أخبار عاجلة

مقترح قانون في البرلمان الفرنسي للاعتراف بمجازر 8 مايو 1945 في الجزائر

تقدّم أكثر من سبعين نائبًا ونائبة أغلبهم من تكتل “فرنسا الأبية” داخل الجمعية الوطنية الفرنسية بمقترح قرار جديد يطالب بالاعتراف الرسمي وإدانة المجازر المرتكبة من قبل السلطات الاستعمارية الفرنسية في الجزائر يوم 8 مايو 1945، في مدن سطيف، قالمة وخراطة، وفي المناطق المجاورة لها.

وقد وقّع على هذا المقترح عدد كبير من النواب المعروفين بمواقفهم المدافعة عن قضايا الشعوب المستعمَرة، على غرار النائب إيدير بومرتيت، والنائبة ماتيلد بانو رئيسة كتلة فرنسا الأبية، إلى جانب شخصيات أخرى بارزة مثل مانويل بومبارد، بول فانييه، دانيال أوبونو، أورليان تاكيه وغيرهم.

ويستند مشروع القرار إلى وقائع تاريخية موثقة تشير إلى أن هذه المجازر، التي وقعت في نفس اليوم الذي كانت تحتفل فيه فرنسا بانتصارها على النازية في الحرب العالمية الثانية، شكّلت لحظة مأساوية ومفصلية في التاريخين الجزائري والفرنسي. فقد خرج آلاف الجزائريين في مظاهرات سلمية، مطالبين بالمساواة والكرامة وتطبيق المبادئ العالمية الجديدة التي أعلنتها الأمم المتحدة آنذاك، غير أن هذه المطالب قوبلت بردّ دموي وقمع وحشي من قبل السلطات الاستعمارية الفرنسية.

ويشير المقترح إلى أن شرارة هذه المجازر اندلعت عقب مقتل الشاب الجزائري بوزيد سعال، الذي أُطلق عليه الرصاص بسبب حمله للعلم الوطني الجزائري، وهو ما تبعته موجة من القمع المنظم طالت المتظاهرين والمدنيين العزّل، وتم تنفيذها بأوامر مباشرة من أعلى السلطات الفرنسية.

كما وثّق النواب في عرضهم أن هذه المجازر لم تكن أحداثًا معزولة بل كانت “عقوبة جماعية ممنهجة”، شملت قصفًا جوّيا، حرق قرى بأكملها، استخدام الغازات داخل المغارات، وإعدامات ميدانية شملت آلاف الجزائريين، خاصة في منطقة قالمة، حيث نظّمت مليشيات محلية بإشراف مباشر من نائب الحاكم الفرنسي أندري أشيار عمليات قتل جماعي ضد الجزائريين.

وبحسب ما أورده النص، فإن المجازر تواصلت على مدى عدة أيام وأسفرت عن مقتل عشرات الآلاف من المدنيين، رغم محاولات السلطات الفرنسية التكتم على الحدث وتعطيل مهام لجنة التحقيق التي كان من المقرر أن يقودها الجنرال توبرت. كما أشار النواب إلى شهادة الجنرال الفرنسي دوفال، الذي قال لاحقًا: “لقد منحتكم عشر سنوات من السلم، لكن كل شيء يجب أن يتغير في الجزائر”، وهي عبارة تحمل إقرارًا ضمنيًا من السلطات العسكرية الفرنسية بحجم المأساة وبأنها كانت نقطة تحول حاسمة في العلاقة بين فرنسا والجزائر.

ويرى معدّو المقترح أن هذه المجازر تُمثل جريمة دولة بامتياز، كونها ارتُكبت ضد مدنيين عُزّل بموجب أوامر رسمية، ما يفرض على الجمهورية الفرنسية اليوم، وبعد مرور 80 عامًا تقريبًا، أن تتحمّل مسؤوليتها التاريخية والأخلاقية، وأن تعترف علنًا بهذه الجرائم بوصفها فعلًا استعماريا شنيعًا يتعارض مع القيم التي تدّعي فرنسا تمثيلها، وفي مقدّمتها الحرية، المساواة، والعدالة.

