خفّضت الولايات المتحدة الأميركية مساعداتها للجزائر للعام 2023 استنادًا إلى ما جاء في موازنة كتابة الدولة، ما يطرح العديد من الاستفهامات وسط الخبراء الذين يربطون ذلك بـ"التحالفات والاستراتيجيات الإقليمية".
ومن أصل ثلاثة ملايين دولار إجمالي المساعدات، التي رُصِدت لصالح للجزائر للعام القادم، أُدرج مليون دولار تحت بند البرنامج الدولي للتعليم والتدريب العسكري (IMET)، وهو برنامج مساعدة أمنية استحدث في 1961، يمول تكاليف تدريب الأفراد العسكريين الأجانب في الولايات المتحدة إلى جانب نظرائهم الأميركيين، وتُعدّ الجزائر، مصر، العراق، الأردن، لبنان، المغرب وتونس من أهم المستفيدين من البرنامج الأميركي بمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
وتقّلصت المخصصات التي رصدتها واشنطن للجزائر بـ300 ألف دولار مقارنة بموازنة العام 2021 والعام الجاري 2022، مثلما تُظهره موازنة التعاون الدولي لـكتابة الدولة، وراء كلّ من تونس والمغرب، حيث تم رصد مبلغ 1.5 مليون دولار لصالح المغرب للعام 2023 بانخفاض قدره نصف مليون دولار عن موازنة 2022 وستحصل تونس على 2 مليون دولار مقابل 2.3 مليون في تبلغ 112 مليون دولار .
ورغم أن تقليص الدعم خضعت له دول الجوار أيضًا، فإن الجزائر وبعكسِ جارتيها الشرقية والغربية، لا تستفيد من برامج أخرى إذ اختفى اسمها منذ فترة من قائمة دول المشمولة ببرامج "مكافحة الانتشار النووي والإرهاب وإزالة الألغام (NADR)، وكذا مبادرة الشراكة لمكافحة الإرهاب في منطقة الساحل (TSCTP)، الذي وضعته واشنطن قبل عشرون عامًا لإنشاء تحالف مواجهة التهديدات الإرهابية لتنظيمي "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي" و"الدولة الإسلامية في الصحراء الكبرى"، وتدريب قوات دول المنطقة على ذلك وتوفير مُعدّات الاتصال والرؤية الليلة لمراقبة الحدود.
وبالنسبة لبرنامج الدعم العسكري (FMF)، الذي يتضمن تزويد الجيوش بأسلحة وذخائر وقطع غيار تعتزم واشنطن منح تونس 45 مليون دولار أميركي في موازنة 2023 مقابل 85 مليون لـ 2022 و 2021 على التوالي ومنح 10 ملايين دولار للمغرب.
فيما تتصدر "إسرائيل" القائمة بـ3.3 مليار دولار تليها مصر بـ1.3 مليار دولار؛ وقُدّرت مخصصات تونس تحت بند مكافحة المخدرات وإنفاذ القانون (INCLE) 12 مليون دولار و 2.5 مليون دولار للمغرب للعام القادم.
وبالمقابل واشنطن تقدّم مليوني دولار للجزائر من صندوق التنمية الاقتصادية، وهو برنامج يختلف عن برنامجي المساعدات والتنمية الاقتصادية، وتحصل تونس على 4.5 مليون والمغرب 20.8 مليون دولار للمغرب الأقصى، وتوجه هذه الأموال لشراء منتجات زراعية أميركية مدعّمة (الذرة) وغيرها من المنتجات .
وتستفيد الجزائر، بالمقابل من برامج أخرى إقليمية تخص دعم جمعيات المجتمع المدني والرعاية الصحية وإغاثة اللاجئين، حيث عَرف حجم المساعدات الأمريكية للجزائر تقلبات عدّة فبعدما نزلت لـ 2.5 مليون دولار في 2005، انتقلت إلى 16 مليون دولار في 2016 حسب تقديرات وكالة التنمية الأميركية.
وفي 2017 أعلن الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب عن نيته في حرمان الدول التي صوتت لصالح القرار 20/30 الذي أصدرته الجمعية العامة للأمم المتحدة ورفضت فيه الاعتراف بالقدس المحتلة عاصمة لـ"إسرائيل" ونقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس.
أسباب تاريخية
ويرى أستاذ العلوم السياسية الدكتور علي ربيج، أنّ الطرف الجزائري ينظر باهتمام للتعاون العسكري مع الولايات باعتبارها دولة قوية.
