أخبار عاجلة

متى تستوعب الجزائر الدّرس من الحرائق وتستبق الأزمة؟

تُبقِي الجزائر اليوم سجّل الضحايا مفتوحًا بسبب استمرار اشتعال النيران التي مست أكثر من 14 ولاية جزائرية كما تسجّل العشرات من الجرحى والمفقودين، فضلًا عن عشرات الهكتارات من الغابات جراء هذه الحرائق، فالأرقام وحدها لا تكفي لرصد حجم السّواد والخراب الذي مسّ القرى والدواوير والجبال والغابات بسبب النيران في مقابل الإبقاء على خطاب رسمي يتمسك بسرد الأرقام وتقدم الحلول الآنية.

يوم الخميس 18 أوت 2022، يوم أسودً كان يومًا أسودًا استفاق فيه جزائريون على حرائق في عدة مناطق خاصة في الجهة الشرقية، بينما تظلّ الأسئلة المطروحة الآن في المرحلة الأولى هي: كيف نطفئ الحرائق في عدد من ولايات الجزائر؟ وكيف يمكن تقليل الخسائر قدر الممكن وإبعاد السكّان عن مناطق الخطر؟ وكيفية توفير المعدات اللوجستية الضرورية؟ كيف ندير الأزمة إعلاميًا بحيث لا نخلق المزيد من الهلع والرعب في الوقت نفسه لا نداري الحقيقة ونعطي للرأي العام المعلومة؟

أما في المرحلة الثانية يجري تقييم الخسائر وجبر الضّرر وتعويض المتضرّرين، وننتقل إلى المرحلة الثالثة المتعلّقة بالجانب التقني محاسبة المسؤولين المتقاعسين وفحص الأسباب والمعوقات التي لا تترك فرق الحماية المدنية أن تشتغل وتأدية واجبها، بينما تتمحور المرحلة الرابعة، في الذهاب نحو التدبير في علاقة بالعجز الحكومي والوسائل القليلة في مجابهة " كارثة" فأين هي الخطط الاستباقية لمثل هذه الكوارث.

الخطاب الرسمي يتوقف عند عدّ الضحايا ومساحة الهكتارات وحجم الخسائر، في 29 منطقة اشتعلت فيها النيران، لكن في المقابل تعيد هذه الحرائق طرح تساؤلات حيال إدارة الأزمات وخلايا الأزمة الفورية وجدواها؟

في الميدان، صور النيران وهي تلتهم البشر والحيوانات والأشجار وتصريحات المواطنين واستغاثتهم صادمة جدًا، ومازال هناك عشرات الجرحى يحتاجون الإسعافات في ولايات الطارف وسوق أهراس وتبسة وقسنطينة، وهنا هروب جماعي لعلائلات بقيت دون مأوى، في مقابل ذلك تخسر الجزائر حظيرة القالة وغاباتها التي تعتبر من أهم المناطق في الجزائر، بمحميتها الطبيعية.

مجدّدًا تدقّ الحرائق المستجدة ناقوس الخطر، إذ لم تستوعب الحكومة الدرس الذي شهدته الجزائر العام الماضي بسبب الحرائق أيضًا، حيث تكشف المشاهد والصور المهربة من الميدان أن المواطن في قلب النيران وأن خلية الأزمة أو إدارة الأزمة لم تفتح بعد سجلاتها لتتوقى الحذر خاصة في فصل الصيف وارتفاع درجات الحرارة القصوى.

أسباب في غياب الإدارة

تتعدد أسباب الحرائق المشتعلة في الشرق الجزائري، وهو ما ستكشفه التحقيقات الرسمية خلال الأيام المقبلة، لكن في المقابل فإن إدارة الأزمة هي توقي حدوثها في الكثير من الحالات أو تفاديها بأقل الأضرار، كما ترى الإعلامية سمية متيش، ففي "حالة الحرارة والحرائق فإن إدارة الحكومة للأزمة المباغتة تكمن في اللحظة العاجلة والتعامل معها بعقلانية وسرعة تفوق سرعة الحدث".

وأضافت متيش أن الإدارة لهذه الأزمة الخطيرة غير واضحة المعالم، وذلك ما يظهر جليًا في عدم توفر الوسائل اللازمة لوقف انتشار النيران وإنقاذ السكان وهو ما حولها إلى كارثة حقيقية بخسائر بشرية وحيوانية وزراعية ".

