“أخنوش ارحل”، وسم هو اليوم الأكثر شعبية على مواقع التواصل الاجتماعي بالمغرب، أطلقه مواطنون منذ أمس، مطالبين برحيل رئيس الحكومة، الملياردير، عزيز أخنوش، احتجاجًا على غلاء اسعار المحروقات في البلاد، رغم انخفاض السعر دوليًا.
وبالتوازي مع مطلب رحيل رئيس الحكومة، يطالب المواطنون، في هذه الحملة الافتراضية، بتخفيض ثمن الغازوال إلى 7 دراهم، والبنزين إلى 8، وهي الأثمنة التي كانت قبل وصول أخنوش لرئاسة الحكومة.
رئيس الحكومة.. “تاجر يجني الأرباح”
ويمتلك رئيس الحكومة، سلسلة محطات الوقود “إفريقيا”، الأكثر انتشارًا في البلاد، ويساهم الملايين من السائقين المغاربة، كل يوم بزيادة ثروة عزيز أخنوش، “وزير البر والبحر”، كما كان يطلق عليه، عندما كان وزيرًا للزراعة والصيد البحري.
وقال يونس مسكين، الصحفي والباحث في العلوم السياسية، أن ارتفاع الاسعار بالبلاد، “لا علاقة له بجودة التدبير من عدمه، ولا بجائحة ولا حرب ولا قحط ولا حرائق، الكارثة العظمى في كل ما يجري أن يكون المسؤول الأول عن التدبير الحكومي تاجر يجني الأرباح من كل ما يحصل، والدليل الأوضح هو أرقام فوربس حول حجم الثروة”.
ويضيف مسكين، في تدوينة بحسابه الشخصي على “فيسبوك”، “حتى إذا كان كل ما يحصل من قضاء الله وقدره، يحتاج المغربي إلى الشعور بأن من يقف على تدبير ماليته العامة وخزينة ضرائبه، إنسان يشبهه، يشعر بما يصيبه، يصله ولو جزء يسير من ضيق عيشه”.
“أما أن يطالب المغاربة بتحمل الجوائح وانعكاسات الحروب والجفاف، وفوق ذلك شخص ينتفخ ثروة يوما بعد آخر، فهو ضرب من التنكيل”، يوضح مسكين.
“العلاقات الوثيقة بين المال والسلطة تتجلى على حساب المجتمع”
يرى الخبير الاقتصادي المغربي، فؤاد عبد المومني، في مقال منشور على موقع “أوريان 21″، أن “العلاقات الوثيقة بين المال والسلطة، تتجلى على حساب المجتمع بصفة واضحة في تسيير المنتجات النفطية”.
ويشير عبد المومني إلى أنه “تم سنة 2015 وضع شركة “سامير” (الشركة المغربية المجهولة الإسم للصناعة والتكرير) في حالة إفلاس، وهي المصفاة الوحيدة في البلاد التي تمت خصخصتها بطريقة مثيرة للاستهجان. بعد عام من ذلك، في 2016، تم تحرير الأسعار في محطات البنزين، واغتنمت 15 شركة مختصة في استيراد وتوزيع المنتجات البترولية الفرصة لرفع الأسعار كلما ارتفع سعر برميل النفط، مع حرصها الشديد على عدم خفض الأسعار عندما تتجه في الاتجاه المعاكس على المستوى الدولي، وقد أثار هذا الموقف تذمرا واستنكارا”.
“وبينما كان محافظ البنك المركزي يصرّح علنا بأن تحديد أسعار المنتجات البترولية يثير شكوكا حول ممارسات منافية لقواعد المنافسة النزيهة، أنشأ البرلمان لجنة تقصي الحقائق حول أسعار المحروقات في 2018، أفضت إلى خلاصة لا لبس فيها، وهي أنه كان هناك اتفاق غير مشروع على الأسعار سمح لشركات معينة بجني حوالي 1,6 مليار دولار من الأرباح غير المستحقة”، يضيف عضو مكتب المغرب لـ”منظمة الشفافية” (ترانسبارنسي) غير الحكومية.
