من جديد عادت قضية اغتصاب الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال إلى الواجهة، وذلك بشهادة موثقة أدلى بها هذه المرة صحافي فلسطيني، تعرض لهذا التعذيب المهين، خلال رحلة اعتقال مريرة. وقال نائب نقيب الصحافيين، تحسين الأسطل لـ”القدس العربي”، إن هذه الأفعال ترتقي إلى مستوى “جرائم ضد الإنسانية”، ومحاولة بائسة لـ”اغتيال شهود الحقيقة”.
وسرد هذا الصحافي الفلسطيني الذي عرف نفسه باسم “يحيى”، وقائع مؤلمة شرح فيها ما تعرض له في سجون الاحتلال، خلال رحلة الاعتقال التي دامت 20 شهرا، عانى خلالها من صنوف التعذيب الممنهج، وقد أدت حادثة تعرضه لـ”الاغتصاب”، إلى انهياره نفسيا، حسب ما ورد في شهادته، وقال إن الأسرى بسبب التعذيب يخرجون من السجون بـ”أرواح محطّمة”، وأن من لم يمت هناك “يخرج منها مكسورًا إلى الأبد”.
اغتيال جسدي ومعنوي
وقال الأسطل لـ”القدس العربي” معقبا على الحادثة “إن الصحافيين يتعرضون لشتى أنواع التعذيب، مثل باقي الأسرى”، وأشار إلى أن الصحافيين الذين خرجوا من السجن مؤخرا “تحدثوا عن فظائع تعرضوا لها خلال الأسر، لا يمكن تخيلها والحديث عنها؛ لأنها فاقت توقعات العقل البشري”.
وتحدث عن عمليات الإذلال والتعذيب الممنهج بأشد الأساليب قساوة، من الضرب إلى الشبح إلى التجويع والحرمان من العلاج، لافتا إلى أن الصحافيين جزء من الشعب الفلسطيني، ويعاني الأسرى منهم كمعاناة الأسرى الآخرين، الذين كشفت شهاداتهم وكذلك كاميرات السجون الإسرائيلية، تعرضهم لـ”الاغتصاب”.
وأكد أن ما تعرض له الصحافيون من اعتداءات “ترتقي إلى جرائم الحرب”، وحمّل الأسطل الاحتلال المسؤولية الكاملة عن الجرائم بحق الإنسانية التي يتعرض لها الأسرى خاصة، وأشار إلى أنه لا يوجد أي اتصال للنقابة أو حتى منظمات حقوق الإنسان وتلك التي تدافع عن الأسرى مع المعتقلين، بسبب السياسات الإسرائيلية التي تمنع الزيارات ولقاءات المحامين بالشكل الطبيعي.
وتحدث الأسطل عن الأسرى الصحافيين المختفين قسرا، حيث يوجد اثنان اختفت آثارهما منذ اليوم الأول للعدوان على غزة، ولا يزال الاحتلال يرفض إعطاء أي معلومات عنهما، وطالب بالكشف عن مصيرهما، ودعا كذلك المنظمات الدولية المختصة، لتنظيم زيارة للصحافيين الأسرى، والاطلاع على أحوالهم، مؤكدا أن الهدف من هذه الاعتقالات وعمليات التعذيب الممنهجة بشتى الطرق الوحشية هو “اغتيال شهود الحقيقة”، وقال إن الاغتيال ينفذ “جسديا ومعنويا”.
تفاصيل الجريمة
وفي التفاصيل، ذكر مركز حماية الصحافيين الفلسطينيين، أن صحافيًا فلسطينيًا اعتقلته السلطات الإسرائيلية تعرّض لجريمة “اغتصاب وتعذيب جنسي”، داخل أحد مراكز الاعتقال، بواسطة كلب مُدرّب، ما أسفر عن إصابته بصدمة نفسية حادة أفقدته اتزانه العقلي لأكثر من شهرين في واحدة من أخطر الجرائم الموثّقة بحق الصحافيين داخل سجون إسرائيل.
وأوضح المركز، أن الجريمة وقعت داخل معتقل “سديه تيمان”، بعد سحب الصحافي قسرًا رفقة سبعة أسرى آخرين إلى منطقة معزولة داخل المعسكر، حيث تعرّضوا لاعتداءات جنسية جماعية، بحضور جنود الاحتلال الذين تعمّد بعضهم توثيق الاعتداء والسخرية من الضحايا، في ظل تقييدهم الكامل وتعصيب أعينهم وحرمانهم من أي حماية قانونية أو إنسانية.