رغم التصريحات الرسمية منذ العام الماضي ومخرجات اجتماعات الحكومة واجتماعات مجلس الوزراء بخصوص رصد أغلفة مالية لتعويض ضحايا الكوارث الطبيعية، وتكرر خطابات حول اقتناء طائرات لإطفاء النيران، يعيد الوضع اليوم طرح سؤال طالما تكرر في كل مرة، مفاده: أين إدارة الكوارث وتقليل المخاطر؟ 

يتحدث البعض في الاتصال الأزمات أن الجزائر لا تعطي أهمية للتخطيط والاستشراف عمومًا، خاصة وأن الكوارث التي مرت بها الجزائر من فيضانات وزلازل وحرائق تستدعي تخصيص هيئة رسمية لاستشراف الكوارث الطبيعية وتوفير الإمكانيات الضرورية لتقليل خطورتها.

هنا، يذكر خبراء في عديد التصريحات أن الهيئة تعتدّ أولًا بتنظيم الخلايا الفرعية للأزمات عبر مختلف مناطق الوطن، إذ لفت أستاذ الاقتصاد عزيز موسوس من جامعة قسنطينة شرق الجزائر لـ"الترا جزائر"، إلى أنه لا يمكن تجنب أي خطر من المخاطر الطبيعية لكن في الوقت نفسه يمكن تلافي ثقل حجم الخسائر وخاصة البشرية منها ومواجهة مخلفاتها".

وأضاف موسوس بأن" استشراف الأزمات هو متاح خصوصًا مع التقلبات المناخية بفعل الحرارة المرتفعة، فكلما وضعنا المخططات اللازمة في فصل الصيف على سبيل المثال ورصد الإمكانيات اللازمة لمواجهتها كلما كانت الأزمة أقلّ حدة على الصالح العام".

الظروف المناخية والمتغيرات الجوية هي أيضًا حجر الزاوية، إذ تفيد تقارير دولية وهيئات متخصّصة في المناخ أن الجزائر تقع في جغرافيا محفوفة بالمخاطر بسبب ارتفاع درجات حرارة الأرض ومهددة بالحرائق والجفاف، لكن في المقابل لم تتخذ السلطات أي مخطّط خاص بالطّوارئ خاصّة ما تعلق منها بالحرائق، واستباق الأزمات.

استباق الأزمة؟

في السياق، لا يمكن التكهن بالكوارث الطبيعة، ولكن منذ بداية الصيف والأرصاد الجوية تحذر من تقلبات الطقس والحرارة المرتفعة، إذ ينظر البعض إلى حجم الخسائر البشرية والطبيعية والامكانيات الطبية المتاحة بعين النقصان، فالحقيقة أن الحكومة الحالية لا تملك "ثقافة الوقاية الاستباقية".

سياسيًا، يثير هذا العامل المتعلق باستباق الكوارث أن الحكومة بمختلف الدوائر الوزارية باتت في عين الإعصار، خصوصًا وأن الحرائق تكشف الكثير من الخيبات، فمن يصدق أن محمية القالة قد انتهت أو أنّ الجزائر تواجه كارثة متعددة الأوجه؟

انتشار النيران بسرعة فاقة بسبب الرياح يبين السياسة الفاشلة للمسؤولين في أغلب القطاعات، إذ لفتت مصادر إعلامية لـ"الترا جزائر" أن اتساع رقعة الحرائق خلال الأسبوع الماضي، سيثير غضب الجزائريين من تجاوب الحكومة مع الكارثة، وهو ما ظهر جليًا عن تساؤلات الجزائريين في وسائل التواصل الاجتماعي عن شراء طائرات الإطفاء على سبيل المثال، وعن عدم قدرة وصول فرق الحماية المدنية إلى بعض المناطق لغياب المسالك الغابية المهيأة لذلك.

تكرار الخطأ

شهدت الجزائر العام الماضي حرائق مشابهة خلفت عشرات الضحايا وخسائر لآلاف الهكتارات من الأراضي الغابية والزراعية قدرت بـ100 ألف هكتار علاوة على خسارة هائلة في الثورة الحيوانية، وعقب ذلك تعهد الرئيس عبد المجيد تبون بشراء الطائرات المخصصة لإطفاء النيران، ثم تم كراء واحدة من روسيا غير أنه أعلن أن هذه الطائرة المخصصة للحرائق أصابها عطب يحتاج ثلاثة أيام للإصلاح، ليبقى السّؤال مطروحًا: متى نستوعب الدَّرس؟

اضف تعليق

شارك

تعليقات الزوار

لا تعليقات