وأضاف ربيج، في تصريح صحفي، بمقر المجلس الشعبي الوطني، الذي يشغل فيه رئيس لجنة، أنه "لدينا تنسيق وعلاقات قوية في مجال مكافحة الإرهاب بدليل أن المسؤولين الأميركيين يقدمون الجزائر دولة محورية وحليفٌ ذو مصداقية في مجال مكافحة الظاهرة في منطقة الساحل ومناطق أخرى في العالم".
واستدرك قائلًا: "على مستوى المراكز المتخصّصة ومخابر التفكير تُطرح دائمًا تساؤلات حول أسباب تدني حصة الجزائر من هذه المساعدات ما قبل دول الجوار".
ليجب: "تموقع الجزائر في منظومة عدم الانحياز وتقاربها مع المعسكر الشرقي والمترجم في علاقات قوية مع الاتحاد السوفياتي السابق ثم وريثته روسيا، والمنظومة العسكرية والإستراتيجية متناغمة بشكلٍ أكبر مع موسكو، وواحد من العوامل زيادة عن الانحياز الأمريكي والفرنسي لصالح المغرب في المنطقة على حساب الجزائر فالمغرب متناغم مع الغرب والولايات المتحدة الأمريكية، مما أعطاه أفضلية في الحصول على مساعدات وتسليح من هذه الدول".
كلّ شيء بثمن
وبحسب الخبير الأمني الجزائري، حسان قاسيمي، فإن محدودية الدعم العسكري الأميركي للجزائر، على صلة بتوجس السلطات الجزائرية من النوايا الأميركية؛ وأوضح أنه "أيًّا كانت حاجة الجزائر الماسة لتطوير قدراتها والحصول على التقنيات والمعدات العسكرية المتطورة فإنها تحسب أيضا تكلفة ذلك".
وأردف: "لا توجد في العلاقات الدولية مساعدات لوجه الله، فكل شيء بثمن"، ليتابع المُشرف السابق على قسم إدارة الأزمات بالداخلية الجزائرية، بالقول: "الجزائر حريصة على سيادتها على أراضيها وأجوائها وترفض الانخراط في لعبة المحاور والاستقطاب، وهي تعرف كيف قايض الأميركيون الدعم بالقواعد العسكرية المعترف بوجودها والسرّية في القارة الأفريقية".
وبحسب قوله: "تُدرك السلطات مخاطر الحصول على تمويل عسكري أجنبي، توجسًا منها لتبعات ذلك ومنها تقديم تسهيلات لقوات أجنبية على أراضيها خشية عدم خروج هذه القوات".
و في فيفري، 1968 أخلَت فرنسا قاعدتها العسكرية البحرية بطلب من السلطات الجزائرية، رغم اتفاق الجانبين الجزائري والفرنسي بعد استقلال الجزائر في 1962 على حق البحرية الفرنسية في استغلال القاعدة البحرية لـ15 عامًا قابلة للتجديد، وفي العام 1970 غادر آخر مجند فرنسي قاعدة بوسفر الجوية المجاورة.
وبحسب ما جاء في الجزء الأوّل من مذكرات الرئيس الجزائري الأسبق الشاذلي (1979-1992)، الذي كان يشغل قائد عسكري لمنطقة الغرب الجزائري بين عامي 1964 و 1979 فإن "الفرنسيين كانوا يخطّطون للبقاء في القاعدة البحرية بدليل أنهم بنوا تحصينات جديدة".
"سي 130" تكسر حاجز الصمت
ورغم تردّي العلاقات مع الولايات المتحدة الأميركية على ضوء مواقفها من قضايا إقليمية واستمرار تقاربها مع الصين وروسيا، يتواصل التعاون العسكري ولو بصفة محدودة بين البلدين، حيث تسلّمت الجزائر طائرتي شحن عسكري أميركية الصنع من طراز "سي 130"، من سرب مكوّن من 4 طائرات ليعوض طائرات من الطراز نفسه حصلت عليها الجزائر في ثمانيات القرن الماضي.
وقبل ذلك، حصلت الجزائر على عربات تكتيكية، ولكن طموحها للحصول على معدّات قتالية صار أبعد من ذلك، رغم رغبة الجانب الجزائري في الحصول على أسلحة أكثر تطورًا، وخصوصًا بعد أداء الأسلحة الروسية في معركة "ناغورني كاراباخ"، بين أرمينيا وأذربيجان والصدام المحتدم حاليًا في أوكرانيا.
تعليقات الزوار
لا تعليقات