تلخص نظرة الحكام في الجزائر إلى حقوق الإنسان وكرامة المواطن الجزائري. هذه العبارة تعني أن حكامنا لا يبالون بحقوق المواطن وكرامته، بل هذه المسألة تعتبر بالنسبة لهم ورقة من الأوراق الديبلوماسية التي ينبغي تسييرها بالشكل الذي يبعد عن الجزائر التدخل الأجنبي
والحقيقة لم يحدث أن تدخلت قوى أجنبية في أي دولة في العالم بسبب خرق حكامها حقوق الانسان، بل كل التدخلات حدثت خرقا لحقوق الإنسان وخدمة لمصالح إقتصادية وجيوسياسية. هناك هيئات أممية وقنوات رسمية يتم من خلالها الدفاع عن حقوق الإنسان والحكومات مطالبة بالرد على مراسلات هذه الهيئات وتنفيذ قراراتها في هذا المجال بعيدا عن أي تدخل أجنبي في شؤونها الداخلية
أما التدخلات الأجنبية، فهي تقوم أولا وأساسا على تجاوز الشرعية الدولية. فلم يطلب بوتين رأي الامم المتحدة لاجتياح أوكرانيا، بل قام بتعطيله، ولم تطلب الجماعات الإرهابية راي الأمم المتحدة لاجتياح مالي… وحين امتنعت روسيا عن استخدام الفيطو ضد التدخل الغربي في ليبيا وأشهرته للدفاع عن بشار الأسد، فكان كل ذلك بدوافع جيواستراتيجية لا علاقة لها بالشرعية الدولية أو مبادئ حقوق الإنسان
ومن هذا المنطلق إذن، تعلم السلطة الجزائرية انها خسرت المعركة الإجرائية أمام المدافعين عن حقوق الإنسان في الهيئات الأممية وأنها مضطرة للافراج عن كل معتقلي الرأي الموجودين في السجون. لكنها في المقابل تعلم ما لا يجب فعله حتى لا « تستدعي التدخل الأجنبي »، وبعبارة أخرى هي بصدد السهر على ضمان مصالح كل أطراف الصراع الدولي الراهن
وطالما لا يوجد داعي للتدخل الأجنبي في الجزائر، فإن السلطة ستواصل تسيير ملف حقوق الإنسان وتواصل التماطل في الإفراج عن كل معتقلي الرأي. وهي بذلك تسعى لتسوية هذا الملف على طريقتها، وتتمثل هذه الطريقة في برمجة المحاكمات وتسليط عقوبات تعادل الفترات التي قضاها هؤلاء المعتقلين في السجون، حتى لا تعترف ببراءتهم ولا تعترف بوجود معتقلي الرأي
كما تسمح هذه الطريقة في تسيير الملف، بابقاء الضغط على الساحة السياسية، زيادة على توظيف ورقة المعتقلين السياسيين في الحملات الانتخابية المستقبلية. وواضح من البيان الاخير الذي أوردته وكالة الأنباء الجزائرية بخصوص المنظمات التي ترحب بماكرون وتطالبه بوضع حد للمنظمات الإرهابية التي تنشط في فرنسا تحت غطاء حقوقي، أن السلطة لا تريد مناقشة ملف حقوق الإنسان مع أي كان، سواء في الساحة السياسية الوطنية أو في الساحة الدولية.
وواضح أيضا من خلال غياب أسماء المنظمات الموقعة على البيان، أن السلطة في الجزائر لم تعد بحاجة لالباس مواقفها لباس الشرعية أو المصداقية، بل كلما يهمها هو تمرير رسالتها، والرسالة مرت قبل حتى صدور البيان المجهول الهوية.
فقد كشفت للرئاسة الفرنسية عن كل محاور الزيارة، دون أن تشير إلى ملف حقوق الإنسان. وأكثر من ذلك كشفت عن إبعاد كل الملفات مخل الخلاف بين الطرفين، خاصة ملف الذاكرة الذي لن يعرف أي جديد. وسيظهر مرور الرسالة أكثر حين تنتهي زيارة ماكرون للجزائر
تعليقات الزوار
لا تعليقات