وأشار المومني إلى أن “النقابات العمالية قدمت القضية إلى مجلس المنافسة، وهو صاحب الاختصاص القانوني، وأصدر الأخير حكماً في 22 تموز/ يوليو 2020 بخصوص مخالفة قوانين المنافسة، وقرّر بأغلبية 12 صوتاً مقابل واحد فرض غرامة قدرها 9 بالمئة من رقم أعمال الشركات الثلاث الرئيسية، و8 بالمئة على الشركات الأخرى”. “غير أنه بدلا من الإعلان عن هذا القرار وتنفيذه -كما ينص على ذلك القانون- فضّل رئيس المجلس تقديمه مسبقا إلى القصر الملكي. وفي 28 يوليو، صدر بيان صحفي عن الديوان الملكي يجمّد فعليا قرار مجلس المحاسبة، ما سمح للشركات المعنية بالإفلات من العقوبة”، يقول المومني.
ويؤكد الخبير الاقتصادي المغربي في ذات المقال، على أنه منذ سنتين، وعلى الرغم من تعيين رئيس جديد على رأس مجلس المحاسبة هذا، “تستمر الشركات المعنية في تحديد الأسعار كما تشاء، محققة أرباحا ضخمة وصلت اليوم إلى 4,7 مليار دولار. وكان المستفيد الرئيسي من هذا الوضع هو السيد أخنوش، الذي تمكّن حزبه من الترشح للانتخابات التشريعية في سبتمبر 2020 دون أن يوصم بإدانة رسمية، ودون أن تنزع منه الأموال الطائلة التي كان قد أُمر بتسديدها”.
التفاوتات الاجتماعية.. تراجع بـ”قرابة تسعة عشر عامًا”
تأتي هذه الحملة الافتراضية، في وقت تحذر فيه الأرقام الرسمية وغير الرسمية من تفاقم الأزمة الاقتصادية بالبلاد، وتزايد المطالب الشعبية للمواطنين بضرورة تدخل الحكومة في حلحلة الوضع.
وقدرت وكالة الإحصاء المغربية “المندوبية السامية للتخطيط” (رسمية)، أمس الخميس، أن نمو الناتج المحلي الإجمالي الوطني “سيتباطأ إلى 1.3 بالمئة في عام 2022، مقارنة بـ 7.9 بالمئة في العام الماضي”، بسبب الجفاف وآثار الحرب على أوكرانيا.
وفي أحدث توقعاتها التي قدمتها، في ندوة صحفية بالرباط، أشارت المندوبية، إلى أن “مساهمة الناتج المحلي الفلاحي تراجعت بنسبة 13.5 بالمئة، ليبلغ إنتاج الحبوب 3.2 مليون طن، بانخفاض نسبته 69 بالمئة عن العام الماضي”.
وحذر رئيس وكالة الإحصاء المغربية، أحمد لحليمي، من “ارتفاع مستوى عدم اليقين الذي يحيط بالوضع الاقتصادي بسبب تعاقب الأزمات منذ عام 2020″، تحديدًا منذ “انتشار جائحة كوفيد-19 مرورًا بالحرب في أوكرانيا التي تسببت في ارتفاع مستويات التضخم وارتفاع عام للأسعار في البلاد”.
في ذات السياق، أعرب لحليمي عن أسفه لـ”خسارة المغرب ما يعادل عامين ونصف، من النمو في السنوات الثلاث الماضية”، وهو ما يعادل “ثلاث سنوات من محاربة الفقر”.
كما أعرب لحليمي، أيضًا عن أسفه “لأن البلاد قد تراجعت قرابة تسعة عشر عامًا في الكفاح ضد التفاوتات الاجتماعية”.
وشدد على أن “مؤشر جيني -مقياس عدم المساواة داخل أي بلد- عاد إلى المستوى الذي كان عليه في عام 2020”.
