تستمر مداولات الوسطاء في الدوحة للتوصل لصفقة بين إسرائيل و”حماس”، وسط حالة تكتم على حقيقة ما يجري هناك، وتسريبات متناقضة حول جدواها وحول نقاط التفاهم ونقاط الخلاف العالقة، مثل قائمة الأسرى الأحياء، وعدد الذين ستشملهم وغيرها. بيد أن مصادر إسرائيلية تقول إنه في كل الأحوال ستتضح الصورة جليًا خلال أيام معدودة.
وفيما يوجّه وزير الخارجية الأمريكي أنطوني بلينكن، في حديث مطوّل لـ “نيويورك تايمز” أصابع الاتهام لحركة “حماس” مجددًا بتعطيل مساعٍ سابقة لإتمام صفقة، تؤكّد مصادر إسرائيلية، هذه المرة أيضًا، أن حكومة نتنياهو غير معنية بها رغم ما يشاع من أجواء متفائلة.
قال بلينكن إنه كلما تمّ الضغط على إسرائيل، وحصل تقدم حقيقي نحو صفقة، كانت “حماس” تتراجع وتحول دون توقيع اتفاق. ويبدو أنه اختار أن يلعب دور “شاهد الزور” ليس فقط لكونه صهيونياً غير معلن، ومنحازاً للجانب الإسرائيلي، بل يبدو مثل بقية الإدارة الأمريكية يخجل من قول الحقيقة بأن حكومة الاحتلال برئاسة نتنياهو كانت تستخف بها وبالرئيس الأمريكي وترفض طلباتها المتكررة لإتمام صفقة. وبالتالي فهي تبدو أكثر “احتراماً” عندما تتهم “حماس” بدلًا من إسرائيل.
مقابل التقارير عن تقدّم في مداولات الصفقة في الدوحة، والتي ربما تشارك حكومة الاحتلال بإشاعتها لتخفيف الضغوط الداخلية عليها، فإن الفجوة ما زالت كبيرة بين إسرائيل و”حماس”، وما زالت عميقة وواسعة. هذا ما يؤكّده رونين بيرغمان محرر الشؤون الاستخباراتية في صحيفة “يديعوت أحرونوت”، اليوم، الأحد، وينقل عن “مصادر في دول الوساطة” قولها إن إسرائيل تحاول إتمام صفقة صغيرة ليست جزءًا من صفقة بالتدريج: القليل من المخطوفين مقابل عدد قليل من الأسرى الفلسطينيين.
ويضيف بيرغمان: “بيد أن قادة في المؤسسة الأمنية الإسرائيلية، وجِهات في دول الوساطة، يحذّرون: بدلًا من شقّ الطريق نحو اتفاقات إضافية، هذه الصفقة الصغيرة يمكن أن تكون يتيمة لفترة طويلة ما يهدّد أكثر فأكثر من يتبقّى من المخطوفين في غزة”.
وينقل الكاتب الصحفي الإسرائيلي عن “مصدر كبير” قوله إن “القرار السليم هو إنهاء الحرب والكل ينفرج”. كذلك يوضح بيرغمان أن مصادر لها علاقة بالمفاوضات تجمع أنه من المفضّل لإسرائيل السعي فورًا لصفقة واحدة شاملة، الكل مقابل الكل، حتى إن شملت إنهاء الحرب بشكل رسمي معلن.
سلّم الأولويات
يتقاطع بيرغمان مع بعض الجهات الإسرائيلية المؤيدة لوقف الحرب وتوقيع صفقة فورًا على مبدأ أنه مقابل خروقات من قبل “حماس” لن تكون هناك مشكلة لإسرائيل بالعودة للمجهود العسكري في غزة. هذا ما قاله الجنرال في الاحتياط نوعم تيفون، صباح اليوم، للإذاعة العبرية العامة، مشيرًا للأهمية الإنسانية والسياسية لاستعادة بقية المخطوفين حالًا، منوهًا أنه لم يعد هناك ما يبرر الاستمرار في الحرب، حتى في ظل استمرار إطلاق بعض الصواريخ من غزة نحو مستوطنات “غلاف غزة”.
