يبدو أن الممارسة النّقابية في الجزائر تتجه نحو غلق اللّعبة النضالية في مختلف القطاعات على المطالبة بالحقوق المهنية والسوسيو-اقتصادية فقط، إذ شدد الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون خلال انعقاد اجتماع مجلس الوزراء الأخير على الفصل النهائي والكلي بين العمل النقابي والعمل الحزبي، أي فصل النقابات عن ممارسة السياسية، فهل هو تصور جديد –قديم لاعتبار الاتحاد العام للعمال الجزائريين هو الشريك الفعلي للحكومة؟ أم أنها خطوة ضمنية لعدم الاعتراف بالتنظيمات المستقلّة كشركاء اجتماعيين؟
ودعا الرئيس تبون الحكومة إلى تمتين مسودة القانون بمواد تنظيمية تمنع الخلط بين العمل النقابي والفعل الحزبي، وهو مؤشر على تضييق الممارسة النقابية وحصرها في العمل المهني مع منع أيّ ارتباط عضوي وتنظيمي بين النّقابات والأحزاب السياسية، ووضع آليات واضحة لوقف التّجوال النّقابي، و"عدم المزج بين الممارسة النقابية والسياسية"، حيث لكل مجال إطاره القانوني الواضح.
كما تعرّض المجلس الوزاري بالنقاش حول مسودة القانون التي تشتمل على الحقّ النقابي وكيفية إنشاء النقابات وشروط الانخراط فيها، فضلًا عن القطاعات التي يمكن فيها ممارسة الفعل النقابي، وعلاوة على ذلك سيفرد القانون خانة للحقّ في الإضراب وشروطه وجوانه القانونية".
وبالرجوع إلى هذه التوصيات التي خرج بها مجلس الوزراء، يتضح جليًا أن مستقبل النقابات سيكون محصورا بين أسوار المؤسسات الشغيلة فقط خاصة أنها برزت كثيرا في الإضرابات أو " الحراك العمالي خلال العشر سنوات الأخيرة، إذ من الواضح أن مشروع القانون الجديد المنتظر حسب بعض المعطيات، سيتم حصره في تدابير تأسيس النّقابات العمالية والمهنية إضافة إلى طرق ممارسة العمل النقابي وتسيير الحقّ النقابي، وهو ما ينسجم مع مواد وأبواب الدستور الجزائري.
خطّ فاصل بين الحزب والنّقابة
اعتراف السّلطة بالنّقابات حسب مخرجات الاجتماع الذي ترأسه تبون يتعلق أساسًا في كون "ممارسة الحقّ النّقابي ركيزة أساسية من ركائز الديمقراطية وإن دستور 2020 يكفل ويكرّس هذا الحق"، مبرزاً أن "مراجعة قانون كيفيات ممارسة النشاط النقابي ينبغي أن تتماشى ولوائح المكتب الدولي للعمل".
ووجب التذكير أن الرئيس تبون سبق له أن دعا إلى أن يراعي القانون الجديد الخاص بالعمل النّقابي التمثيل الحقيقي للنّقابات مع إشراك النقابات القطاعية في استحداث آليات قانونية لتقييم الأداء النقابي"، متحدثاً عن "أهمية الفصل بين العمل النّقابي، والمسؤولية في التسيير والانتماء السياسي". وشدد تبون على "العودة إلى أبجديات العمل النقابي المعمول به دوليًا، والمتمثّلة في الدفاع عن حقوق العمال وترقية مناخ العمل، والابتعاد نهائيًا، ضمن القانون، عن الممارسات السياسية، والارتباط العضوي بين النقابات والأحزاب".
من خلال هذا المعطى، هل يمكن الفصل بين العمل النّقابي والسياسي، خاصة إن كان الأول يسعى للدفاع عن حقوق العمال وتسيير خطة المهنة مع ربّ العمل، بينما ينحصر الثاني في فعل وردّ فعل وقوة مقترحات، كما تتقاطع ممارسة العمل النقابي والعمل السياسي في عدة مشاغل أهمها: حرية التعبير ورفع المطالب ومراقبة العمل الحكومي والدّفاع عن حقوق العمال والتأسيس لمقترحات تهمّ طبقة واسعة من الفئات في المجتمع.
كيانات مُقلِقة
الملاحظ أن العشرات من النقابيين منخرطون في العمل السياسي أو تحت مظلّة أطُر حزبية، وهو ما تخشاه السّلطة الحالية، أو بالأحرى تتوجّس منه، خاصة مع رؤية نتاجها في الحراك الشعبي في فيفري2019 من خلال المظاهرات الأسبوعية وتلاحمها مع مختلف مكوّنات المجتمع في مطالب التغيير والتعبير عن رفض بعض السياسات التي اقترحها السلطة آنذاك، بل وأكثر من ذلك برزت وجوه نقابية في الشّارع من بوابة السياسة وأطروحات التغيير المنشود.