انتشار واسع للوسم مقابل صمت حكومي
وسم “#dégage_akhannouch” (أخنوش ارحل)، وصل إلى حدود اللحظة، على موقعي التواصل الاجتماعي، “فيسبوك” و”تويتر”، حوالي 300 ألفًا، وأزيد من 18 ألفًا، على التوالي.
ويقول المواطنون على أن هذه الحملة، تأتي “احتجاجا على الزيادات في أسعار البنزين”، ويطالبون بـ“تعميمها على المستوى الوطني”، من أجل أن “يعود الثمن إلى سابق عهده، بعد تجاوزه لمبلغ الـ17 درهما”، وتوقيف ما يصفونه بـ”نهب وسرقة جيوب المغاربة”. وبدأ المقاطعون حملتهم من صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، وعرفت بالمقابل تجاوبا واسعا لدى المغاربة.
في المقابل، لا زالت الحكومة، التي يترأسها حزب “التجمع الوطني للأحرار” (ليبيرالي)، تضرب جدارًا من الصمت المطبق، لاسيما وأن النشطاء يعتبرون أن حملتهم تأتي “صرخة في وجه فشل الحكومة في حماية المستهلكين المغاربة من غلاء أسعار المحروقات التي تؤثر في أثمنة المواد الغذائية الرئيسة”.
أداة حاسمة في خلق وتثبيت أو تغيير الوضع السياسي
من جهته، يرى يونس مسكين، في تصريح لـ”رأي اليوم”، أن قوة هذه الحملة “تكمن في طريقة تشكلها، عكس المرة السابقة التي انتشر فيها وسم يدعو إلى رحيل رئيس الحكومة عزيز أخنوش، حيث كان ظهوره مفاجئا وانتشاره سريعا لدرجة أثار تساؤلات حول خلفيته ومصدره وبالتالي شعر الكثيرون بالشك في خلفياته الحقيقية ومصدره”. ويوضح الباحث والصحفي المغربي، أن صعود الوسم الجديد “جاء مرتبطا بالمطالبة أولا بخفض أسعار المواد الطاقية في اليومين الماضيين، مندرجا في سياق نقاش واسع حول هذا الموضوع، كما عرف الوسم انتشارا بطيئا في البداية، خاصة في اليوم الأول، قبل أن تتسارع وتيرة انتشاره في اليوم الثاني، لكن بشكل يبقى أقرب إلى التطور الطبيعي حتى أصبح (ترند) الشبكات الاجتماعية، وهذا الجانب الشكلي؛ مهم جدا لأنه وفّر عنصر الثقة وقلّل من منسوب الشك تجاه الحملة”. ويشير مسكين، إلى أن أهمية مثل هذه الظواهر الرقمية، تكمن في أنها “باتت شكلا من أشكال التطور الذي أحدثته الشبكات الاجتماعية في النقاش العمومي، إذ لم يعد التعبير الجماعي عن الآراء والمطالب والاحتجاجات يتم بالطرق التقليدية فقط، أي العرائض والوقفات والمسيرات الاحتجاجية، بل أصبحت المنصات الرقمية توفر قناة فعالة لإيصال الصوت والتعبير عن المواقف ومشاركة المواطن في النقاش العمومي”. “قوة مثل هذه الأشكال التواصلية الجديدة، أنها أصبحت واحدا من المصادر الأساس لتشكيل الوعي السياسي، وهذا الأخير هو مصدر جميع المواقف والتصرفات السياسية التي تصدر عن الشعوب، وبالتالي تصبح هذه الوسائط، كشكل من القوة الناعمة، وأداة حاسمة في خلق وتثبيت أو تغيير الوضع السياسي، سواء في السياقات الديمقراطية أو الهجينة أو الاستبدادية”، يوضح المتحدث لهذه الصحيفة. ويزيد مسكين في توضيحه، أنه “إلى جانب هذا الأثر المباشر على المناخ السياسي، تساهم هذه الظواهر