تُحاول الحكومة الجزائرية رسم خارطة طريق للرقمنة خلال المرحلة المقبلة، من خلال بذل جهود حثيثة لتطوير المحتوى الرقمي وخدمات الإنترنت في الجزائر، والتي من شأنها أن تلبّي احتياجات المواطن والإدارة والمؤسّسة، ومنه ترقية الاقتصاد الوطني الذي يعاني ضغطًا أحادي المورد.
في هذا السياق، وبعد قرابة 10 سنوات من طرح مشروع "الجزائر الإلكترونية 2013"، يبقى برنامج الرقمنة يعاني من عدة عراقيل، حسب ما يؤكّده مختصّون لـ "الترا جزائر"،مع الإشارة إلى أنه التهم أكثر من 4.5 مليار دولار دون الوصول إلى تحقيق النتائج المرجوة خاصّة في الفترة السابقة.
البيروقراطيةوالتحول الرقمي
يبقى أكبر عائق أمام التحول الرقمي في الجزائر، حسب ما يؤكده الأستاذ يونس، قرار الخبير في شؤون التكنولوجيات ومستشار سابق بوزارة البريد وتكنولجيات الاعلام والاتصالات والرقمنة، هو عدم وجود ضبط دقيق للإحصائيات المتعلقة بتحديد الاحتياجات والأولويات في هذا المجال، خاصّة أنه و-حسب المستشار السابق للوزارة- لا توجد معلومات مضبوطة تساعد على تكوين أرضية حقيقية للتحول الرقمي رغم إطلاق البرنامج منذ 2013.
ولعل أهم ما يركز عليه الأستاذ يونس قرار، في تحليله لمعوقات التحول الرقمي في الجزائر، هو "بيروقراطية" الإدارة في فتح المجال أمام هذا القطاع المهم، رغم كل التسهيلات التي قدمتها السلطات في هذا الإطار تجاه الشباب الراغبين في إنشاء مؤسساتهم المصغرة، عن طريق تزويدهم بآليات تمويل مجدية وأجهزة حضانة مناسبة.
وفي سياق متصل أيضًا، يؤكّد رئيس التجمع الجزائري للناشطين في الرقميات، بشير تاج الدين، على أن غياب هيئة مختصّة في الرقمنة مكلفة بمتابعة البرنامج في كل القطاعات، ساهم بشكلٍ كبير ٍفي سيطرة "البيروقراطية الإدارية" على نية وإرادة الحكومة في استرجاع ثقة المواطن، وترسيخ مواطنة رقمية هادفة تسمح بثقافة رقمية تكون بمثابة ركيزة لنجاح التحول الرقمي المنشود، ومنه ترقية الاقتصاد الوطني.
4.5 مليار دولار
منذ إطلاق برنامج الجزائر الإلكترونية سنة 2013، صرفت الحكومات المتعاقبة ما لايقل عن 4.5 مليار دولار من أجل التحول الرقمي، حسب ما أكده إطار بوزارة المالية، مشيرًا إلى أن حوالي 3 ملايير دولار تم تخصيصها على برامج متتالية في إطار عمليات تطوير الدفع الإلكتروني، وهي العملية التي أخذت وقتًا كبيرًا دون إحداث أيّة تنافسية في مجال الخدمات المالية الرقمية، رغم وجود عديد البرامج الموازية التي تُعنى بمشاريع اقتصاد المعرفة.
ولعل خير مثالٍ على كل ذلك، قطاع الخدمات الإدارية المتعلقة برقمنة قاعدة الهوية الشخصية لكل الجزائريين من خلال البطاقة البيومترية والذي امتصّ حوالي 40 مليون دولار من ميزانية الدولة، وفي نهاية المطاف مازالت كثير من إدارات الخدمات المحلية على وجه الخصوص تجبر المواطنين على تقديم نسخة مصورة عن بطاقة الهوية الالكترونية ضمن ملفاتهم.