وحسب إفادة الصحافي، الذي طلب تعريفه باسم “يحيى” حفاظًا على سلامة أفراد عائلته، فإن الاعتداء استمر نحو ثلاث دقائق، أعقبه انهيار نفسي وعصبي حاد أفقده القدرة على التركيز والإدراك الطبيعي لأكثر من شهرين. وهي أعراض، وفق تقييم أطباء وحقوقيين اطّلعوا على الإفادة، تتوافق مع اضطراب الكرب الحاد وما بعد الصدمة.
وفي إفادته، قال هذا الصحافي الذي أمضى 20 شهرًا في سجون الاحتلال، بينها ثلاثة أشهر في “سديه تيمان” وشهر في “عوفر”، “هذه الجريمة لم تكن حادثة فردية، بل جاءت في سياق سياسة تعذيب ممنهجة تهدف إلى كسر إرادة الأسرى وإذلالهم نفسيًا وجسديًا، مشيرًا إلى استخدام الاحتلال للكلاب كسلاح تعذيب مباشر، في انتهاك صارخ للمواثيق الدولية التي تحظر التعذيب والمعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة”.
وتحدث عن تعرّضه لتحقيقات قاسية، جرى خلالها تقييده وتعصيب عينيه ونقله عبر شاحنات عسكرية إلى مواقع احتجاز متعددة، أبرزها معسكر “سديه تيمان”، حيث أمضى نحو 100 يوم في ظروف وصفها بأنها “لاإنسانية”، شملت التعذيب الجسدي والنفسي، والحرمان من النوم، والتجويع، والإهانات الدينية، ومنع العلاج، والصعق الكهربائي، مؤكدا أن الاعتداء الجنسي “يُعد من أخطر الجرائم التي تعرّض لها داخل المعتقل”، لافتا إلى أن الانتهاكات جرت في أماكن معزولة وبحضور جنود وضباط، في ظل غياب تام لأي رقابة أو مساءلة، وقال إن سلطات الاحتلال “صعّدت وتيرة التعذيب بحقه عقب علمها بمهنته الصحفية”، مشيرا إلى أنه تعرّض للاعتداء بعد الإفصاح عن عمله، ووجّهت إليه اتهامات بنقل “معلومات مضلِّلة”، وتلقّى تهديدات بالسجن المؤبد بسبب نشاطه الإعلامي.
وتطرّق في شهادته إلى ظروف الاحتجاز القاسية، بما في ذلك الاكتظاظ الشديد، وانعدام النظافة، وانتشار الأمراض، وشُحّ الطعام والماء، ومنع الصلاة، وممارسات حاطّة بالكرامة الإنسانية، فضلًا عن مشاهد وفاة أسرى داخل المعتقل، بينهم أكاديميون وأطباء، في ظروف غامضة. وقال: “قضينا فصلي الخريف والشتاء بملابس صيفية مهترئة، وننام على البلاط”، وأضاف: “دخلنا هذه المعتقلات أحياءً، وخرجنا منها بأجساد منهكة وأرواح محطّمة”، وتابع: “من لم يمت فيها خرج منها مكسورًا إلى الأبد”.
وكان جيش الاحتلال اعتقل الصحافي “يحيى” خلال اقتحام مجمع الشفاء بمدينة غزة في 18 مارس/آذار 2024، أثناء أدائه واجبه وهو يرتدي درع الصحافة ويحمل كاميرته.
وحسب إحصائية نقابة الصحافيين، فإن قوات الاحتلال قتلت 255 صحافيا في قطاع غزة منذ بدء العدوان يوم السابع من أكتوبر 2023، إضافة إلى استمرارها في اعتقال 49 صحافي، فيما أصيب 535 صحافي، وتدمير 150 مؤسسة صحافية.
ويؤكد مركز حماية الصحافيين، أن استخدام الكلاب في “الاعتداء الجنسي” يُعد من أخطر أنماط التعذيب المحظورة دوليًا، ويهدف إلى الإذلال والتحطيم النفسي الكامل للضحايا، وطالب بإدراج الجريمة ضمن ملفات الادعاء أمام المحكمة الجنائية الدولية، وفتح تحقيق دولي عاجل ومستقل، وملاحقة المسؤولين عنها، مؤكدا أن هذه الجرائم “لا تسقط بالتقادم”.

تعليقات الزوار
لا تعليقات