بعد مرور شهر على توقيع اتفاق وقف إطلاق النار بين حركة حماس وإسرائيل، حذّرت منظمة Euro-Med Monitor لحقوق الإنسان من أن إسرائيل تواصل فرض ظروف معيشية في قطاع غزة “تمنع أي تعافٍ من أكثر من 25 شهرًا من الكارثة الإنسانية”، في ظل صمت دولي شبه تام تجاه استمرار القتل والدمار في القطاع المحاصر.
ورغم اتفاق الهدنة الذي رعته إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، لا يزال يُقتل في المتوسط ثمانية فلسطينيين يوميًا، بينما تواصل قوات الاحتلال الإسرائيلي شنّ “قصف جوي ومدفعي، وإطلاق نار متقطع، وتدميرًا مستمرًا للمنازل والمباني، خاصة في المناطق الشرقية من خان يونس ومدينة غزة”، وفقًا لتقرير المنظمة الحقوقية.
وقال المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، الثلاثاء، إن إسرائيل انتهكت اتفاق وقف إطلاق النار 282 مرة على الأقل، في حين تتهم إسرائيل حركة حماس بانتهاك الاتفاق من خلال قتل جنود إسرائيليين وعدم إعادة جثمان أحد الأسرى الذين اختُطفوا في 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023.
ودافع الرئيس ترامب في بعض الحالات عن الهجمات الإسرائيلية، واصفًا الغارة التي وقعت في 29 أكتوبر/ تشرين الأول وأسفرت عن استشهاد 109 فلسطينيين، بينهم 52 طفلًا، بأنها “انتقام لمقتل جندي إسرائيلي”.
وبحسب Euro-Med Monitor، فقد قتلت إسرائيل 242 فلسطينيًا منذ بدء الهدنة في 10 أكتوبر/ تشرين الأول، بينهم 85 طفلًا، وأصابت نحو 619 آخرين، رغم أن المرحلة الأولى من خطة السلام المكونة من 20 بندًا التي طرحها ترامب تنصّ على وقف تام لجميع الأعمال العدائية من الجانبين، وفقاً لمنصة “كومن دريمز”.
وأضاف التقرير أن “إسرائيل تواصل ارتكاب الإبادة الجماعية بحق المدنيين الفلسطينيين بوسائل متعددة”، بما في ذلك رفضها تنفيذ أحد أهم بنود الاتفاق المتمثل في رفع الحصار الذي فُرض في أكتوبر/ تشرين الأول 2023، وأدى حتى الآن إلى استشهاد ما يقرب من 500 فلسطيني.
وقالت المنظمة إن “إسرائيل تواصل تنفيذ سياسة تجويع متعمّدة في قطاع غزة، إذ منعت دخول نحو 70% من المساعدات المتفق عليها، كما تتحكم في نوعية السلع المسموح بدخولها، فتقيد الأغذية الأساسية كاللحوم ومنتجات الألبان، وتغرق الأسواق بمنتجات غنية بالسعرات وفقيرة بالعناصر الغذائية”.
ويعيش نحو مليوني فلسطيني في حالة من “الجوع المزمن والمتحكم به”، بينما تظل معدلات سوء التغذية لدى الأطفال عند 20% مقارنة بالعام الماضي، رغم وقف إطلاق النار.
ونشرت المنظمة، الثلاثاء، رسمًا معلوماتيًا يوضح حجم الكارثة المستمرة في غزة، واصفة ما يجري بأنه “إبادة صامتة” تُنفذ بعيدًا عن أي ضغط دولي لوقفها.
وتشير البيانات إلى أن تسعة من كل عشرة شهداء فلسطينيين في غزة هم من المدنيين، وأن جميع المستشفيات في القطاع تضررت أو دُمّرت بالكامل، فيما أصبح نحو 45,600 طفل يتيمًا، وتعرّض 12% من سكان غزة للقتل أو الإصابة أو الاعتقال أو الفقدان. كما يعاني نحو 40,000 شخص من إعاقات دائمة أو طويلة الأمد، بينهم 21,000 طفل، في حين يعيش جميع السكان في حالة انعدام حاد للأمن الغذائي، وقد أصيبوا بصدمة نفسية جماعية نتيجة القصف والدمار المستمرين.

كما حذّر التقرير من أن إسرائيل تواصل إغلاق معبر رفح في الاتجاهين، ما يمنع المرضى والجرحى من مغادرة القطاع لتلقي العلاج.
وقال التقرير إن هذه الانتهاكات “ليست حوادث معزولة، بل نمطٌ ممنهج يعكس سياسة واضحة للقيادة السياسية والعسكرية الإسرائيلية تستخدم وقف إطلاق النار كغطاء للاستمرار في الإبادة الجماعية ضد سكان غزة”.
وأشار التقرير إلى أن إسرائيل “تستغل غياب الإرادة الدولية لحماية المدنيين ومحاسبة الجناة لتواصل القتل والتجويع والتدمير المنهجي بوتيرة أبطأ، ولكن ضمن سياسة ثابتة تهدف إلى محو الوجود الفلسطيني في قطاع غزة”.
ووصفت المنظمة الوضع بأنه “تطور خطير”، مشيرة إلى “تفكيك الوحدة الجغرافية لقطاع غزة وتحويله إلى منطقة معزولة وغير صالحة للعيش”.
ونشر رئيس المنظمة، رامي عبدو، مقطع فيديو لجندي إسرائيلي “يوثق بفخر” استخدام وحدته للجرافات لتسوية ما تبقى من شمال غزة بالأرض، خلف “الخط الأصفر” الذي كان من المفترض أن تنسحب إليه القوات الإسرائيلية بموجب اتفاق الهدنة.
وحذّر التقرير من أن “الصمت الدولي المستمر وفشل تفعيل آليات المحاسبة يمنحان إسرائيل غطاءً عمليًا لمواصلة الإبادة الجماعية، وإن بوتيرة أبطأ، كجزء من سياسة متعمّدة تهدف إلى القضاء على الوجود الفلسطيني في غزة”.
وجاء تقرير Euro-Med Monitor بينما نقلت صحيفة بوليتيكو عن مسؤولين في إدارة ترامب قلقهم المتزايد من احتمال انهيار اتفاق السلام بسبب عدم القدرة على تنفيذ بنوده الأساسية، ومنها نشر “قوة استقرار دولية” لتتولى مهام حفظ السلام في غزة.
وقال ديفيد شينكر، مساعد وزير الخارجية الأمريكي الأسبق لشؤون الشرق الأوسط، إن “الإدارة أعلنت انتصارها بعد وقف إطلاق النار وإطلاق سراح الأسرى، لكن العمل الحقيقي، الصعب فعلًا، لا يزال أمامها”.
وذكرت الصحيفة أن دولًا مثل الإمارات وتركيا والأردن وأذربيجان رفضت المساهمة في هذه القوة، فيما امتنعت الأخيرة عن حضور اجتماع تخطيطي أخير قائلة إنها لن تشارك إلا بعد تحقيق وقف إطلاق نار شامل.

تعليقات الزوار
لا تعليقات