بدعوة من الجزائر والصومال عقد مجلس الأمن الدولي جلسة طارئة لمناقشة أوضاع وكالة إغاثة وتشغيل لاجئي فلسطين في الشرق الأدنى (أونروا) على ضوء القرارات الإسرائيلية بإغلاق مكاتب الأونروا في القدس ومنع الاتصال بالوكالة وحظر نشاطاتها في الأرض الفلسطينية المحتلة الذي سيدخل حيز النفاذ يوم السبت القادم الأول من شباط/ فبراير.
وتقدم الأونروا خدمات صحية وتعليمية وإغاثة طوارئ لنحو ستة ملايين لاجئ فلسطيني في غزة والضفة الغربية والأردن وسوريا ولبنان منذ عام 1950 بعد اعتماد إنشائها في قرار الجمعية العامة رقم 302 لعام 1949. وقد تعرضت الوكالة في الآونة الأخيرة إلى سلسلة من الاتهامات من قبل السلطات الإسرائيلية حيث ادعت أن 19 موظفا قد شاركوا في عملية “طوفان الأقصى” لكنها لم تقدم أي معلومات موثقة حول تلك التهم.
وقد كان المفوض العام للأونروا، فيليب لازاريني، أول المتحدثين في الجلسة الصباحية لمجلس الأمن الذي انعقد تحت رئاسة السفير الجزائري، عمار بن جامع، لكون بلاده ترأس المجلس خلال الشهر الحالي.
وقال لازاريني في بداية مداخلته إن الأونروا ضرورية لدعم السكان المحطمين بعد تلك الحرب الطويلة ووقف إطلاق النار. ومع ذلك، في غضون يومين، ستتعطل عمليات الوكالة في الأرض الفلسطينية المحتلة، مع دخول التشريع الذي أقره الكنيست الإسرائيلي حيز التنفيذ.
وحذر لازاريني أن قرار حظر الأونروا سيؤثر على اتفاقية وقف إطلاق النار وآفاق الحل السياسي الذي يجلب السلام والأمن الدائمين.
وقال لازاريني إن “تقويض عمليات الأونروا في غزة من شأنه أن يعرض الاستجابة الإنسانية الدولية للخطر. كما من شأنه أن يؤدي إلى تدهور قدرة الأمم المتحدة في الوقت الذي يتعين فيه زيادة المساعدات الإنسانية بشكل كبير. وهذا من شأنه أن يؤدي إلى تفاقم الظروف المعيشية الكارثية بالفعل لملايين الفلسطينيين”.
ورد لازاريني على الادعاءات الإسرائيلية بإمكانية توزيع خدمات الأونروا على بقية وكالات الأمم المتحدة، مؤكدا أن إمكانيات نقلها إلى كيانات أخرى غير صحيح وغير ممكن إلا إلى دولة كاملة الأركان، فالأونروا تشكل نصف الاستجابة للطوارئ في غزة، بينما تقدم جميع الكيانات الأخرى النصف الآخر.
وقال المفوض العام إن الفلسطينيين يعرفون الأونروا ويثقون بها، بالنسبة لهم، “الأونروا هي الأطباء والممرضون الذين يقدمون الرعاية الصحية؛ والعمال الذين يوزعون الغذاء؛ والميكانيكيون والمهندسون الذين يبنون ويصلحون الآبار لتوفير مياه الشرب النظيفة”. وقال إن إنهاء عمليات الوكالة في الضفة الغربية المحتلة، حيث يتصاعد العنف، من شأنه أن يحرم اللاجئين الفلسطينيين من التعليم والرعاية الصحية. وأضاف أنه في القدس الشرقية المحتلة، أمرت حكومة إسرائيل الأونروا بإخلاء مبانيها ووقف عملياتها بحلول يوم الخميس، وهذا من شأنه أن يؤثر على ما يقرب من 70 ألف مريض وأكثر من ألف طالب.
ونبه إلى أن الهجوم المستمر على الأونروا يضر بحياة ومستقبل الفلسطينيين في جميع أنحاء الأرض الفلسطينية المحتلة، ويعمل على تآكل ثقتهم في المجتمع الدولي، مما يعرض أي احتمال للسلام والأمن للخطر.
وذكّر لازاريني إلى أن التشريع الذي أقره الكنيست يتحدى قرارات مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة، ويتجاهل أحكام محكمة العدل الدولية ويتجاهل أن الأونروا هي الآلية التي أنشأتها الجمعية العامة لتقديم المساعدة للاجئين الفلسطينيين، في انتظار إجابة سياسية على قضية فلسطين.