ويكشف المصدر المالي نفسه، أن استخدام الخدمات المالية الرقمية لا يزال منخفضا للغاية، موضحًا أنه حسب دراسة دقيقة أجرتها مصالح وزارة المالية السنة الفارطة تزامنًا مع تداعيات جائحة "كوفيد-19"، وصلت نسبة مستخدمي هذه الخدمات من البالغين 19 بالمائة و13 بالمائة من النساء، وهي نسبة ضئيلة جدًا حسب المصدر نفسه، لا ترقى إلى التطلعات التي سطّرتها الحكومات المتعاقبة.
أرقام وتعاليق
يكشف وزير الاحصائيات والرقمنة حسين شرحبيل، عن توفر أزيد من 450 منصة رقمية في الجزائر يتم استغلالها –حسب وزير القطاع- لتكريس الرقمنة وتسهيل حياة المواطنين، وتحقيق البرنامج الذي تم أي ستحداث وزارة لأجله منذ سنتين، ويشير إلى أن ذلك يعكس "الإرادة القويّة لولوج عالم الرقمنة".
في حين يعلق الأستاذ يونس قرار، المستشار السابق بوزارة تكنولوجيات الإعلام والاتصال والرقمنة، أن هذا الرقم إيجابي من حيث الكم، لكن –حسبه- لا يمكنه أن يصبو إلى التطلعات التي يرقى إليها المواطن البسيط وأصحاب المؤسسات والمشاريع، من حيث الشفافية ومدى قدرتها على تقديم خدمات رقمية منشودة.
وبخصوص جانب تغطية شبكة الإنترنت، الجانب المهم في التحول الرقمي، تشير أرقام من مصالح تابعة بوزارة البريد وتكنولوجيات الإعلام والاتصال إلى الوصول إلى تغطية شبكية تتجاوز الـ60 بالمائة من المناطق المبرمجة ضمن مخطط التحوّل الرقمي.
ويعلق في هذا السياق، المختص في شؤون تكنولوجيات الاتصال والرقمنة، الأستاذ يونس قرار، إلى أن شبكة الإنترنت في الجزائر لحد الآن هي بمثابة ثاني أكبر عائق للتحول الرقمي في البلاد بعد بيروقراطية الإدارة.
مشروع قانون خاص بالرقمنة
وفي ظلّ غياب إطار تنظيمي خاص بالرقمنة وضبط الإحصائيات لتحديد الاحتياجات ومعرفة الأولويات مفي هذا المجال، شدد التجمع الجزائري للناشطين في الرقميات، على لسان رئيسه بشير تاج الدين، على ضرورة وضع هيئة متخصصة في الرقمنة تشمل كل القطاعات من أجل اتخاذ قرارات موحدة تطبق على مختلف القطاعات الوزارات والمؤسسات العمومية والخاصة ومختلف والميادين الحيوية من أجل تحول رقمي حقيقي.
وهو ما نوّه به وزير الرقمنة والاحصائيات، حسين شرحبيل، مشيرا إلى أن "مشروع قانون الرقمنة، الذي هو حاليا قيد الانجاز، يهدف لتبسيط الإجراءات الإدارية وتوسيعها و تسهيل التحول الرقمي وتأمين البيانات مع تطوير الحوكمة الإلكترونية".
ويأتي هذا حسب وزير القطاع، ضمن التزامات رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون بخصوص التحول الرقمي، والامتثال خاصة لنداء الرئيس بمناسبة عبد العمال في الفاتح أيار/ماي، حيث ناشد هؤلاء أهمية مواجهة تحديات التنمية المستدامة عبر خوض غمار الرقمنة واقتصاد المعرفة.
ختامًا، تبقى أرقام تجمع النقد الآلي تشير إلى انخفاض المعاملات الإلكترونية في الجزائر، ويرجع التقرير هذه النسبة المنخفضة إلى "عدم انضمام التجار لهذا المسعى تهربًا منهم من متابعة المعاملات وكذا ثمن أجهزة الدفع وتكاليف استغلالها وصيانتها التي يعتبرونها مرتفعة إلى جانب نقص المهنيين لوضع الأجهزة وصيانتها.
تعليقات الزوار
لا تعليقات