لم تتحمل الحكومة والسلطة ككيان سياسي تدخّلات بعض النقابات المستقلة، خصوصًا في فترة ما قبل الحراك الشعبي، ومعظم تحركاتها في وجه بعض القرارات من مخرجات دوائر وزراية أو حكومية، وهو ما شكّل ضغطًا كبيرًا على الحكومة، إذ كانت النقابات المستقلة بابًا من أبواب الحركات الاحتجاجية، والإضرابات والخروج عن طوع القرارات الحكومية خاصة على مستوى عدة قطاعات حساسة كالتربية والصحة والوظيفة العمومية والبريد والنقل.
بعيدًا عن الاتّحاد العام للعمال الجزائريين الموالي للسّلطة، فإن النّقابات المستقلّة استطاعت أن تتحكّم في هذه القطاعات، إذ تمتلك تمثيلًا معتبرًا حسب النقابي مراد خلاصي من نقابة عمال التربية، إذ لفت إلى أن "العمل النقابي يظلّ هاجسًا سواء لرب العمل أو للحكومة".
وأضاف خلاصي في تصريح صحفي أن القطاعات التي ينضوي تحتها الآلاف من العمال تشكّل قوة من جهة وحشد تغييري بإمكانها أن تشلّ هذه القطاعات من جهة أخرى، وبذلك تعتبر مصدر قلق للحكومة ولأي دائرة وزارية".
استنادًا إلى هذا التصريح وحتى نظريا فإن الفعل النقابي هو فعل سياسي في الأساس، والفصل بينهما صعب المنال، في علاقة بتمسّك البعض بتوجهاتهم الأيديولوجية وانخراطهم تحت مظلّة الأحزاب، لذا فالسّؤال الأكثر طرحا بالنسبة للمهتمين بالشّأن النّقابي هو: هل سيتمكن القانون من تحديد آليات الانخراط في النقابات وماهي آلياته وآليات المنع أيضا؟
وبالإشارة إلى ذلك، فإن تقييد الحرية النقابية ومنع السياسية على النقابيين -حسب رأي البعض-ممّن تحدثت معهم " الترا جزائر" هي محاولة تدجين النّقابيين الرّافضين لبعض السّياسات الحكومية، وتمييع العمل الديمقراطي الذي أساسه الحرية في ممارسة التّعبير والنّشاط وقوّة الاقتراح وتنويعه أيضا.
من منظور آخر، وجب الانتباه إلى دعوات النقابيين منذ خمس سنوات ماضية الرامية إلى مراجعة قانون الممارسة النقابية، إذ تجاهلت مختلف الحكومات التي جاءت عقب تعديل الدستور الجزائري في سنة 1989، وخاصة في جزئية تتعلق بقانون 90/14 الذي يحدد الممارسة النقابية الصادر في 1990، ضمن جملة من القوانين الناظمة لعديد الممارسات كممارسة مهنة الإعلام والممارسة الحزبية، إذ بات القانون النقابي منذ أزيد من ثلاثة عقود، لا يتماشى مع المطالب العمالية.
السياسة النقابية
هل المطالبة بتحسين القدرة الشرائية وخفض الأسعار وغيرها من المطالب ممارسة للسياسة أم الوقوف إلى جانب الموظّف والعامل؟ سؤال طرحه أستاذ علم الاجتماع السياسي فريد بلواهم، إذ تهدف الحكومة ككيان في السلطة التنفيذية إلى الالتفاف حوله أو بالأحرى تجاهل جزء منه كسؤال ظلّ يُراوح طيلة العشرية الأخيرة، إبان الإضرابات والاحتجاجات العمالية.
ولفت محدث " الترا جزائر" إلى أنه لحدّ الآن لم يتم اعتماد كونفدرالية النقابات المستقلة من قبل وزارة العمل، إذ رغم ذلك رافعت العديد من النقابات من أجل رفع حالة التّضييق على الحريات النّقابية، وهل يمكن الفصل بين العمل النّقابي عن البعد السياسي والاقتصادي وحتّى الثّقافي؟
هذه الأسئلة يُفترض على المشرّع أن يضعها قيد الحُسبان، خصوصًا أن المشهد السياسي العام في البلاد يؤشّر إلى إعادة إنتاج الظروف الاقتصادية والاجتماعية نفسها والتي بدورها تدفع إلى الغليان الاجتماعي في عدد من القطاعات.
تعليقات الزوار
لا تعليقات