وقال لازاريني إن تنفيذ هذا التشريع يسخر من القانون الدولي ويفرض قيودا هائلة على عمليات الأونروا وأكد أنهم عازمون على البقاء وتقديم الخدمات حتى يصبح من المستحيل القيام بذلك، وهذا دون تعريض الزملاء الفلسطينيين للخطر، والذين يواجهون بيئة عمل معادية بشكل استثنائي تعززها جزئيا حملة تضليل شرسة.
وأشار المفوض العام إلى أن حكومة إسرائيل تستثمر موارد كبيرة لتصوير الوكالة كمنظمة إرهابية، وموظفيها كإرهابيين أو متعاطفين مع الإرهابيين. وقال “إن عبثية الدعاية المناهضة للأونروا لا تقلل من التهديد الذي تشكله لموظفينا، وخاصة أولئك في الضفة الغربية المحتلة وغزة، حيث قُتل 273 من زملائنا. وأضاف أن تلك الحملة تشكل سابقة للحكومات لاتهام كيان تابع للأمم المتحدة بالإرهاب كذريعة لقمع حقوق الإنسان”.
ونبه إلى أن الهجمات السياسية على الوكالة مدفوعة بالرغبة في تجريد الفلسطينيين من وضعهم كلاجئين، وبالتالي تغيير المعايير الراسخة منذ فترة طويلة للحل السياسي. والهدف هو حرمان اللاجئين الفلسطينيين من حق تقرير المصير ومحو تاريخهم وهويتهم.
وقال لازاريني إن وقف إطلاق النار في غزة لابد وأن يتبعه انتقال سياسي يشمل إنهاءً منظما لولاية الأونروا، وتسليم خدماتها العامة للمؤسسات الفلسطينية المتمكنة والمستعدة. وقال المفوض العام للأونروا إنهم أمام خيار واضح وهو إما السماح للأونروا بالانهيار بسبب تشريعات الكنيست وتعليق التمويل من قِبَل الجهات المانحة الرئيسية، أو يمكننا بدلا من ذلك أن نسمح للوكالة بإنهاء ولايتها تدريجياً في إطار عملية سياسية.
واغتنم لازاريني الفرصة للتأكيد على التزام الوكالة طويل الأمد بالحياد، مضيفا سوف نواصل أيضا اتخاذ جميع الخطوات اللازمة للتحقيق في الادعاءات ذات المصداقية الموجهة ضد الوكالة وموظفيها.
ودعا مجلس الأمن إلى مقاومة تنفيذ تشريع الكنيست الإسرائيلي، والإصرار على مسار سياسي حقيقي للمضي قدما يحدد دور الأونروا كمقدم للتعليم والرعاية الصحية، وضمان عدم إنهاء الأزمة المالية فجأة لعمل الأونروا المنقذ للحياة.
وختم المسؤول الأممي إحاطته بقراءة رسالة تلقاها من شاب من غزة قال فيها “أكتب إليكم من بين أنقاض منزل كان ذات يوم مكانا للدفء والحياة. الآن، أقضي أيامي في البحث عن الضروريات الأساسية، مثل الدقيق لإطعام أسرتي. إن ما يحطمني حقا هو عجزي أمام الأطفال. أعينهم البريئة تبحث عن الأمان الذي لا أستطيع توفيره، والإجابات التي لا أملكها. وهنا أموت ألف مرة كل يوم وأنا أفكر في كل ما لا أستطيع أن أفعله من أجلهم”. وقال لازاريني لأعضاء مجلس الأمن إنه “على عكس كاتب تلك الرسالة، فإننا في وضع يسمح لنا بالقيام بشيء ما. وهذا يتطلب فقط عملكم الحاسم وقيادتكم”.
مندوبة الولايات المتحدة تؤيد موقف إسرائيل
وحدها مندوبة الولايات المتحدة من بين جميع أعضاء المجلس أيدت موقف إسرائيل قائلة إن قرار حظر الأونروا الذي يدخل حيز التنفيذ في 30 كانون الثاني/ يناير، “هو قرار سيادي لإسرائيل. والولايات المتحدة تدعم تنفيذ هذا القرار”.