ويدعو مشروع القرار إلى إدانة رسمية صريحة من قبل الجمعية الوطنية الفرنسية لهذه المجازر، مع توجيه تحية تكريم لأرواح الضحايا وعائلاتهم. كما يطالب النواب بفتحٍ كامل للأرشيف الفرنسي المتعلق بأحداث 8 مايو 1945، من أجل إتاحة الحقيقة التاريخية كاملة للباحثين والجمهور، وتفكيك سردية الإنكار التي استمرت عقودًا.

ويشدد النص على ضرورة إدراج هذه الأحداث في المقررات التعليمية الرسمية، إلى جانب غيرها من الجرائم الاستعمارية المرتكبة في الجزائر منذ بداية الاحتلال الفرنسي عام 1830، باعتبار أن تدريس هذه الحقائق هو خطوة أساسية نحو بناء ذاكرة جماعية صادقة داخل المجتمع الفرنسي، وفهم أعمق لتاريخ العلاقة بين فرنسا وشعوب مستعمراتها السابقة.

ويقترح النواب كذلك تخصيص يوم وطني رسمي في فرنسا لإحياء ذكرى ضحايا مجازر 8 مايو 1945، كجزء من الاعتراف الرمزي والسياسي بهذه الجريمة التاريخية، على أن يُدرج هذا اليوم ضمن المناسبات الرسمية والوطنية التي تُحييها الجمهورية الفرنسية كل عام.

ويخلص مقترح القرار إلى ضرورة تعزيز التعاون بين الجزائر وفرنسا في ميدان التاريخ والذاكرة، من خلال إطلاق مشاريع بحثية ومبادرات مشتركة، تتيح مصالحة حقيقية قائمة على الحقيقة والاعتراف، بدل التجاهل والتعتيم. كما يدعو الحكومة الفرنسية إلى الانخراط في هذا المسار بصدق وشجاعة، والعمل مع السلطات الجزائرية من أجل استكمال ملف الذاكرة، بما في ذلك كشف الحقيقة الكاملة عن مجازر 8 مايو، التي شكّلت مقدّمة مباشرة لانطلاق الثورة التحريرية الجزائرية بعد تسع سنوات فقط.

ويُعد هذا المقترح، في حال تبنيه من طرف الجمعية الوطنية، خطوة غير مسبوقة في المشهد السياسي الفرنسي، نحو الاعتراف بواحدة من أفظع الجرائم الاستعمارية التي طالما حاولت الجمهورية الخامسة تجاهلها أو الالتفاف عليها.

وفي الجزائر، يتم سنويا إحياء ذكرى هذه المجازر التي راح ضحيتها وفق التقدير الجزائري 45 ألف شهيد، والتي سبقت بـ9 سنوات حرب التحرير وكانت منطلقا مهما لتشكيل الوعي الثوري الوطني وبروز فكرة الكفاح المسلح.

وفي رأي بنجامين ستورا المؤرخ الفرنسي المختص في تاريخ الجزائر، فإن محاولات البرلمان الفرنسي لن تؤول إلى النجاح بسبب غياب الأغلبية، وصعود اليمين المتطرف في فرنسا الذي يرفض الاعتراف بالماضي الاستعماري.

وأوضح المؤرخ في حوار مع موقع “كل شيء عن الجزائر”، أن أول إشارة رسمية فرنسية لهذه المجازر كانت في 2005 عندما ألقى السفير الفرنسي بالجزائر آنذاك، هوبير كولين دو فيرديير، خطابًا في سطيف تحدّث فيه عن “مأساة لا تُغتفر”، بتوجيه من الرئيس جاك شيراك، تلاه خطاب آخر للسفير برنار باجولي في قالمة عام 2008، تحدث فيه عن مسؤولية فرنسا عن المجازر.

ورأى أن هذه الخطوات السياسية ساهمت في إدخال المجازر إلى الوعي الفرنسي، خاصة بعد إدراجها في الكتب المدرسية، وظهور أبحاث تاريخية جديدة. كما اعتبر أن مجازر سطيف فتحت الباب أمام الحديث عن مجازر أخرى وقعت خلال مرحلة إنهاء الاستعمار، مثل مجازر هايفونغ بفيتنام سنة 1946، ومجزرة مدغشقر عام 1947، وأن هذا المسار كشف تدريجيًا حقيقة الاستعمار الفرنسي، بما في ذلك فظائع غزو الجزائر بين 1830 و1890، والتي لم تكن معروفة على نطاق واسع في فرنسا.

اضف تليق

Leave this empty:

شارك

تعليقات الزوار

لا تعليقات