وتابع: “لا أعرف هل هي ضغوط سموتريتش وبن غفير على نتنياهو بعدم وقف الحرب، أم هي اعتباراته وهو يختبئ خلفهما”. وهذا ما أكّده قائد الجيش الأسبق الجنرال في الاحتياط دان حالوتس، الذي قال للقناة 12 العبرية، في الليلة الماضية، إن عدم إتمام صفقة ينمّ عن حسابات سياسية فئوية وأيديولوجية لدى نتنياهو ترتبط باحتلال القطاع والاستيطان فيه من جديد.
وهذا ما تراه أوساط واسعة من ذوي المحتجزين الإسرائيليين التي تتهم نتنياهو وحكومته بالكذب وتعطيل مساعي الصفقة. وفي هذا المضمار نقلت صحيفة “هآرتس” أيضًا، اليوم، الأحد، عن قريب أحد المخطوفين قوله إن عضوًا بارزًا في طاقم المفاوضات قال له إن استعادة الرهائن ليست في رأس سلم الأولويات لدى حكومة نتنياهو.
قوة الفلسطينيين في ضعفهم
يذهب المعلّق الإسرائيلي في “يديعوت أحرونوت” بن درور يميني للقول إنه لم يعد لدى “حماس” ما تخسره، وإن استمرار الحرب غير المنتهية تلحق ضررًا بإسرائيل أيضًا، من الخارج والداخل. ولذا، فإن وقف النار مصلحة قومية عليا، وهذا ليس استسلامًا لمطالب “حماس”، بالعكس.
في التزامن بثّت حركة “حماس” شريط فيديو جديداً لجندية أسيرة تتحدث عن محنتها، وقد بدت مهزومة نفسيًا. وعقبت عائلتها بدعوة وسائل الإعلام لعدم نشره والاكتفاء بنشر صورة فقط. وما لبثت أن بثّت هي فيديو قال والدها ووالدتها فيه إن “هذه ليست ابنتنا.. هذا ظلها”.
ربما يحرك الفيديو الإسرائيليين الذين زادت بلادتهم تجاه الوجع الإنساني، خاصة أن الأسيرة في الفيديو تتحدث هذه المرة بحرية بعيدًا عن شبهات الإملاء ودون التوجه المباشر للإسرائيليين للخروج للتظاهر، ما يرفع احتمال تركه مفاعيل نفسية تدفع نحو تأييد إتمام صفقة.
في التزامن أيضًا، يتواصل، لليوم العاشر، إطلاق قذائف وصواريخ من القطاع نحو مستوطنات “غلاف غزة” يتم اعتراضها ولا تؤدي لإصابات. وما يثير تساؤلات عن مفاعيلها في المعركة على الرواية والوعي وعن جدواها اليوم، وهي لا تشعل نارًا في الجانب الإسرائيلي، ولا تدفعه للاستنتاج بأن الإجهاز على “حماس” بالكامل غير ممكن، وأنه لا بد من وقف الحرب المكلفة، بقدر ما تصب الماء على طاحونة نتنياهو وأبواقه ممن يوظفونها لتعزيز مزاعمهم بضرورة مواصلة الحرب لأن “حماس” ما زالت تطلق الصواريخ وتهدد حياة الإسرائيليين.
ربما كان وما زال تدفيع جيش الاحتلال في غزة الأثمان بقتل وإصابة جنوده أكثر جدوى في الضغط على الشارع الإسرائيلي من أجل صفقة تبادل وإنهاء الحرب.
في هذا المضمار، يقول محرر صحيفة “هآرتس” ألوف بن، في مقاله، اليوم، الأحد، إن الجنازات العسكرية أسقطت غولدا مئير ومناحم بيغن من الحكم في الماضي، وأتاحت لبراك التغلب على نتنياهو في انتخابات 1999 بعدما وعد الإسرائيليين بالانسحاب من لبنان.
معتبرًا أن الجنازات تؤدي لخسائر سياسية لحكومة نتنياهو وتساهم في الضغط عليها وتصوغ شيخوخته وموروثه، كما صاغت حياته عندما كان شابًا وفَقَدَ شقيقه جونتان نتنياهو في عملية “عينتيبي” في أوغندا، عام 1976.
تعليقات الزوار
لا تعليقات