وقالت المندوبة الأمريكية “إن المبالغة من جانب الأونروا في آثار القوانين والاقتراح أنها ستجبر الاستجابة الإنسانية بأكملها على التوقف أمر غير مسؤول وخطير. وقالت: “إن ما نحتاج إليه هو مناقشة دقيقة حول كيفية ضمان عدم حدوث أي انقطاع في تقديم المساعدات الإنسانية والخدمات الأساسية. إن الأونروا ليست، ولم تكن أبدًا، الخيار الوحيد لتقديم المساعدات الإنسانية في غزة. إن العديد من الوكالات الأخرى لديها الخبرة والمهارة للقيام بهذا العمل وقد قامت بهذا العمل”. وأضافت المندوبة الأميركية: “لقد تم تشويه عمل الأونروا وتم التشكيك في مصداقيتها بسبب الروابط الإرهابية مع حماس التي كان لموظفي الأونروا والتي تم الكشف عنها نتيجة لهجوم حماس في 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023”.
وقد أكد المندوب الإسرائيلي لأعضاء المجلس أن قرار الكنيست سيدخل حيز التنفيذ وأن لا رجعة في ذلك. وقال إن خدمات الأونروا يمكن توزيعها على بقية المنظمات الإنسانية الأخرى. وكرر السفير اتهاماته للأونروا بالتغطية على أنشطة الجماعات “الإرهابية” التي استخدمت مؤسسات الوكالة لتخزين السلاح.
السفير منصور: إسرائيل دمرت كل شيء في غزة إلا الارتباط المقدس بين الفلسطيني وأرضه
قال السفير الفلسطيني رياض منصور إن مسيرات العودة لمئات الآلاف من الفلسطينيين الذين لم يتوانوا دقيقة واحدة حتى عادوا إلى ديارهم المدمرة تثبت تعلق الفلسطينيين بأرضهم. “لقد حطمت إسرائيل كل شيء في غزة إلا ذلك ارتباط المقدس بين الفلسطيني وأرضه”. وقال: “رجال ونساء وشيوخ وأطفال وجرحى ومتعبون شاركوا في مسيرة العودة إلى ديارهم المدمرة إلى حاراتهم التي سويت بالأرض، ومستشفياتهم التي دمرت. ومع هذا عادوا. هذا هو الشعب الفلسطيني. نحن هكذا”.
وتابع منصور قائلا إن تلك المسيرات أوضحت صمود الشعب الفلسطيني وقدرته على التحمل ومدى تعلقه بأرضه. إسرائيل تحاول أن تتخلص من الشعب الفلسطيني وأن تتخلص من اللاجئين عن طريق تدمير الوكالة ما يعني تدمير اللاجئين. بدون الوكالة لا تعليم ولا مساعدات ولا استشارات طبية. أونروا ساعدت في تحسين وضع الفلسطينيين لكنها ليست من يربط بين الفلسطيني وأرضه ولا هي من أعطته حق العودة. إنها وسيلة مساعدة للفلسطينيين ليبنوا حياتهم لغاية حل قضيتهم وتنفيذ قرارات الشرعية الدولية وخاصة القرار 194 الذي يعني حق العودة.
وقال إن حظر الأونروا مخالف للقانون الدولي وللدول 159 التي صوتت يوم 11 كانون الأول/ ديسمبر 2024 بدعم الأونروا وتأييد ولاياتها ورفض التعرض لها أو حظرها. “فليس من حق إسرائيل أن تلغي وكالة أنشئت من قبل الجمعية العامة لتقدم خدمات للاجئين الفلسطينيين في غزة والضفة والأردن وسوريا ولبنان. الجمعية العامة وحدها من تملك حق إعادة النظر في ولاية الأونروا”. وقال إن حظر الوكالة له عواقب وخيمة. وطالب منصور أعضاء مجلس الأمن أن يحترموا القانون الدولي وقرارات الجمعية العامة ورأي محكمة العدل الدولية.
وإذا سمح لدولة واحدة أن تتخطى كل هذه المنظومة الدولية فالمسؤولية يتحملها مجلس الأمن. فحسب القانون الدولي ورأي محكمة العدل الدولية إسرائيل لا تملك حق السيادة في الأراضي الفلسطينية المحتلة بما فيها القدس الشرقية، ولذا ليس من حقها حسب القانون الدولي، أن تأخذ قرارات تتعلق بالشعب الفلسطيني في الأرض المحتلة. “لا بديل للسلطة الفلسطينية ولا بديل للأونروا. ليس من حق إسرائيل أن تقرر من يمثل الشعب الفلسطيني أو من يقدم الخدمات الدولية في الأرض الفلسطينية المحتلة.
تعليقات الزوار
لا تعليقات