والوسائط الجديدة في التأثير على مسار صنع القرارات السياسية”. الاعلامي المغربي، يؤكد لـ”رأي اليوم”، على أنه من المعلوم في بعض النظريات، “أن القرار السياسي لا ينتج من عدم، بل لديه مسار ومراحل وعوامل تتدخل في جعل صانع القرار يتخذ هذه أو تلك. ويبرز حضور الحملات الرقمية والشبكات الاجتماعية، في مرحلة صنع أجندة صانع القرار، ودلك من خلال التدخل في عملية “التصعيد” (من الصعود)، وتحويل المطالب إلى بند ضمن جدول الأعمال الرسمي، ومن ثم ضرورة اتخاذ قرار بشأنه”. عملية “تصعيد المشاكل” هذه، كما يرى مسكين “كانت تتم في السابق بطرق كلاسيكية مثل العرائض وجمع التوقيعات وتعبئة الفاعلين المؤثرين والترافع أمامهم لإقناعهم، ثم عبر النزول الى الشارع والتظاهر… كل ذلك أصبحت الوسائط الرقمية تتيحه بكلفة وجهد أقل، وبالتالي أصبح بإمكان الشعوب، إما تلقائيا، أو تحت تأثير حملات منسقة، فرض مواضيع معينة على أجندة صانع القرار وتغيير أولوياته، من خلال نقل المطالب إلى مستوى قضايا الرأي العام”.
المقاطعة 2018
ومر رئيس الحكومة المغربي، بأسوأ لحظاته كرجل أعمال وسياسي، في نيسان/ أبريل 2018، عندما كان آنذاك وزيرًا للزراعة والصيد، حين بدأت حملة مقاطعة بالانتشار على الشبكات الاجتماعية، والتي دعت إلى مقاطعة ثلاث علامات تجارية رائدة في السوق مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بنخبة البلاد؛ إحداها كانت محطات الوقود “إفريقيا”.
وحاولت الشركة إسكات المقاطعة في البداية في الغالبية العظمى من وسائل الإعلام المغربية، التي تعتمد على اعلانات مجموعة “أكوا”، المالكة لمجموعة من شركات أخنوش، أو في وسائل الإعلام التي تنتمي مباشرة إليها، ومع ذلك، كانت المقاطعة ناجحة للغاية لمدة شهرين تقريبًا.
واتهم العديد من قادة الأحزاب السياسية المختلفة أخنوش خلال الحملة الانتخابية الأخيرة، بـ”إفساد الانتخابات بالاستخدام المكثف للمال”.
وأنفق حزب “التجمع الوطني للأحرار” (قائد الأغلبية الحكومية) بقيادة عزيز أخنوش ما يعادل 300 ألف دولار على صفحته على فيسبوك وحدها.
ثاني أغنى رجل بالبلاد
وفق مجلة “فوربس” الأمريكية، يمتلك أخنوش صافي ثروة تبلغ 2000 مليون دولار (1،691.5 مليون يورو)، ويرجع الفضل في ذلك إلى حد كبير إلى مشاركته في مجموعة “أكوا”، وهي تكتل مغربي يقع مقره الرئيسي في الدار البيضاء، ولاعب رئيسي في مجال النفط والغاز في البلاد.
وورث رجل الأعمال، حصته في “أكوا” عن والده، الذي أسس الشركة عام 1932، ولا يزال مساهمًا رئيسيًا فيها حتى اليوم، وهو ثاني أغنى رجل بالبلاد بعد الملك محمد السادس، وواحد من أثرى أثرياء إفريقيا.
كما يمتلك أخنوش حصصًا في شركة “إفريقيا غاز”، وشركة “مغرب أكسجين”، (ارتفعت أرباحها خلال جائحة كوفيد-19) ، بالإضافة إلى مجموعة “Caractères Media” ومجمع غولف ومنتجع فاخر في خليج تغازوت بمدينة أغادير، وعدة مشاريع أخرى.
تعليقات الزوار
لا تعليقات